في المغرب.. أنت وزير في حكومة ولست معارضا لها!

بدل أخذ مكان المعارضة كان على هؤلاء الوزراء العكوف على دراسة الواقع واتخاذ إجراءات حاسمة ضد المتزعمين لسوق المضاربات والتعامل بجدية مع خصائص السوق وتوازن العرض والطلب.
الأربعاء 2025/03/26
المواطن اكتوى بنار الغلاء و"الشناقة"

يختلف العمل في الحكومة عن العمل في صفوف المعارضة. وقد جرب حزبا الاستقلال والأصالة والمعاصرة في المغرب موقع وخطاب المعارضة قبل العام 2021، عام سقوط حزب العدالة والتنمية وصعود هذين الحزبين بمعية التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة الحالية.

ثلاثة أحزاب تقود الأغلبية البرلمانية وتشكيلة من الوزراء، المفروض أن يكونوا منسجمين لتنفيذ برنامجهم الحكومي، وتحمل نتيجة مسؤولياتهم عن الإجراءات والسياسات التي تقرها الحكومة التي ينتمون إليها.

لا معنى لإطلالة وزير التجهيز والماء نزار بركة من برنامج “نقطة إلى السطر” بقناة “الأولى” المغربية، لتسجيل موقف حزبه السياسي من غلاء اللحوم، وإلقاء اللائمة على المضاربين، الذين نسميهم هنا في المغرب بـ“الشناقة”. هؤلاء يرفعون الأثمان ويتحكمون في الأسعار والأسواق.

◄ هناك الآن إجماع على أن التحديات التي تواجهها المملكة كبيرة وضخمة، سواء باستكمال الورش الاجتماعية والصحية، أو البنية المتعلقة بالاستثمارات، أو الاستمرار في المكاسب التي تحققها قضية الصحراء المغربية

قال بركة إن “أرباح مستوردي الأغنام، الذين حصلوا من الحكومة على دعم 500 درهم عن كل رأس غنم، وصلت إلى 130 مليون درهم على حساب المغاربة، وإن القدرة الشرائية للمواطنين تضررت كثيرا، خصوصا بالنسبة للفئات المعوزة والطبقة المتوسطة.” وأرجع السبب إلى جشع الوسطاء والمضاربين ومستغلي الأزمات الذين يربحون أكثر.

هذا ليس خطاب أحد رؤساء أحزاب المعارضة، بل هو خطاب رئيس حزب الاستقلال، الذي يشارك في الحكومة التي دعمت هؤلاء المستوردين. وكان بركة ضمن الفريق الحكومي الذي وافق على هذا الإجراء. بل انتقل إلى منطق الوعظ عندما قال إنه يجب “الانتقال من منطق الجشع والربح السريع والشناقة، إلى منطق النزاهة الاقتصادية والاجتماعية عبر هذا الميثاق الأخلاقي.”

من غرائب السياسة أن يخرج وزير يقود حزب الاستقلال، وله وزنه داخل الفريق الحكومي، مساءً لينتقد سياسات الحكومة، وفي صباح اليوم التالي يتحدث بكل ثقة عن الانسجام بين قيادات الأحزاب الثلاثة.

حدث هذا أيضا مع البرلمانيين في الأغلبية، عندما خرج عدد منهم ينتقدون وزراء ينتمون إلى أحزابهم، ويتبرؤون من أدائهم وقراراتهم التي لا تحظى بالشعبية. برلمانيون ووزراء يلبسون جلباب المعارضة ويتسلحون بمفرداتها لقصف الحكومة، وكأنهم ليسوا جزءا من سياستها.

نزار بركة ليس وحده من تبنى هذا المنطق المعارض، بل سبقه وزير الصناعة والتجارة رياض مزور، الذي كشف عن وجود حوالي 18 مضاربا يتحكمون في سوق اللحوم الحمراء بالمغرب، وأن إجمالي هوامش الربح وصل إلى 40 درهما للكيلوغرام، مقارنة بـ20 إلى 25 درهما سابقا. هذا يعكس استمرار سيطرة فئة محدودة من المضاربين على السوق.

السبب في هذه الهرولة هو اقتراب الاستحقاقات الانتخابية. وليس صعبا على هؤلاء الانسلاخ من جلد الحكومة والاندساس في صفوف المعارضة، أملا في كسب قاعدة جماهيرية لاكتساح المشهد السياسي والوصول إلى الرتبة الأولى لقيادة حكومة المونديال.

◄ ثلاثة أحزاب تقود الأغلبية البرلمانية وتشكيلة من الوزراء، المفروض أن يكونوا منسجمين لتنفيذ برنامجهم الحكومي، وتحمل نتيجة مسؤولياتهم عن الإجراءات والسياسات التي تقرها الحكومة التي ينتمون إليها

وهذا طموح مشروع عندما تتحمل مسؤولية نتائج سياسات ساهم فيها كل الطاقم الوزاري دون استثناء.

المرور على قناة عمومية لتمرير خطاب معارض، لأجل دغدغة مشاعر المواطن الذي اكتوى بنار الغلاء وتوحش المحتكرين والمضاربين، لا يعني سوى التنصل من المسؤولية التي تحملوها عن طيب خاطر. بل هم من سعوا إليها وحاربوا في سبيلها.

هل يتعين علينا تذكير هؤلاء الوزراء بأن ليس مطلوبا منهم التشكي من الغلاء والمضاربين، وتعديد المشاكل الاجتماعية والإكراهات المالية والتحديات المناخية والمتغيرات في السوق الدولية؟

ليس عليهم إلا أداء أدوارهم التنفيذية منذ لحظة تعيينهم، والبحث عن حلول وتدبير الأزمات. ألم يصف هؤلاء بأن هذه حكومة الكفاءات؟ لا يوجد دليل إرشادي لهذه الوظيفة، فقط الكفاءة والرؤية والإبداع والتدريب المستمر على المهمة هو المطلوب.

بدل أخذ مكان المعارضة، كان على هؤلاء الوزراء العكوف على دراسة الواقع واتخاذ إجراءات حاسمة ضد المتزعمين لسوق المضاربات، والتعامل بجدية مع خصائص السوق وتوازن العرض والطلب.

كان عليهم البحث عن طرق بديلة ومبتكرة لتخفيض الأسعار، وتعزيز مؤشرات التنمية، بدل الذهاب في خطاب معارض مستهلك ودون أثر على المواطن. فالأولوية هي التعاطي مع متطلبات المواطن اليومية، والبحث عن برنامج مستعجل لمواجهة أسباب الغلاء.

مواجهة المضاربين ليست بعرض ماذا يفعلون وعددهم وأماكن تواجدهم، وانتقاد ما يقومون به. فهذه ليست مهمة الوزير. سلطة الوزير تكمن في تفعيل القوانين لمعاقبة كل من ثبت تورطه في استغلال الدعم الذي تقدمه الحكومة من أموال الدولة للاستغناء على حساب جيوب المواطن.

◄ لا معنى لإطلالة وزير التجهيز والماء نزار بركة من برنامج "نقطة إلى السطر" بقناة "الأولى" المغربية، لتسجيل موقف حزبه السياسي من غلاء اللحوم، وإلقاء اللائمة على المضاربين

على هؤلاء الوزراء أن يتذكروا أنهم سياسيون، وأن قيمتهم تكمن فيما يقومون به في خدمة المواطن والدولة. كل ما يفعلونه في الحكومة يعتمد على العمل الجماعي وفي إطار التضامن الحكومي. بالتالي، ليس من حق وزير أن ينسب ما حققته وزارته لنفسه، بل هو مجهود جماعي.

الأمر يتجاوز مجرد إجراءات شكلية، بل يتعلق أيضا بكيفية تقديم الوزراء أنفسهم كجزء من فريق حكومي، بما يعزز الرؤية العامة للحكومة.

مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي للعام 2026، فالمطلب الضروري هو استعادة ثقة المواطن في السياسي. لذا، يحتاج الوزراء في هذه الحكومة والتي ستليها إلى معرفة ما إذا كانوا يسيرون على الطريق الصحيح في التعامل مع كل تلك التحديات التي تحقق التنمية وجودة الحياة، وتنعكس على حفظ السلم الاجتماعي.

يجب عليهم إجهاد فكرهم بسؤال: ما الذي لا يسير على ما يرام؟ وكيف سأجيب على تحديات المرحلة بأجوبة مبتكرة في مجالات اختصاصهم؟ ما الذي ينبغي عليهم أو على وزاراتهم التوقف عن فعله للسماح لأمور أخرى بالازدهار؟

هناك الآن إجماع على أن التحديات التي تواجهها المملكة كبيرة وضخمة، سواء باستكمال الورش الاجتماعية والصحية، أو البنية المتعلقة بالاستثمارات في كافة مناطق المغرب، أو الاستمرار في المكاسب التي تحققها قضية الصحراء المغربية.

كما تشمل التحديات المناخية، وتأمين كل ما يلزم للأمن الغذائي والأمن الترابي ضد مخاطر الإرهاب، والتحدي الرياضي المتمثل في تنظيم كأس أفريقيا وكأس العالم، وغيرها من الورش المفتوحة.

9