الكويت تفتح أبواب الرهون العقارية أمام القطاع المصرفي

تدفع الحاجة إلى إيجاد حلول مستدامة لمواجهة التسارع المطرد في الطلب على الإسكان في الكويت، الحكومة لفتح أبواب الرهون العقارية أمام القطاع المصرفي للمرة الأولى في البلاد، وهو تحول ينم عن إدراك المسؤولين أهمية الإقدام على هذه الخطوة ضمن سياسة الإصلاح.
الكويت - تعتزم السلطات السياسية والنقدية في الكويت السماح للقطاع المصرفي بتقديم الرهون العقارية، في خطوة هي الأولى من نوعها قد تعيد تشكيل المشهد المالي للدولة الغنية بالنفط.
وتوقعت مصادر مطلعة، رفضت الكشف عن هوياتها نظرا لخصوصية المعلومات، أثناء حديثها مع وكالة بلومبيرغ أن يوافق مجلس الوزراء قريبا على تشريع في الغرض.
ومن شأن هذه الخطوة أن تفتح سوقا قد تصل قيمتها إلى 65 مليار دولار، ما يعني زيادة بنسبة 40 في المئة في محافظ القروض لدى البنوك، وفقا للمصادر. ولم يتسن الحصول على تعليق من المسؤولين الحكوميين يوم الجمعة، كونه عطلة رسمية في البلاد.
ويتسارع مخاض الكويت بحثا عن نموذج جديد للتنمية الاقتصادية، حيث تبحث الحكومة عن تعديل التشريعات المتعلقة بدور القطاع الخاص والاستثمار والتمويل لتكون أكثر مرونة واستدامة من أجل مواجهة إثبات قدرتها على الإصلاح الاقتصادي الذي طال انتظاره.
كما يعكف المسؤولون على تنفيذ مشاريع خطط التنمية عبر تعديل الممارسات الإدارية والبيروقراطية وتعزيز معايير الشفافية لتطوير الاقتصاد والحد من اعتماد الدولة على صادرات النفط وتنويع مصادر الدخل.
ومنذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في الفترة 2008 – 2009 فرض البنك المركزي الكويتي عدة قواعد على التمويل الموجه للقطاع العقاري للحد من المضاربات التي أدت إلى ارتفاع كبير في الأسعار.
ولكن في السنوات الأخيرة اتسعت موجة نزوح المستثمرين الكويتيين إلى الخارج بحثا عن فرص استثمارية، بسبب حالة الركود التي يعاني منها القطاع العقاري الذي كان لعقود المتنفس الرئيسي للمستثمرين.
وتشهد السوق العقارية الكويتية منذ أزمة الوباء ثم الحرب في شرق أوروبا ارتفاعا وتضخما غير مسبوق في أسعار العقارات السكنية، وما زال مستمرا على حاله منذ بداية عام 2021 لتوجه العديد من المستثمرين إلى قطاع السكن الخاص لتعظيم العائد على الاستثمار.
ولم تكن الرهون العقارية مسموحة أو منظمة قانونيا في الكويت، بسبب مخاوف صانعي القرار من التداعيات السياسية لعمليات حجز منازل المواطنين.
وبدلا من ذلك كانت الحكومة تقدم برنامج إسكان عاماً يتيح للمواطنين المتزوجين الحصول على منزل مدعوم بشدة، أو قطعة أرض مع قرض منخفض الفائدة.
لكن النظام يعاني من تراكم نحو 103 آلاف طلب، وفترات انتظار قد تمتد لعقد كامل، ما دفع الحكومة إلى التفكير في إدخال تغييرات جذرية.
ورغم أن ثروة الكويت النفطية جعلتها من بين أغنى دول العالم، إلا أن سنوات من الجمود السياسي جعلتها تتخلف عن نظرائها الأكثر طموحاً في المنطقة.
ونسبت بلومبيرغ إلى عبدالله السميط، الرئيس التنفيذي بالوكالة لبنك الأهلي الكويتي، قوله إن “القانون المنتظر منذ فترة طويلة يمكن أن يوفر إطاراً منظماً يعزز فرص الحصول على تمويل سكني للمواطنين المؤهلين. ونراه خطوة كبيرة بالفعل.”
65
مليار دولار قيمة السوق التي ستنشأ، ما يعني زيادة 40 في المئة في محافظ القروض البنكية
ويأتي إدخال قانون الرهن العقاري بعد مرور عشرة أشهر على قرار أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تعليق عمل البرلمان لمدة تصل إلى أربع سنوات، ما مهد الطريق أمام الحكومة، التي يرأسها ويعين أفرادها، لتمرير قوانين جوهرية.
وقبل ذلك بأيام وافق مجلس الوزراء على مرسوم تمهيدي يتيح للدولة العضو في منظمة أوبك بيع سندات سيادية للمرة الأولى منذ ثماني سنوات. وأدت هذه التحركات بالفعل إلى تعزيز التفاؤل في الأسواق.
كما تفوقت أسهم الكويت هذا العام على نظيراتها الخليجية، مدفوعة بأداء قوي من البنوك مثل بنك بوبيان وبنك برقان وبنك وربة، التي سجلت جميعاً ارتفاعات تفوق 17 في المئة.
ويرى جاستن ألكسندر، مدير شركة خليج إيكونوميكس والمحلل لدى غلوبال سورس بارتنرز، أن الطلب المتراكم على الإسكان يعني أن الرهون العقارية، حتى مع وجود قيود تنظيمية كبيرة، قد تعزز ربحية البنوك الكويتية بشكل ملحوظ.
وقد تجذب الخطوة أيضا اهتماما من المستثمرين الأجانب بأسهم البنوك، حيث تبلغ الاستثمارات الأجنبية الحالية في البنوك الكويتية نحو 4.7 مليار دينار (15.3 مليار دولار)، وهو ما يعادل 15 في المئة من القطاع المصرفي.
وقالت شيخة البحر، نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني، إن “هذه الفرصة تتجاوز الأثر المباشر من تمويل الإسكان، بالنظر إلى حجم الاستثمارات في البنية التحتية المطلوبة لتطوير مناطق سكنية جديدة تستوعب الطلب المتزايد.”
وتكافح الكويت لتوفير الرعاية السكنية لمواطنيها البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة وسط تراكم الطلبات لدى المؤسسة العامة للرعاية السكنية حتى أصبحت الأسرة تضطر إلى الانتظار أحيانا أكثر من 17 عاما للحصول على منزل.
والحكومة ملزمة بتوفير الرعاية السكنية لجميع الأسر الكويتية، وهو ما يحمّلها أعباء مالية ضخمة في ظل المواصفات باهظة الكلفة للوحدات التي يقبل المواطنون على الانتقال إلى العيش الدائم فيها.
وتقول سالومي سخيرتلادزه، محللة القطاع المالي في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في بلومبيرغ إنتليجنس، إن التعديلات التشريعية المحتملة قد تشمل مدد الرهون العقارية والدعم الحكومي، وسقوف أسعار الفائدة وحدودا تنظيمية مثل نسبة خدمة الدين.
وأوضحت أن القانون الجديد ربما يؤدي لتسريع سوق الرهن العقاري وتحفيز قطاع البناء، ما يدفع نمو الائتمان المحلي إلى معدلات أحادية مرتفعة على المدى المتوسط.
ويُتوقع أن يؤدي قانون الرهن العقاري إلى توسع طويل الأمد في القطاع. ولفت جاب ميير، رئيس قسم الأبحاث في أرقام كابيتال بدبي، إلى أنه “ينبغي أن يؤدي إلى زيادة ترسية المشاريع لإنشاء بنية تحتية ومدن جديدة، وزيادة في بدء مشاريع الإسكان.”
وفي الكواليس تعمل الحكومة على تغييرات أخرى، حيث فَعّلت قانوناً جديداً للتنمية الحضرية، ووقعت الهيئة العامة للرعاية السكنية مؤخراً عقد خدمات استشارية لتطوير ثلاثة مواقع سكنية تضم أكثر من 5 آلاف وحدة.
ويرى بدر السيف، الأستاذ المساعد في جامعة الكويت وزميل مشارك في معهد تشاتام هاوس، أن “الكويت تملك الكثير لتقدمه، فهي سوق غير مستغلة مقارنة بجيرانها في المنطقة.”