تحركات لبنانية صوب دمشق لضبط الحدود في غياب الاهتمام بالترسيم

دمشق- سيجري وزير الدفاع اللبناني ميشال منسى زيارة إلى دمشق الأربعاء، ومن المزمع أن يلتقي خلالها بنظيره السوري للبحث في الوضع الأمني عند الحدود بين البلدين المجاورين، بعد مرور أيام على مواجهات دامية أسفرت عن سقوط قتلى من الجانبين.
وهذه أول زيارة من نوعها لمسؤول لبناني إلى دمشق منذ تشكيل حكومة جديدة في لبنان في فبراير الماضي، وتعكس حاجة البلدين إلى ترتيبات واضحة من أجل تأمين المنطقة الحدودية، لتلافي أي صدامات مستقبلية، لاسيما وأن قضية ترسيم الحدود بين البلدين لا تحتل أولوية.
وشهدت المنطقة الحدودية الشرقية مع سوريا عند بلدة حوش السيد علي الأسبوع الماضي مواجهات أدّت إلى مقتل سبعة أشخاص في لبنان، وفق وزارة الصحة اللبنانية، وثلاثة من الجانب السوري.
◄ زيارة وزير الدفاع اللبناني إلى دمشق هدفها البناء على اتفاق وقف إطلاق النار والتوصل إلى تهدئة مستدامة
وأثارت تلك المواجهات مخاوف كبيرة من تحولها إلى صدام بين البلدين، الأمر الذي يفرض تحركا سريعا يعيد الهدوء إلى المنطقة.
وتعتبر بلدة حوش السيد علي المتاخمة للقصير بريف حمص من القرى المتداخلة جغرافيا وديموغرافيا على الحدود السورية – اللبنانية. وكانت لسنوات طويلة ممرا لعمليات تهريب من لبنان وإليه عبر معابر غير شرعية.
كما شكلت ممرا لحزب الله بين سوريا ولبنان، الأمر الذي جعلها نقطة استهداف إسرائيلية، منذ اندلاع المواجهة بين إسرائيل والحزب اللبناني المدعوم من إيران، في الثامن من أكتوبر 2023.
ومع انهيار حكم الرئيس بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، وتولي سلطة جديدة منبثقة عن هيئة تحرير الشام حكم دمشق، شهدت المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا توترات، كانت أخطرها المواجهة الأخيرة.
وبدأ التوتر في 16 مارس بعد دخول “ثلاثة عناصر من الأمن العام السوري إلى الأراضي اللبنانية في بلدة القصر، حيث تعرضوا لإطلاق نار من أفراد عشيرة تنشط في مجال التهريب،” بحسب مصدر أمني لبناني، ما أسفر عن مقتلهم.
واتهمت وزارة الدفاع السورية مجموعة من حزب الله “بخطف ثلاثة من عناصر الجيش العربي السوري على الحدود اللبنانية (…) قبل أن تقتادهم للأراضي اللبنانية وتقوم بتصفيتهم،” الأمر الذي نفاه حزب الله “بشكل قاطع”.
وارتفعت حدة التوتر إثر ذلك إذ أعلن الجيش اللبناني تعرض المنطقة “لقصف مركّز من الجانب السوري” وردّه على مصادر النيران بعدما أوعز الرئيس اللبناني جوزيف عون بذلك.

◄ زيارة ميشال منسى تعتبر أول زيارة من نوعها لمسؤول لبناني إلى دمشق
وقال الجانب السوري إن الهدف من العملية “طرد” حزب الله من “القرى والمناطق السورية التي يتخذها كأماكن مؤقتة لعمليات التهريب وتجارة المخدرات.”
وبعد أيام من تبادل إطلاق النار أعلن الجانبان، على المستوى الرسمي، عن وقف لإطلاق النار، ليعود الهدوء إلى المنطقة.
ويقول مراقبون إن زيارة وزير الدفاع اللبناني إلى دمشق هدفها البناء على اتفاق وقف إطلاق النار والتوصل إلى تهدئة مستدامة، خاصة وأن كلا البلدين منشغلان بالتحديات التي يواجهانها في الداخل، وبالتالي فإن الحديث عن ترسيم الحدود بينهما مؤجل إلى إشعار آخر.
وأكد مسؤول لبناني فضّل عدم الكشف عن هويته لوكالة فرانس برس أن “وزير الدفاع اللبناني سيزور دمشق الأربعاء على رأس وفد أمني، حيث سيلتقي نظيره السوري مرهف أبوقصرة.”
وأضاف أن الزيارة تهدف إلى “بحث ضبط الوضع عند الحدود، وتعزيز التنسيق ومنع الاعتداءات من الجانبين.”
ويرى مراقبون أن التنسيق بين البلدين بالنسبة إلى المنطقة الحدودية أمر ضروري، لكن ذلك لا يلغي أهمية التفكير بشكل جدي في إطلاق مسار لترسيم الحدود بينهما، حيث أن عدم حسم هذا الملف سيبقي الحديث عن أي هدوء هشا.
وقال الباحث في مركز “حرمون” نوار شعبان “إن ترسيم الحدود هو أمر بديهي بين أي دولتين لحفظ الأمن، ولكن في الحالة التي نتكلم عنها، هي جغرافيا غابت عنها الحدود لسنين سبقت الثورة السورية.”
وأضاف شعبان في تصريحات صحفية أن ملف ترسيم الحدود مصلحة أساسية ولكن يعوقه الوضع الأمني، لذلك يجب الانتهاء من هذه المعضلة، التي لا يمكن التعامل معها على مبدأ رد الفعل، وهذا يؤدي إلى استنزاف للمؤسسة العسكرية السورية.
وتضم الحدود بين لبنان وسوريا الممتدّة على 330 كيلومترا، معابر غير شرعية، غالبا ما تستخدم لتهريب الأفراد والسلع والسلاح.
◄ مع انهيار حكم الأسد وتولي سلطة جديدة منبثقة عن هيئة تحرير الشام حكم دمشق، شهدت المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا توترات، كانت أخطرها المواجهة الأخيرة
وأطلقت السلطات السورية الشهر الماضي حملة أمنية في محافظة حمص الحدودية، لإغلاق الطرق المستخدمة في تهريب الأسلحة والبضائع.
واتهمت حزب الله، الذي شكل أبرز داعمي الرئيس المخلوع بشار الأسد، بشن هجمات، وكذلك برعاية عصابات تهريب عبر الحدود.
وأجريت اتصالات خلال الشهرين الماضيين بين سوريا ولبنان تناولت قضية الحدود، وفي الاتصال الأول بين الجانبين تحدث الرئيس السوري أحمد الشرع مع رئيس الحكومة اللبنانية السابق نجيب ميقاتي عن ضرورة ضبط أمن الحدود بين لبنان وسوريا.
وجاء ذلك في اتصال هاتفي، عقب توتر شهدته الحدود بين سوريا ولبنان في أوائل يناير الماضي، على خلفية تبادل للاشتباكات على الجانبين السوري واللبناني في منطقة سرغايا وبلدة معربون في لبنان.
كما شكل اللقاء بين الرئيس السوري ونظيره اللبناني، على هامش مؤتمر القمة العربية الطارئة الذي عقد في وقت سابق من الشهر الجاري في العاصمة المصرية القاهرة، فرصة لبحث المسألة.
ويقول مراقبون إن بيروت ودمشق حريصتان على نزع أي فتيل توتر حدودي بينهما، لكن ذلك يبقى غير كاف من دون الترسيم، الذي نص عليه قرار مجلس الأمن 1680.