صلاحيات واسعة للحشد الشعبي في قانون جديد يثير الجدل في العراق

بغداد - وسط جدل سياسي وأمني متصاعد، يدرس البرلمان العراقي مشروع قانون يهدف إلى ترسيخ دور قوات الحشد الشعبي، التحالف المثير للجدل من الفصائل المسلحة التي تهيمن عليها جماعات وثيقة الصلة بإيران، لتصبح ذراعًا أمنية رسمية للدولة.
وهذا التحول المقترح يثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل العلاقة بين هذه القوات والحكومة العراقية، وتأثيره المحتمل على التوازنات الإقليمية الدقيقة في المنطقة.
وتكشف مسودة القانون، اطلعت عليها صحيفة "ذا ناشيونال"، عن توجه لتمكين الحشد الشعبي بصلاحيات واسعة النطاق. تشمل هذه الصلاحيات منح رئيس الحشد رتبة وزير ومقعدا في اللجنة الوزارية للأمن الوطني، مما يعزز نفوذه السياسي والعسكري.
ورئيس هيئة الحشد الشعبي هو فالح الفياض، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات لدوره في قمع الاحتجاجات العراقية المؤيدة للديمقراطية عام 2019 بدعم من فيلق القدس الإيراني.
ويقترح مشروع القانون إبقاء قوات الحشد الشعبي تحت قيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ولكن كقوة عسكرية موازية. كما يسمح هذا القانون بتعيين ضباط الجيش النظامي في عدة مناصب رفيعة ومتوسطة، ولكنه في الوقت نفسه يمنح الجماعة قوة أكبر في جوانب أخرى.
كما يمنح مشروع القانون الحشد صلاحيات أمنية واسعة، بما في ذلك "المساهمة في حماية النظام الدستوري والديمقراطي في العراق"، و"الدفاع عن البلاد وحماية وحدتها وسلامة أراضيها، ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله"، إضافة إلى ذلك، يسعى مشروع القانون إلى بناء جهاز عسكري متكامل للحشد، وتزويده بأحدث التقنيات، وإنشاء أكاديمية عسكرية خاصة به."
ويثير مشروع القانون مخاوف جدية بشأن تزايد نفوذ الفصائل الموالية لإيران داخل الحشد، وتأثيرها المحتمل على السيادة العراقية. كما أن معارضة هذه الفصائل لتواجد القوات الأميركية في العراق تزيد من حدة التوترات الإقليمية.
وتتعالى الأصوات داخل العراق وخارجه، بما في ذلك من الولايات المتحدة، بضرورة دمج الحشد في القوات الأمنية النظامية. وهذا التوجه يعكس انقسامًا عميقا حول مستقبل هذه القوات ودورها في الدولة العراقية.
ويخضع مشروع القانون المكوّن من 18 مادة لعملية تشريعية معقدة، حيث أتم البرلمان القراءة الأولى، ويستعد للقراءة الثانية لمناقشة التعديلات. إلا أن لجنة الأمن والدفاع النيابية طالبت بتأجيل القراءة الثانية، مشيرة إلى عدم استيفاء المدة القانونية، وضرورة دراسة الجداول التفصيلية للقانون، واستضافة الجهات المعنية.
ويأتي هذا الجدل وسط ضغوط دولية متزايدة لتقنين عمل الحشد، وإنهاء وجود الفصائل المسلحة خارج سلطة الدولة، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري في العراق.
ويمثل مشروع قانون الحشد الشعبي لحظة مفصلية في تاريخ العراق الحديث، فإما أن يؤدي إلى دمج هذه القوات في مؤسسات الدولة، وتعزيز سيادة القانون، أو أن يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي، ويهدد الاستقرار الإقليمي. ليبقى السؤال المطروح كيف سيتعامل البرلمان العراقي مع هذه القضية الحساسة، وما إذا كان سيتمكن من التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف المعنية.
وكان الحشد الشعبي قد أنشئ بالاستناد إلى فتوى دينية من المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني سنة 2014 لمواجهة تنظيم داعش الذي غزا آنذاك مساحات شاسعة من العراق وسيطر عليها، وانضمت عدة ميليشيات شيعية عراقية قوية، مدعومة من إيران، إلى صفوفه بعد فترة وجيزة، وكان بعضها يقاتل إلى جانب قوات الرئيس السابق بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية.
وقاتلت قوات الحشد الشعبي بالتوازي مع الجيش العراقي، الذي تلقى مساعدة من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش. واتُّهمت العديد من فصائلها بانتهاك حقوق الإنسان للمدنيين، وهو ما أقرته الحكومة وقوات الحشد الشعبي بأنها "أفعال فردية".
ولفت التقرير إلى أن هناك زيادة في ميزانية الحشد الشعبي وعدد أفراده بشكل كبير منذ إلحاق الهزيمة بداعش، حيث تضاعف عدد عناصره تقريبا، من 122 ألفاً إلى 238 ألف منتسب، وفقاً لموازنة 2023، فيما زاد حجم مخصصات ميزانيته بشكل مطرد، من 2.16 مليار دولار في العام 2022 إلى 2.8 مليار دولار في العام 2023، و3.4 مليار دولار في العام التالي. كما تدير هذه القوات شركتها التجارية الخاصة.
وتحظى الحكومة العراقية بدعم من الإطار التنسيقي، وهو أكبر مجموعة سياسية في البرلمان، ويتكون من ممثلين عن الميليشيات والأحزاب السياسية الموالية لطهران.
وأدرج البرلمان العراقي الأربعاء، فقرتي التصويت على استحداث محافظة حلبجة والقراءة الثانية لقانون الحشد الشعبي، على جدول أعمال جلسته إلا انه أخفق في عقدها بسبب الغيابات المتكررة والخلافات المستمرة بين الكتل السياسية.
وكان البرلمان العراقي قد أتم في آخر جلسة له، القراءة الأولى لمشروع قانون هيئة الحشد الشعبي المتعلق بالهيكلية الإدارية من مديريات وألوية وغيرها، وذلك بعد سحب القانون الخاص بالخدمة والتقاعد لمنتسبي الحشد من البرلمان وإعادته لمجلس الوزراء، نظرا للغط الذي أثير حوله.