المؤتمر الوطني يروج لرؤية سياسية تُعيده إلى السلطة في السودان

الحزب المنحل يطالب بالعودة إلى دستور 2005.
الجمعة 2025/03/21
وقود لحرب الخاسر فيها السودان

يروج حزب المؤتمر الوطني المنحل لرؤية سياسية تمهد لعودته إلى السلطة في السودان، مستفيدا في ذلك من سيطرته على مفاصل القرار داخل المؤسسة العسكرية، ومن التحول في موازين القوى الميدانية.

الخرطوم- نشرت وسائل إعلام محسوبة على الحركة الإسلامية في السودان رؤية سياسية جديدة لحزب المؤتمر الوطني المنحل بعنوان “مقترح أجندة المستقبل لليوم واليوم التالي في السودان”، تضمنت العودة إلى دستور قديم وبقاء الجيش على رأس السلطة عقب وقف الحرب الجارية ضد قوات الدعم السريع.

يشير المقترح إلى أن الحزب، الذي لم تعد لديه شرعية منذ ثورة ديسمبر، يخطط للتواجد على رأس السلطة بالاستناد إلى الجيش الذي بات في وضع عسكري أفضل.

ويؤكد توقيت عرض الرؤية التي جرى توزيعها على مستوى داخلي، وظهرت للعلن مع انتشارها على منصات ومواقع إلكترونية محسوبة على الحركة الإسلامية، أن الحزب يرى فرصة مواتية لاستعادة السلطة بعد أن أصبح مسيطرا على مفاصل القرار في المؤسسة العسكرية واستعاد صلاحيات في مؤسسات جرى تجريده منها عقب إزاحة نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير.

وقدم الحزب رؤية سياسية مقابلة لرؤى تم طرحها مؤخرا، في مقدمتها الميثاق السياسي الذي وقعت عليه كيانات سياسية وحركات مسلحة وقوات الدعم السريع في نيروبي، وتضمن إقرار دستور جديد للبلاد، بجانب اتجاه الجيش إلى وضع مسار دستور انتقالي وتشكيل حكومة مدنية، وإعلان تحالف “صمود” عن رؤية تقوم على وقف الحرب، وتمثل تيارا واسعا داخل قوى مدنية قادت الثورة ضد نظام البشير.

جعفر حسن: الحديث عن دستور 2005 يؤكد الرغبة في العودة إلى السلطة

ويحاول حزب المؤتمر المنحل إثبات أنه استعاد توازنه بعد خلافات تسببت في شروخ داخلية عقب انتخاب أحمد هارون المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية رئيسا للحزب، وأنه يستفيد من التقدم العسكري في مواقع متفرقة وحصار الجيش للقصر الرئاسي في الخرطوم، ونجح في تثبيت أركان قوته داخل معسكر الجيش.

ومارس حزب البشير ضغوطا على قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الشهر الماضي حينما تحدث عن عدم سماحه للإسلاميين بالوصول إلى السلطة بعد وقف الحرب، لكنه تراجع وترك الباب مفتوحا، وقال “لن نتخلى عن من حمل السلاح وقاتل بجانبنا في الحرب، جميعهم سيكونون شركاء في أي مشروع سياسي، ولن نستثني أحدًا.”

وكشفت رؤية داخلية لحزب المؤتمر الوطني عن توجهه إلى تأسيس مشروعية تمكن الجيش من نيل تفويض شعبي لتولي رئاسة البلاد لأجل متفق عليه، وإجراء حوار سوداني سياسي واجتماعي.

وترى الرؤية أن إدارة القوات المسلحة للبلاد عقب الحرب “ضرورة تحتمها الأوضاع السائدة، على أن تُسندها في ذلك حكومة كفاءات وطنية تتولى المسائل التنفيذية لتوفير الموارد اللازمة لإسناد القوات المسلحة في عملها.”

واقترحت الرؤية العودة إلى دستور 2005 ليتم عبره استيعاب اتفاق جوبا ضمن معالجات دستورية، على ألا يكون لقوات الدعم السريع أي مستقبل عسكري أو سياسي مع محاسبة قياداتها وقوى الحرية والتغيير وتحالف “تقدم” باعتباره الجناح السياسي للدعم السريع، وفقًا لوصف الرؤية.

وقال القيادي بتحالف “صمود” جعفر حسن إن تنظيم الإخوان لا يتعلم من أخطاء الماضي، ويسعى لاستعادة تجربته المريرة بعد أن ثار عليها السودانيون، وأن ثورة ديسمبر جبت ما قبلها في ظل توافق شعبي على رفض السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبحث عن الحرية والعدالة والسلام، وأن الرؤية الراهنة تبرهن على أن التنظيم لم يجر نقدا لتجربته السابقة.

وأضاف حسن في تصريح لـ”العرب” أن الحديث عن دستور 2005 يؤكد الرغبة في العودة بالسلطة إلى ما قبل الثورة ومحو ما حدث من تطورات منذ عام 2018، ويشير إلى أن التنظيم يغرد خارج التاريخ، وإذا كان يظن أن الحرب التي قاموا بفرضها على الشعب السوداني والقوى العسكرية سوف تقود إلى استجداء حكمهم، فهو واهم.

وليد النور: الواقع يشير إلى أن البلاد أمام حرب ليست لها نهاية قريبة

وذكر أن حزب المؤتمر الوطني المنحل يدرك أن العودة إلى السلطة لن تكون سوى بحرب طويلة ييأس فيها السودانيون من الوصول إلى سلام كي يقايضوا السلطة مقابل السلام، ما يفسر عرقلة الإسلاميين كل فرصة للعودة إلى مفاوضات تُفضي إلى إنهاء الحرب.

والكثير من السودانيين مقتنعون بأن المؤتمر الوطني بهذه الرؤية المغايرة لأهداف الجيش يتحدث عن إقرار دستور انتقالي وليس العودة إلى دستور البشير، ما يشي بأن الانقلاب على المؤسسة العسكرية في السودان قد يكون واردا، وأن دعم الجيش في الحرب ضد قوات الدعم السريع هدفه توظيف الحرب في تحقيق مآرب سياسية.

وتجاهلت رؤية المؤتمر الوطني مسألة الاستفتاء أو الاقتراع للتوافق على الشرعية الدستورية المستقبلية، واكتفت بالحديث عن أن “الشعب السوداني سيكون الحاضن والراعي لمخرجات الحوار الوطني الذي يمهد لانتخاب جمعية تأسيسية تعطي الشرعية الدستورية لتولي رئيس الحكومة مهامه في آجال ومهام متفق عليها،” ما يشي بمخاوف من أن يقود ذلك إلى استبعادها من أي عملية سياسية مستقبلية.

وأكد المحلل السياسي السوداني وليد النور أن رؤية الحزب المنحل استكمال لخطط ظهور قيادته بشكل علني منذ اندلاع الحرب، ما يجعله مقتنعا بأن خطته للعودة إلى السلطة تسير بنجاح، وهو ما يخالف الواقع الذي يلفظ فيه السودانيون أي عودة إلى نظام البشير، خاصة أن دستور 2005 وإن شاركت في إقراره غالبية القوى السياسية قد أفرز قوانين سيئة للغاية، من بينها قانون الاستفتاء الذي قاد إلى انفصال جنوب السودان، وقانون الأمن والمخابرات الذي أغلق المجال السياسي.

وأوضح النور في تصريح لـ”العرب” أن السودان يختلف الآن عما كان عليه بين عامي 2005 و2019، وهناك واقع جديد وقوى متحاربة وطرف يسعى لتشكيل حكومة موازية، كما خرجت قيادات المؤتمر الوطني من السجون بشكل أكثر شراسة للانتقام السياسي، وظهرت رغبتها في الانقلاب على السلطة.

وشدد على أن الواقع يشير إلى أن البلاد أمام حرب ليست لها نهاية قريبة، في ظل وضع اقتصادي مترد، مع تدمير شبه كامل للبنية التحتية، وإذا وقفت الحرب ستكون هناك رؤى جديدة، وستظهر قوى مدنية لن تترك مجالا للمؤتمر الوطني، وهدفه الرئيسي في هذه الفترة العودة إلى السلطة بالاعتماد على الجيش.

وتسعى رؤية المؤتمر الوطني إلى جس النبض السياسي، لكنها تفتقد للدعم الشعبي مع اقتناع السودانيين بأن فترة حكم البشير عانت فيها البلاد كثيرا من ويلات الحروب.

2