القاهرة تتجاهل تحذيرات ويتكوف من حدوث انهيار اقتصادي

الحكومة تهيئ المصريين لزيادة جديدة في أسعار الوقود.
السبت 2025/03/29
أخبار مقلقة

تجتهد الحكومة المصرية في إثبات قدرتها أمام المجتمع الدولي على المضي في الإصلاحات الاقتصادية الصعبة، لكن ذلك قد تكون له ارتدادات خطيرة، في ظل تضرر شرائح واسعة من المجتمع المصري.

القاهرة - بعثت الحكومة المصرية برسائل غير مباشرة إلى الخارج عقب تصريحات أدلى المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف بشأن هشاشة الوضع الاقتصادي في مصر وعدم قدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها تجاه المؤسسات الدولية.

وكثفت القاهرة الأيام الماضية جهودها لتهيئة المواطنين لاستقبال زيادة جديدة في أسعار الوقود المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي لرفع الدعم عنه تماما قبل نهاية العام الجاري.

وقال رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن حكومته تعمل على برنامج لإصلاح وهيكلة أسعار المواد البترولية، وإن الزيادات التي تُفرض هي “زيادات متدرجة” حتى نهاية العام، ولا يمكن سد أي فجوة مالية مرة واحدة.

وتزامن ذلك مع التأكيد على اعتزام الحكومة خفض دعم المواد البترولية “بنزين وسولار” خلال العام المالي المقبل 2025 – 2026 بنسبة 51.4 في المئة إلى 75 مليار جنيه مقابل 154.4 مليار جنيه السنة المالية الحالية 2024 – 2025 (الدولار=51 جنيها)، وفق ما قاله وزير المالية أحمد كجوك، الخميس، خلال اعتماد مجلس الوزراء موازنة العام المقبل وتحويلها إلى النواب لإقرارها.

إيهاب منصور: الزيادات ستكون عاملا مساعدا في زيادة وتيرة السخط
إيهاب منصور: الزيادات ستكون عاملا مساعدا في زيادة وتيرة السخط

وتتماشى خطوات القاهرة مع إعلان صندوق النقد الدولي قبل أسبوعين أن مصر ملتزمة برفع الدعم عن المواد البترولية بنهاية العام الحالي، بمناسبة الموافقة على المراجعة الرابعة من قرض حصلت عليه مصر قيمته 7.4 مليار يورو، ما يدحض تحذيرات وجهها ويتكوف إلى مصر بأنها تعيش في مرحلة إفلاس، وتشكيك في قدرتها على الاستجابة لمطالب المؤسسات المانحة.

وتعاملت القاهرة مع تصريحات ستيف ويتكوف بقدر كبير من الحذر، إذ أعقبها اتصال وزير الخارجية بدر عبدالعاطي بالمبعوث الأميركي أكد له أن الوضع الاقتصادي يمضي في التحسن وفقا للمؤشرات الدولية.

وتحاول الحكومة المصرية إثبات قدرتها أمام المجتمع الدولي على المضي في إجراءات إصلاح الاقتصاد الصعبة، التي تتضرر منها شريحة كبيرة من المواطنين دون أن يقود ذلك إلى قلاقل داخلية حذر منها المبعوث الأميركي.

واستفادت السلطة المصرية من حالة الالتفاف الشعبي حولها بشأن مواقفها من تهجير الفلسطينيين، وسيكون التوجه نحو زيادة أسعار الوقود في إطار قناعة قطاعات بتحمل الأوضاع الاقتصادية أفضل من الدخول في حالة تشظّ وانقسام داخلي.

وقال وكيل لجنة القوى العاملة في البرلمان المصري إيهاب منصور إن غالبية المصريين لديهم حالة كبيرة من الوعي بما يحيط بالبلاد من أزمات وقناعة أنه يتم الضغط على بلدهم بطرق مختلفة للقبول بمخطط التهجير، وذلك ما يساعد على تهدئة أيّ غضب إذا التزمت الحكومة بإدخال تعديلات متتالية على أسعار الوقود، لأنها تدرك أن النتائج على أوضاعهم المعيشية سوف تصبح صعبة.

وأوضح منصور في تصريح لـ”العرب” أن المواطنين لديهم قدرة على التفرقة بين الانتقادات التي يوجهونها للحكومة بسبب ضعف أدائها في مجالات مختلفة وبين الدعم السياسي الذي يجب أن يحظى به النظام الحاكم في مواجهة ضغوط خارجية، وأن رفع أسعار الوقود يتم تحميله لإخفاق الحكومة في التعامل مع المشكلات الاقتصادية، وستكون الزيادات عاملا مساعدا في زيادة وتيرة السخط، لكن تبقى الرغبة في تحقيق الاستقرار الداخلي مقدمة على أيّ متاعب معيشية، وقد يتغير ذلك في أيّ لحظة.

وأشار إلى أنه على الحكومة المصرية البحث عن أساليب أخرى تقلل بها الضغط على موازنتها السنوية بعيدا عن جيوب المواطنين، وهناك مقترحات عدة لسد العجز من خلال تنفيذ قوانين تجلب مليارات الجنيهات في غضون عامين أو أقل مثل قانون التصالح في مخالفات البناء، والاتجاه نحو تقليص الإنفاق على المشروعات القومية واقتصار الأمر على المفيد فقط، وتعزيز أدوات الرقابة الغائبة.

كريم العمدة: الاستمرار على نفس السياسة الاقتصادية أمر شديد الخطورة
كريم العمدة: الاستمرار على نفس السياسة الاقتصادية أمر شديد الخطورة

ورفعت الحكومة المصرية أسعار البنزين والسولار العام الماضي ثلاث مرات بهدف تخفيف عبء عجز الموازنة، ويبدأ العام المالي في يوليو المقبل وينتهي آخر يونيو من العام التالي، وقد توالت الزيادات في السنوات الثلاث الماضية في وقت واجهت فيه القاهرة أزمات اقتصادية بسبب تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار.

ومع آخر زيادة أقرتها الحكومة في أكتوبر الماضي، قررت تجميد الزيادات لمدة ستة أشهر تنتهي في أبريل المقبل، وسط توقعات أن تعقد لجنة تسعير المحروقات البترولية اجتماعها على أن يتم إقرار الزيادة قبل انتهاء إجازة عيد الفطر، وبعدها تعقد اللجنة اجتماعين آخرين في شهري يوليو وأكتوبر المقبلين.

وأكد خبير الاقتصاد السياسي كريم العمدة أن القاهرة ملتزمة بما توصلت إليه مع صندوق النقد الدولي من تفاهمات لإقرار الشريحة الرابعة التي تقدر قيمتها بمليار و200 مليون دولار، ويمكن أن تحصل فترة سماح تتمكن من خلالها إرجاء أيّ زيادة إلى العام المقبل، حال كان الوضع في الداخل لا يسمح بذلك.

وأشار العمدة في تصريح لـ”العرب” إلى أن الاتجاه نحو الزيادة بوتيرة سريعة يشكل خطورة، ولا بد أن تواكبه إجراءات حماية اجتماعية لا تتوافر في الإجراءات التي اتخذتها الحكومة حتى الآن، لافتا إلى أن المصريين أدركوا أن التظاهرات والاحتجاجات تأتي بنتائج سلبية ولديهم أمل أن تتحسن الأوضاع، ولذلك يبقى التماسك الداخلي دليلا على عدم أهمية ادعاءات الانهيار الاقتصادي في مصر.

وذكر العمدة أن الاستمرار على نفس السياسة الاقتصادية أمر شديد الخطورة، حال بات من الصعب تحمل الأوضاع المعيشية، وأن رفع معدلات الأجور ومساعدة الفقراء على تجاوز مشكلاتهم هو السبيل الأمثل لمواجهة أيّ ضغوط سياسية، وضمان عدم توظيف الاقتصاد كسلاح موجه ضد الدولة.

ومعروف أن أزمات مصر الاقتصادية في جزء منها سببه الدعم الذي أخفقت حكومات سابقة في التعامل معه والتخلص منه بشكل تدريجي، والإقدام على هذه الخطوة في غضون سنوات قليلة أمر ليس إيجابيا أيضا، لأنه قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.

ويقول متابعون إن على الحكومة أن تكون أكثر شفافية في الإعلان عن قيمة تكلفة الإنتاج المحلي للبنزين، وإن خفض تكلفة الأموال الموجهة لقطاع الطاقة ممكن من خلال ترشيد إدارات شركات البترول المحلية.

2