ردود فعل فرنسية متباينة بين الالتماس والغضب إزاء سجن صنصال في الجزائر

تباينت ردود الفعل في فرنسا بشأن قرار حكم محكمة جزائرية بسجن الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال لمدة خمس سنوات، فبينما عبرت أطراف سياسية عن غضبها من القرار، حاول الرئيس إيمانويل ماكرون التعويل على دور السلطات الجزائرية لإطلاق سراح صنصال.
الجزائر - أثار قرار سجن الكاتب الفرنسي – الجزائري بوعلام صنصال، ردود فعل متباينة بين الغضب في الشارع الشعبي والسياسي الفرنسي، والتماس الرئيس إيمانويل ماكرون من أعلى السلطات الجزائرية، إطلاق سراح الكاتب الذي حُكم عليه في الجزائر بالسجن خمس سنوات بتهمة المساس بالوحدة الوطنية.
وقال ماكرون في مؤتمر صحفي “أتعشم أن تكون هناك قرارات إنسانية من جانب أعلى السلطات الجزائرية لإعادة حريته والسماح له بالعلاج من المرض الذي يحاربه”.
وأصدرت محكمة الدار البيضاء للجنح بالجزائر الخميس، حكما بالسجن خمس سنوات مع النفاذ في حق الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال الموقوف منذ نوفمبر بتهم عدة منها “المساس بوحدة الوطن”، في خطوة دشنت سجالا سياسيا جديدا بين الجزائر وفرنسا، وأثارت مخاوف من مزيد تعقيد الأزمة، خاصة في ظل تصريحات التهدئة الأخيرة من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون.
وأفاد متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، الخميس أن باريس تأسف للحكم الصادر عن محكمة جزائرية بحق الكاتب بوعلام صنصال بالسجن خمس سنوات وتدعو إلى إنهاء ذلك الوضع “بسرعة وعلى نحو يصون الكرامة.”
وجاء في منطوق حكم القضية “حكمت المحكمة حضوريا ابتدائيا على صنصال بوعلام بالسجن النافذ 5 سنوات وغرامة مالية 500 ألف دينار” أي حوالي 3500 يورو.
وكانت النيابة طالبت خلال المحاكمة التي جرت في 20 مارس بالسجن 10 سنوات وغرامة مليون دينار (700 يورو) بتهم “المساس بوحدة الوطن وإهانة هيئة نظامية والقيام بممارسات من شأنها الإضرار بالاقتصاد الوطني وحيازة فيديوهات ومنشورات تهدد الأمن والاستقرار الوطني” المنصوص عليها في قانون العقوبات.
الكاتب بوعلام صنصال نفى بحسب دار غاليمار للنشر المتعاقد معها، خلال المحاكمة أي نية للإضرار ببلده
وأوقف صنصال في الجزائر بعد تصريحات أدلى بها لصحيفة فرنسية قريبة من اليمين المتطرف، وتبنى فيها طرحا مغربيا بأن قسما من أراضي المملكة اقتطع في ظل الاستعمار الفرنسي وضمّ للجزائر.
ونفى الكاتب البالغ 80 سنة بحسب دار غاليمار للنشر المتعاقد معها، خلال المحاكمة أي نية للإضرار ببلده، معتبرا أنه “مجرد تعبير عن الرأي، كما يفعل أي مواطن جزائري،” ومشيرا إلى “عدم إدراكه لما قد تحمله بعض عباراته من مساس بالمؤسسات الوطنية،” بحسب ما أوردت صحيفة “الشروق” الجزائرية.
وبحسب الصحيفة، ظهر صنصال “في صحة جيدة” داخل جلسة المحاكمة رغم معاناته من السرطان.
ويأتي الحكم في ظل أزمة دبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، مما يرجح وجود دوافع سياسية للقضية، خصوصا وأن توقيف صنصال في 16 نوفمبر جاء بعد إعلان باريس الصيف الماضي تأييدها تطبيق الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، ما دفع الجزائر إلى سحب سفيرها من فرنسا.
وتثير القضية تساؤلات حول حرية التعبير في الجزائر، خاصة بالنسبة للمثقفين والكتاب، وقد يكون للحكم تأثير سلبي على صورة الجزائر في المجتمع الدولي، كما قد يؤدي إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين الجزائر وفرنسا.
واعتبر مراقبون أن مصير صنصال قد يلعب دورا حاسما في تهدئة أكبر أزمة دبلوماسية في العلاقات بين الجزائر وباريس منذ عقود، من خلال “إدانة مخففة أو مع وقف التنفيذ لأسباب طبية” أو حتى عقوبة سجن “يتبعها عفو رئاسي” في نهاية رمضان.
مراقبون يرون أن مصير صنصال قد يلعب دورا حاسما في تهدئة أكبر أزمة دبلوماسية في العلاقات بين الجزائر وباريس منذ عقود
ويقول المحلّل في مركز البحث في شؤون العالم العربي والمتوسط في جنيف حسني عبيدي أن تبون يتمنى “نتيجة سريعة ومشرفة”. وبمجرّد حلّ قضية صنصال، يرى أنه سيكون لدى ماكرون مساحة أكبر للتحرك لاستعادة السيطرة على ملف العلاقات مع الجزائر الذي يحتكره وزير داخليته برونو روتاليو، بحسب رأيه.
والأربعاء ذكر موقع “كل شيء عن الجزائر” أن باريس تحضر زيارة لوزير الخارجية جان نويل بارو إلى الجزائر.
وبات صنصال غير المعروف على نطاق واسع في فرنسا قبل هذه القضية، يحظى بتضامن واسع بين الفرنسيين. وتجمّع الثلاثاء مئات الأشخاص في باريس للمطالبة بالإفراج عنه، بينهم شخصيات من اليمين المتطرف مثل مارين لوبان وإريك زمور.
وبالتزامن مع المحاكمة، قال الرئيس الفرنسي إنه يثق بـ “فطنة” نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون “ليدرك أن كل هذا (التهم ضد صنصال) ليس أمرا جديا”، مطالبا مرة أخرى بالإفراج الفوري عن الكاتب.
وقبل سجنه، كان صنصال الذي شغل مناصب مسؤولية رفيعة المستوى في الحكومة الجزائرية سابقا، صوتا ناقدا للسلطة، لكنه كان يزور الجزائر بشكل عادي وكتبه تُباع فيها من دون قيود.
وقدم أعطى الرئيس تبون إشارات إيجابية عندما اعتمد موقف تهدئة في مقابلة السبت مع وسائل إعلام حكومية، مشيرا إلى الرئيس ماكرون كـ “نقطة مرجعية وحيدة” لحل الخلاف بين بلاده وفرنسا، ومعتبرا أن القضية “بين أياد أمينة.”
وحول اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على صحرائه، قال تبون إن ليس لديه أي شيء ضد الصداقة المتجددة بين باريس والرباط. وتحدث الرئيس الجزائري عن “لحظة سوء فهم” مع باريس.
وتعتبر الجزائر نفسها ضحية لحملة من اليمين المتطرف الفرنسي الذي يكثف الدعوات لمعاقبة الجزائر، أو حتى قطع العلاقات معها. ويقود وزير الداخلية الفرنسي برونو روتاليو الذي يقوم بحملة لرئاسة حزب الجمهوريين اليميني، هذه المعركة.
وهدد روتاليو الذي يعتبر نفسه صديقا لصنصال، بـ”رد متدرج”، بعدما رفضت الجزائر استقبال مؤثرين جزائريين طُردوا في يناير من فرنسا بعد تهديدهم معارضين على الإنترنت.
وأشار الوزير الفرنسي أيضا إلى الجزائر بعد هجوم دام في 22 فبراير في فرنسا نفذه جزائري فرضت عليه السلطات مغادرة ترابها، ورفضت الجزائر مرات عدة استعادته.