استعدادات الحكومة اللبنانية للانتخابات البلدية تقابل بفتور سياسي

الانتخابات البلدية تمثل اختبارا جديا للتغير الحاصل في موازين القوى الذي أفرزته المواجهة الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله.
الجمعة 2025/03/21
لبنان في حاجة إلى انتشاله من الركام

بيروت- لا تلقى الاستعدادات الحكومية لاجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان حماسة القوى السياسية ولاسيما الثنائي الشيعي الممثل في حزب الله وحركة أمل، وأيضا التيار الوطني الحر، في ظل مخاوف من أن يكرس الاستحقاق، المفترض إجراؤه بعد نحو شهرين، موازين القوى الجديدة، خصوصا وأن المزاج الشعبي يبدو ميالا لكل من يتقاطع مع العهد الجديد.

وقال وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار هذا الأسبوع إن “الوزارة حاضرة لدعوة الهيئات الناخبة قبل الرابع من أبريل المقبل، وأن الاعتمادات المالية لهذه العملية مؤمّنة، بما فيها بدل العمل اليومي الإضافي للموظفين والقوى الأمنية والعسكرية والقضاة.”

وجرى إقرار مبلغ 11 مليون دولار للانتخابات البلدية والاختيارية في موازنة عام 2024، ما يعني أن الاعتمادات اللازمة متوفرة وما من عائق أمام إجراء الاستحقاق في موعده، لكن مع اقتراب المهل باتت بعض القوى تروج لتمديد “تقني” لأشهر إضافية، متحدثة عن تعقيدات لوجستية، وصعوبة إجراء الاستحقاق في القرى الجنوبية، نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية.

إلياس بوصعب: ضرورة إجراء الانتخابات البلدية في موعدها

وأكد الحجار في وقت سابق أن الحكومة ووزارة الداخلية عازمتان على إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها خلال شهر مايو على أربع مراحل، مشيرا إلى عناية خاصة بمنطقة الجنوب.

وتحظى الانتخابات البلدية المرتقبة بأهمية استثنائية في هذه المرحلة المفصلية التي يمر بها لبنان، وهي تتجاوز أهمية ضخ دماء جديدة في مفاصل السلطات المحلية المعطلة منذ سنوات بفعل التأجيل المتكرر للاستحقاق.

ويوضح سياسيون لبنانيون أن الانتخابات البلدية تمثل اختبارا جديا للتغير الحاصل في موازين القوى الذي أفرزته المواجهة الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله، وهي بمثابة جس نبض لتوجهات الرأي العام في الانتخابات النيابية المقبلة.

وتعرض حزب الله العام الماضي لضربات قاصمة من إسرائيل بعد انخراطه في جبهة إسناد غزة، وفقد الحزب معظم قياداته بما في ذلك الأمين العام السابق حسن نصرالله، كما خسر جزءا كبيرا من ترسانته العسكرية، فضلا عن الأضرار البشرية والمادية الكبيرة التي تكبدتها حاضنته الشعبية.

وتعاظمت نكسات الحزب المدعوم من إيران بسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر الماضي، ليجد نفسه اليوم في شبه عزلة، فيما لا تستطيع طهران المشغولة
بنفسها وبتهديدات الإدارة الأميركية مساعدته.

وانعكس هذا الوضع سياسيا على الحزب، حيث لم يعد يتحكم في سلطة القرار في الداخل اللبناني، وهو ما ترجم في انتخاب البرلمان اللبناني في يناير الماضي العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية، واختيار القاضي نواف سلام رئيسا للحكومة.

ويقول نشطاء سياسيون إن المزاج الشعبي في لبنان يميل بالواضح إلى “العهد الجديد” في ظل التوق للاستقرار واستعادة لبنان توازنه اقتصاديا، وبالتالي فإن معيار التصويت لدى الكثير من اللبنانيين سيتجه إلى المرشحين الداعمين للعهد أيا تكن ولاءاتهم السياسية والحزبية.

ويشير النشطاء إلى أن هذه المسألة تشكل مصدر قلق بالنسبة لحزب الله وحركة أمل، وحليفهما المسيحي السابق التيار الوطني الحر، وقد تدفع هذه الأطراف باتجاه التأجيل، لكن شرط أن لا تظهر هي في الصورة، حيث لا تريد تحمل وزر هكذا قرار.

وشهد لبنان خلال العامين الماضيين ثلاث محاولات فاشلة لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية. وأرجئ الاستحقاق في مايو 2022، بسبب تزامنه مع الانتخابات النيابية، ثم تأجل مجددا في أبريل 2023 نتيجة ما قيل من عجز الدولة عن تأمين التمويل اللازم. ليعلن مجلس النواب في فبراير 2025 عن تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية حتى مايو 2025.

أحمد الحجار: الوزارة حاضرة لدعوة الهيئات الناخبة قبل الرابع من أبريل المقبل

وأكد نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب على ضرورة إجراء الانتخابات البلدية في موعدها، مشدّدا على أهمية التفاف اللبنانيين في مواجهة المخاطر الأمنية لحماية وحدة لبنان وسيادته.

وأشار بوصعب، بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى أنهما بحثا موضوع الانتخابات البلدية وضرورة إجرائها في موعدها، وقال “تحدثنا تحديدا عن المناطق الحدودية وخاصة في القرى والمناطق المدمرة وعن خطورة الذهاب إلى هذه القرى في ظل الاعتداءات الإسرائيلية اليومية التي تستهدف المواطنين ومنازلهم وسياراتهم، وكان هناك طرح لحلّ يمكن أن يتطلب تعديلا للقانون أو بعض القوانين، واتفقنا على درسها والذهاب في هذا الاتجاه لضرورة تمكين كل القرى أن تجرى فيها الانتخابات البلدية.”

وأثر التأجيل المتكرر للانتخابات البلدية والاختيارية بشكل سلبي على فعالية الإدارة المحلية، حيث أعاق قدرة البلديات على اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الخدمات العامة والبنية التحتية المهترئة والتي تفاقم وضعها في المواجهة الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل. كل ذلك يجعل من إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية أمرا ضروريا لإعادة بناء الثقة في المؤسسات المحلية، وتفعيل دورها اتساقا مع أهداف العهد الجديد في إطلاق ورشة الإصلاحات المطلوبة منها داخليا ودوليا.

وأكد رئيس لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات النائب جهاد الصمد، في وقت سابق على وجوب “إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في مواعيدها.”

وقال الصمد إنّ الانتخابات ضرورة “من أجل تجديد الدم في البلديات بعد الأزمات المالية التي عانت منها البلديات في السنوات الأخيرة وأصابتها بشلل تام، وحيث تعتبر الانتخابات المحلية الباب الرئيسي للخروج منها من أجل تحقيق التنمية المنشودة التي تحتاجها جميع البلديات والمناطق بلا استثناء، وخصوصا أننا في بداية عهد رئاسي جديد وحكومة جديدة، وحفاظا على إجراء الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها المحدّدة.”

من جهته أكّد وزير الثقافة غسان سلامة أنّ “من الضروري إجراء الانتخابات البلدية في موعدها الدستوري، لكي يتجدد الدم في هذه السلطة التي آمل أن تتوسع صلاحياتها في المرحلة المقبلة وليس العكس.” وشدد الوزير سلامة على “دور السلطة المحلية في إدارة شؤون البلاد.”

وبحسب الدستور اللبناني تُجرى الانتخابات البلدية في لبنان كل ست سنوات، وتشمل 1029 بلدية موزعة على ثماني محافظات، إضافة إلى 3018 مختارا في مختلف المناطق.

2