تحقيق دولي موسع يكشف تعاظم ممارسات الفساد النفطي في ليبيا

نظام مقايضة الخام مقابل الوقود دعّم الفصائل السياسية المتنافسة.
الأحد 2025/03/23
ثروة نفطية هائلة

يواجه قطاع النفط  في ليبيا حالة من الفساد المستشري سواء في شرق البلاد أو في غربها، من خلال التهريب والتلاعب بالصفقات، واعتماد دبلوماسية النفط في توطيد العلاقات مع الدول المؤثرة في المشهد السياسي العام، ما ساهم في تغذية الخلافات وتوسيع دائرة الانقسام السياسي.

طرابلس - تطرق تحقيق دولي موسع إلى ملفات فساد في قطاع النفط بليبيا، ما ساهم في دعم التشكيلات السياسية المتنافسة بالبلاد، وعطّل جهود الأمم المتحدة لإجراء الانتخابات التي طال انتظارها.

ويمثّل النفط الليبي قرابة 95 في المئة من إجمالي الإيرادات وتأتي البقية من الضرائب والجمارك وأرباح مصرف ليبيا المركزي ومداخيل أخرى، حيث تغطي إيرادات النفط قرابة 80 في المئة من إجمالي الإنفاق العام.

وسلّطت جريدة “فاينانشيال تايمز” الضوء على ممارسات تهريب خام النفط من ليبيا من خلال نظام مقايضة الخام مقابل الوقود، لافتة إلى أن العائدات التي يولدها هذا النظام ساهمت في دعم الفصائل السياسية المتنافسة، وتعطيل جهود الأمم المتحدة لإجراء الانتخابات في ليبيا، ومحاربة الفساد وتوحيد البلاد تحت قيادة حكومة موحدة، فضلا عن تعزيز الحكومات المتنافسة والتشكيلات المسلحة وهو ما عمّق الانقسام في ليبيا.

وأشارت إلى أن الفصائل السياسية وجدت وسيلة للتعايش مع بعضها والتربح من نظام مقايضة الخام مقابل الوقود.

بيانات شركة "كبلر" أكدت أن حجم واردات المنتجات البترولية تضاعف من 5.5 مليون طن إلى 10.35 مليون طن

وقالت الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية كلوديا غازيني إن “تهريب الوقود غير المكرر يخلق للنخبة في البلاد أساليب جديدة للتربح بشكل مباشر. في البداية كان الأمر عبارة عن تهريب على نطاق صغير، ثم على نطاق أوسع، ثم أصبح الأمر: يمكننا زيادة كميات الوقود، والآن: يمكننا تصدير النفط الخام مباشرة.”

ولطالما كان الوصول إلى الثروة النفطية للبلاد في قلب المنافسة بين الفصائل السياسية المختلفة منذ الإطاحة بمعمر القذافي في العام 2011.

 وخلال السنوات الماضية، يبدو أن الحكومات المتنافسة وجدت طريقة لـ”التعايش من خلال مشاركة عائدات تهريب المنتجات النفطية المدعومة بشكل كبير.”

وخلص أحدث تقرير للأمم المتحدة إلى أن تهريب الوقود من ميناء بنغازي القديم أتاح للقوات التابعة للمشير خليفة حفتر “وصولا غير مباشر إلى الأموال العامة،” بينما سيطرت الجماعات المسلحة في طرابلس والزاوية “بشكل مباشر على قطاعات اقتصادية رئيسية ومؤسسات حكومية ذات صلة لتهريب كمية كبيرة من الديزل.”

وأظهرت بيانات نشرتها شركة “كبلر” للاستشارات السلعية أن حجم واردات المنتجات البترولية النظيفة تضاعف تقريبا من 5.5 مليون طن في العام 2020، قبل بدء نظام المقايضة، إلى 10.35 مليون طن في العام 2024.

وتشير بيانات “كبلر” إلى أنه في عامي 2023 و2024، جاءت نسبة كبيرة من واردات ليبيا من روسيا، التي تُمنع منتجاتها النفطية من الوصول إلى الأسواق الأوروبية بسبب الحرب في أوكرانيا.

النفط الليبي يمثّل قرابة 95 في المئة من إجمالي الإيرادات وتأتي البقية من الضرائب والجمارك وأرباح مصرف ليبيا المركزي ومداخيل أخرى

وقال أستاذ المالية والرئيس السابق للشركة العربية الليبية للاستثمارات الخارجية خالد زنتوتي إن “الطلب الرسمي على الوقود في ليبيا العام 2023 بلغ 11 مليون طن. وهذا يعني أن متوسط استهلاك الوقود للمواطن الليبي يبلغ نحو ألفي لتر، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، ومرتين استهلاك المواطن السعودي المتوسط.”

من جهته، قال دبلوماسي غربي ذو خبرة في الشأن الليبي إن “صادرات بنغازي تقدر بالملايين من الدولارات”، ويتفق مع تقييم الأمم المتحدة بأن القوات التابعة لحفتر متواطئة في هذه الشحنات.

ورفعت الزيادة في الواردات تكلفة الدعم في اقتصاد ليبيا المتأزم. ففي خطاب إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة في مارس العام 2024 قال محافظ المصرف المركزي وقتها، الصديق الكبير، إن “التكلفة السنوية لواردات الوقود البالغة 8.5 مليار دولار تفوق احتياجات البلاد،” وأشار إلى أن الدعم تضاعف ثلاث مرات ليصل إلى 12.5 مليار دولار بين عامي 2021 و2023. وبلغت حصة دعم الوقود 8.4 مليار دولار من هذا الإجمالي السنوي.

وفي يوليو الماضي، أمرت النيابة العامة في ليبيا بسجن مدير سابق لإدارة التسويق الدولي في المؤسسة الوطنية للنفط بتهمة عدم تحصيل أموال من مبيعات النفط والغاز تفوق ملياري دولار.

وقال مكتب النائب العام الصديق الصور في بيان نشره على صفحته على فيسبوك إن “نائب النيابة بمكتب النائب العام بحث تقارير فحص الشأن المالي المرتبط بإدارة تصدير منتجي النفط والغاز خلال السنوات الممتدة من سنة 2011 حتى سنة 2017 فانكشف للمحقق حيد مسؤول الإدارة عن مقتضيات المصلحة العامة طوال سنوات سبع.”

وأشار إلى أن المسؤول التفت عن واجب تحصيل ثمن مستحق في حينه بلغ مليارين و712 مليونا و32 ألفا و607 دولارات أميركية فتسبب بسلوكه في ضرر غير مبرر بالمصلحة العامة، رأى معه المحقق حبسه على ذمة القضية.

2