صناعة السيارات جبهة أميركية أخرى في الحرب التجارية العالمية

دخلت الحرب التجارية العالمية التي ذكاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب منعطفا آخر مع تصعيده حيال واردات السيارات، وذلك في سياق سلسلة قرارات لفرض ضرائب قاسية على حزمة واسعة من المنتجات، بينما يحاول العالم استيعاب الصدمة وتأثيراتها على هذه الصناعة.
واشنطن - قادت أسهم السيارات الآسيوية الأسواق إلى الانخفاض الخميس بعدما أعلنت الولايات المتحدة عن رسوم بنسبة 25 في المئة على المركبات المستوردة، ما وسّع نطاق الحرب التجارية العالمية وأثار انتقادات وتهديدات بالانتقام من حلفائها المتضررين.
وستدخل الرسوم التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب على السيارات والشاحنات الخفيفة حيز التنفيذ في الثالث من أبريل، أي بعد يوم من اعتزام ترامب الإعلان عن رسوم متبادلة تستهدف الدول المسؤولة عن الجزء الأكبر من العجز التجاري الأميركي.
وتأتي الرسوم، التي يتوقع أن تجني منها واشنطن حوالي 100 مليار دولار، بالإضافة إلى الرسوم المفروضة بالفعل على الصلب والألمنيوم، وعلى السلع من المكسيك وكندا والصين.
ورأى جيسون تشان، كبير إستراتيجيي الاستثمار في بنك شرق آسيا، ومقره هونغ كونغ، أن القلق الأكبر لا يقتصر على مدى تأثير هذه الرسوم.
ونسبت رويترز إلى تشان قوله إنها “تُشير إلى أن إعادة هيكلة إدارة ترامب للتجارة العالمية لن تنتهي بالضرورة بإعلانها في الثاني من أبريل عن رسوم متبادلة، كما كان مُأمولًا سابقًا.”
ويستند مبدأ “الرسوم المتبادلة” على فرض رسوم على السلع الواردة من بلد إلى الولايات المتحدة تكون نسبتها موازية للرسوم المفروضة في ذلك البلد على سلع أميركية مصدرة إليه.
وأضاف تشان “هذا قد يُطيل أمد حالة عدم اليقين التجاري، ويطرح تساؤلًا حول مدى التغيير الجذري الذي يسعى ترامب إلى تحقيقه في نظام التجارة العالمية.”
واستوردت الولايات المتحدة منتجات سيارات بقيمة 474 مليار دولار في عام 2024، بما في ذلك سيارات ركاب بقيمة 220 مليار دولار. وكانت المكسيك واليابان وكوريا الجنوبية وكندا وألمانيا، وجميعها حلفاء مقربون للولايات المتحدة، أكبر الموردين.
وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين هذه الخطوة بأنها “سيئة للشركات، وأسوأ للمستهلكين،” بينما وصف رئيس الوزراء الكندي مارك كارني الرسوم بأنها “هجوم مباشر” على العمال الكنديين، وقال إنه يجري النظر في اتخاذ إجراءات انتقامية.
وقال كارني للصحافيين في أوتاوا “سندافع عن عمالنا، وسندافع عن شركاتنا، وسندافع عن بلدنا، وسندافع عنه معًا.” وقادت شركات صناعة السيارات، مثل تويوتا موتور ومازدا موتور، انخفاضات الأسهم في اليابان، التي تعتمد على مبيعاتها في أكثر من ربع صادراتها إلى السوق الأميركية.
وتراجعت أسهم شركات صناعة السيارات في كوريا الجنوبية، وخاصة هيونداي موتور وكيا كورب، بشكل حاد، بينما تراجعت أيضًا شركات صناعة السيارات وموردي قطع الغيار في الهند.
وصرح رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا بأن طوكيو ستضع “جميع الخيارات على الطاولة” للتعامل مع الرسوم الجديدة، بينما قالت كوريا الجنوبية إنها ستضع خطة استجابة طارئة لصناعة السيارات المتضررة بشدة بحلول أبريل.
وتعليقا على الخطوة قال الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إن “ترامب يخاطر بإلحاق الضرر بالاقتصاد الأميركي بفرض رسوم جمركية إضافية.”
وأضاف لولا الخميس في مؤتمر صحفي في طوكيو أن “الحمائية التجارية لا تفيد أي دولة في العالم،” متعهدًا بتقديم شكوى إلى منظمة التجارة العالمية بشأن ضريبة تجارية على الصلب البرازيلي.
ويرى ترامب أن الرسوم الجمركية أداة لزيادة الإيرادات لتعويض التخفيضات الضريبية التي وعد بها، ولإنعاش القاعدة الصناعية الأميركية المتدهورة منذ فترة طويلة.
ومع ذلك، يتوقع العديد من خبراء التجارة ارتفاع الأسعار في البداية وانخفاض الطلب، ما يضر بصناعة السيارات العالمية التي تعاني بالفعل من حالة عدم اليقين الناجمة عن تهديدات ترامب المتسارعة بفرض رسوم، وتراجعه عنها بين الحين والآخر.
وصرح الرئيس الأميركي المثير للجدل في المكتب البيضاوي الأربعاء قائلا “سنفرض رسومًا على الدول لممارسة أعمالها التجارية في بلدنا، والاستيلاء على وظائفنا، وثرواتنا، وعلى الكثير مما استولوا عليه على مر السنين.”
وأضاف “لقد استولوا على الكثير من بلدنا، سواء كانوا أصدقاء أو أعداء، وبصراحة، كان الصديق في الكثير من الأحيان أسوأ بكثير من العدو.”
وفي وقت مبكر من الخميس صرّح ترامب بأنه قد يفرض على الاتحاد الأوروبي وكندا رسومًا جمركية أكبر إذا تعاونا للرد على الرسوم الأميركية.
وقال في منشور على منصة تروث سوشيال “إذا تعاون الاتحاد الأوروبي مع كندا لإلحاق ضرر اقتصادي بالولايات المتحدة، فسيتم فرض رسوم جمركية واسعة النطاق، أكبر بكثير مما هو مخطط له حاليًا، عليهما لحماية أفضل صديق عرفه كل من هذين البلدين.”
وفي خضم هذا التوتر أشادت نقابة “عمال السيارات المتحدون”، التي لطالما انتقدت اتفاقيات التجارة الحرة التي تعتبرها سبباً في تدمير الوظائف الأميركية، بخطوة إدارة ترامب.
وقال رئيس النقابة شون فاين في بيان إن “هذه الرسوم خطوة رئيسية في الاتجاه الصحيح لعمال السيارات والعمال ذوي الياقات الزرقاء في جميع أنحاء البلاد.”
وأضاف “تقع الآن على عاتق شركات صناعة السيارات، من الشركات الثلاث الكبرى (جنرال موتورز وفورد وتسلا) إلى فولكسفاغن وغيرها، إعادة الوظائف النقابية الجيدة إلى الولايات المتحدة.”
وتُعتبر فولكسفاغن، أكبر شركة أوروبية لصناعة السيارات، في دائرة الضوء نظرا لأن 43 في المئة من مبيعاتها في الولايات المتحدة تأتي من مصانعها في المكسيك، وفقا لتقديرات ستاندرد آند بورز غلوبال موبيليتي.
وقال اتحاد صانعي السيارات الألمان إن الرسوم الأميركية تمثل “إشارة قاتلة للتبادل الحر،” حيث إنها “تشكل عبئا هائلا على الشركات وسلاسل الإمداد العالمية مع تداعيات سلبية لاسيما على المستهلكين.”
وانخفضت أسهم شركات صناعة السيارات الأميركية، التي تتمتع بتكامل كبير مع مصانع وموردين في كندا والمكسيك، في تعاملات ما بعد ساعات العمل، بينما تراجعت العقود الآجلة لمؤشر الأسهم الأميركية، ما يشير إلى أن الأسهم اتجهت إلى الانخفاض عند الافتتاح الخميس.
ورجح شين أوليفر كبير الاقتصاديين في شركة أي.أم.بي، ومقرها سيدني، أن يكون للرسوم الجديدة تأثير أكبر على الاتحاد الأوروبي مقارنة بشركات صناعة السيارات الصينية.
وقال لرويترز “يبدو الآن أنه أكثر جرأة تجاه الأسواق الأخرى بدلًا من تركيز جهوده على الصين، لذا قد يُسهم ذلك بطريقة ما في تهدئة المشاعر تجاه الصين وهونغ كونغ.”
ويتوقع مركز أبحاث السيارات أن الرسوم الجديدة أن تكلف المشترين آلاف الدولارات، ما يؤثر سلباً على مبيعات السيارات الجديدة ويؤدي إلى فقدان الوظائف، حيث تعتمد هذه الصناعة في الولايات المتحدة بشكل كبير على الأجزاء المستوردة.
وقالت جينيفر سافافيان الرئيسة والمديرة التنفيذية لشركة أوتو درايف أميركا، وهي مجموعة تجارية تمثل شركات صناعة السيارات الأجنبية، في بيان “ستزيد الرسوم الجمركية المفروضة اليوم من كلفة إنتاج وبيع السيارات في الولايات المتحدة.”
474
مليار دولار قيمة واردات أميركا في 2024، بما في ذلك سيارات ركاب بقيمة 220 مليار دولار
وأوضحت أن ذلك يؤدي في النهاية إلى ارتفاع الأسعار، وتقليص الخيارات المتاحة للمستهلكين، وتقليص وظائف التصنيع في الولايات المتحدة.
وتضمن توجيه ترامب إعفاءات مؤقتة لقطع غيار السيارات، بينما يدرس المسؤولون الحكوميون تعقيدات تحويل إعلانه إلى ممارسة عملية.
ومنذ توليه منصبه في 20 يناير أعلن ترامب عن فرض رسوم على كندا والمكسيك، وأرجأ تطبيقها، بزعم أن لهما دورا في السماح بدخول الفنتانيل الأفيوني إلى الولايات المتحدة.
كما فرض ضرائب استيراد على البضائع من الصين للسبب نفسه؛ وفرض رسومًا جمركية باهظة على واردات الصلب والألمنيوم، وقد روّج مرارًا لخططه للإعلان عن رسوم جمركية متبادلة عالمية في الثاني من أبريل.
ونصف كميات الصلب والألمنيوم المستخدمة من جانب الشركات الأميركية يستورد من الخارج. وتملك الشركات الأميركية مصانع في الخارج تغذي السوق الأميركية ولاسيما في كندا والمكسيك.
وتستورد فورد 20 في المئة من السيارات التي تبيعها وجنرال موتورز حوالي 750 ألفا سنويا بشكل أساسي من البلدين المجاورين.
وحذر إيلون ماسك حليف ترامب الكبير مساء الأربعاء من أن الرسوم الجديدة سيكون لها تأثير “لا يستهان به” على كلفة إنتاج سيارات تسلا التي يملكها من خلال قطع الغيار المستوردة.