ظهور "الفار" في إفطار رمضاني يثير جدلا حول نفوذ الميليشيات في ليبيا

حضور قادة الميليشيات المسلحة في مأدبة إبراهيم الدبيبة تطرح تساؤلات تتعلق بنفوذهم السياسي ومدى تغلغلهم في صناعة القرار ومصير التحقيقات في اغتيال "البيدجا".
الثلاثاء 2025/03/25
حكومة الدبيبة تتحدى القانون بتسترها على مطلوب قضائيا

طرابلس - فجر ظهور محمد بحرون المعروف بـ"الفار"، المطلوب لدى النائب العام الليبي في جريمة مقتل قائد معسكر الأكاديمية البحرية الحربية عبدالرحمن سالم ميلاد الملقّب بـ"البيدجا"، في إفطار رمضاني أقامه إبراهيم الدبيبة، مستشار رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية، لعدد من المسؤولين وقادة ميليشيات مسلحة، حالة من الغضب لدى أطراف عديدة في البلاد، وأثار تساؤلات تتعلق بـ"النفوذ السياسي" لهؤلاء القادة ومدى تغلغلهم في صناعة القرار.

وجمع إبراهيم الدبيبة حول مائدته قيادات أمنية رسمية، بالإضافة إلى أمراء التشكيلات المسلحة البارزين في طرابلس، من بينهم بشير خلف الله المعروف بـ"بشير البقرة"، آمر كتيبة "رحبة الدروع" في تاجوراء، ومعمر الضاوي آمر "الكتيبة 55 مشاة"، وعبدالغني الككلي الشهير بـ"غنيوة" رئيس "جهاز دعم الاستقرار" بجانب آمر غرفة العمليات المشتركة مصراتة عمر بوغدادة، ومحمود بن رجب آمر "اللواء 53 مشاة".

ومثار الغضب بين عديد الليبيين، ظهور محمد بحرون الملقب بـ"الفأر" ضمن المدعوين للمائدة، وهو المطلوب من النائب العام في قضية اغتيال مُهرب البشر والوقود المُعاقب دوليا، عبدالرحمن ميلاد، المعروف باسم "البيدجا"، حيث اعتبره البعض استعراضا للقوة من قبل الميليشيات، وتحديا لسلطة القانون.

وأظهرت عدة صور جرى تداولها على منصات التواصل الاجتماعي الليبية مساء الاثنين لـ"الفار" وهو يتشاطر الابتسامات مع عدة ممن حضروا الإفطار، ما أثار العديد من علامات الاستفهام حول مصير التحقيقات في اغتيال "البيدجا" والقدرة الحقيقية للنائب العام على فرض سلطته.

وكان آخر ظهور لـ"الفار" قبل اتهامه باغتيال "البيدجا" في صيف العام الماضي، حين اندلعت اشتباكات بين القوة التي تقع تحت إمرته وأخرى تابعة لنائب رئيس جهاز دعم الاستقرار حسن بوزريبة في الزاوية وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى.

ومن جانب آخر، أثار ظهور عدد من قادة التشكيلات المسلحة أيضا تساؤل متابعين للشأن الليبي حول مغزى هذا التجمع الذي وصفوه بـ"الاستعراضي" وتسريب صوره عبر مواقع، وصفحات التواصل الاجتماعي الليبية، لا سيما وهو يضم مسؤولين مقربين من حكومة الدبيبة خصوصا مستشار رئيسها إبراهيم الدبيبة، وما إذا كان هذا التجمع يحمل في طياته رسالة تكشف تشكيلات مسلحة بارزة تتقاسم النفوذ مع تشكيلات أخرى في العاصمة طرابلس، لم تشملها دعوة الإفطار.

وفي إطار هذه التساؤلات دوّن الكاتب والمحلل السياسي أسامة الشحومي عبر حسابه على فيسوك "أوامر القبض حبر على ورق. العدالة مُهانة. والدولة تُدار من خلف الستار بواسطة الميليشيات".

وضمن الانتقادات المتواصلة، اعتبر الباحث السياسي محمد قشوط أن الصور المسربة عن الإفطار بمثابة "تحدٍ للشعب"، مفادها "لا تراجع عن ارتكاب الجريمة وتحدي النائب العام".

أما الكاتب السياسي عصام صميدة فطرح فتساءل "كيف يظهر مطلوب للعدالة علنًا، دون أن يتحرك أحد؟"، مشيرا إلى أن النيابة العامة كان يفترض أن تتحرك، لكنها "لم تصدر بيانًا، ولم توضح، أو تفتح تحقيقًا".

وعدّ متابعون، اجتماع قادة الميليشيات على مائدة الإفطار بأنه "تغوّل وتكريس لتداخلهم في العملية السياسية"، مجددين السؤال عن أسباب عدم إخراج هذه التشكيلات من العاصمة، كما سبق وتعهد وزير الداخلية عماد الطرابلسي.

وكان الطرابلسي قد أعلن، بمؤتمر صحافي في 21 فبراير 2024، أنه اتفق مع الأجهزة الأمنية في طرابلس بعد مفاوضات، "على إخلاء العاصمة بالكامل من التشكيلات المسلحة"، لكن بعد شهرين من الاتفاق، لم يطبق منه شيء حتى الآن.

وسبق وتحدث الطرابلسي عن 7 ميليشيات وصفها بـ"الأجهزة الأمنية"، وقال إنه جرى الاتفاق على إخراجها من العاصمة. وعادة ما تطلق السلطات الرسمية اسم "الأجهزة الأمنية" على التشكيلات المسلحة. وهذه الأجهزة هي: "جهاز قوة الردع"، و"جهاز الأمن العام"، و"الشرطة القضائية"، و"جهاز دعم الاستقرار"، و"اللواء 444 قتال" و"اللواء 111"، بالإضافة إلى "قوة دعم المديريات".

وتتباين آراء المتابعين في ليبيا، إزاء عدم تفريغ العاصمة من مسلحي الميليشيات، حتى الآن، وإعادتهم إلى ثكناتهم خارجها، بين من عدّ أن الأمر "يحتاج إلى مزيد من الوقت لإنفاذه"، وبين مَن عدّه "فشلاً لحكومة الوحدة"، ودليلاً على التوتر الذي تشهده الساحة السياسية "بين المتصارعين على النفوذ والمال".

ووجد تجمع قادة الميليشيات صداه في مدينة الزاوية (غربي ليبيا) التي كان ينتمي إليها "البيدجا"، حيث اعتبر البعض ما حدث "تحدياً لأهاليها" الذين سبق وطالبوا بالقبض على "الفأر" وإخضاعه للمحاكمة.

ونقل عن بعض سكان الزاوية أن هناك دعوات راهناً بين شبابها للتوجه إلى مصفاة نفط الزاوية وإغلاقها لحين تسليم "الفأر" إلى النيابة العامة.

وكان "الفأر" قد خضع للتحقيق أمام النائب العام بعد مقتل "البيدجا"، وأُخلي سبيله على ذمة القضية، وتردد أنه فرّ من البلاد قبل أن يظهر مجدداً في مائدة إفطار الدبيبة بمنزله في طريق السكة بالعاصمة.

واغتال مسلحون مجهولون "البيدجا" عبر وابل من الرصاص بعد اعتراض سيارته بمنطقة جنزور في الضاحية الغربية للعاصمة طرابلس.

واستغرب حسن الصغير، وكيل وزارة الخارجية السابق، عدم تطبيق الأحكام القضائية على المدانين، وقال إن الأزمة تتمثل في أن "الجالسين مع (الفأر) هم أدوات التنفيذ لأوامر النائب العام".

والإفطار الذي حضره أيضاً عبدالسلام زوبي، وكيل وزارة الدفاع بحكومة الدبيبة، عدّه كثيرون "رسالة واضحة وانعكاساً لمدى قدرة مَن يمتلكون السلاح في ليبيا على بسط نفوذهم، وحضور موائد المسؤولين".

وأعادت مائدة إفطار إبراهيم الدبيبة، المطالبة ثانية بضرورة تفكيك المجموعات المسلحة، وسحب سلاحها بشكل نهائي، بدلاً من إغداق الأموال عليها من قبل حكومة الدبيبة ودعوتها إلى موائد فاخرة.

ويعتبر محللون أن حديث الطرابلسي عن إخراج التشكيلات من العاصمة مجرد وعود جوفاء، ودغدغة لمشاعر الشارع المستاء من هذه المظاهرة المسلحة التي تضيق الخناق على المواطنين.

وتتحكم الكثير من الميليشيات بمقاليد الأمور بالعاصمة سواء عبر حراسة المقار الوزارية السيادية مثل المصرف المركزي وغيره أو توفير الحماية للسلطة التنفيذية بطرابلس.

وقد حذرت البعثة الأممية إلى ليبيا مرارًا من أن هذه التحديات التي تفرضها الميليشيات تهدد عملية الاستقرار السياسي والتقدم نحو المصالحة الوطنية. وفقًا للبعثة، لا يمكن تحقيق توحيد البلاد أو إجراء انتخابات حقيقية طالما أن الميليشيات تواصل سيطرتها على الأرض وتؤثر بشكل مباشر على القرارات السياسية في الدولة. وقد أشار العديد من الخبراء إلى أن استقرار ليبيا يتطلب حلًا جذريًا لمسألة سطوة الميليشيات وإيجاد طريقة لضمان سيادة الدولة على كامل أراضيها.