الحرب تضع السودان أمام معضلة ترميم أهم مصفاة لتكرير النفط

توقف مصفاة الجيلي عن العمل أضرّ كثيرًا بالاقتصاد السوداني.
الجمعة 2025/03/21
الخراب في كل مكان

الجيلي (السودان) - يواجه السودان تحديا كبيرا الفترة المقبلة لترميم أحد أهم مصافي تكرير النفط بالبلاد بعدما تسببت الحرب المستمرة منذ قرابة عامين في خروجها بالكامل عن الخدمة.

وعلى مسافة نحو 70 كيلومترا شمال الخرطوم، توجد خزانات نفط ضخمة تصل سعتها إلى 1.2 مليون برميل، لكنها أصبحت مغطاة بآثار حرائق ويعلوها الدمار.

وكانت قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” سيطرت على مصفاة الجيلي في أبريل 2023، بعد أيام من اندلاع الحرب مع الجيش الذي يقوده عبدالفتاح البرهان. وتوقفت المنشأة عن العمل في يوليو من العام ذاته، واستعاد الجيش السيطرة عليها في يناير الماضي.

ويقول سراج الدين محمد، نائب مدير المصفاة ومسؤول قسم الصيانة، لوكالة فرانس برس “في يوليو 2023 تم إطفاء المصفاة وتوقفنا عن العمل.”

سراج الدين محمد: 1.3 مليار دولار خسائر المنشأة ويصعب تحديد موعد تشغيلها
سراج الدين محمد: 1.3 مليار دولار خسائر المنشأة ويصعب تحديد موعد تشغيلها

ويضيف وهو يقف أمام بعض المعدات التي دمّرت تماما “بعض الوحدات دمرت بالكامل وأصبحت خارج الخدمة و(هناك) أجزاء تحتاج لاستبدالها بالكامل.”

ولدى السودان 4 منشآت للتكرير، فإلى جانب الجيلي، هناك مصافي بورتسودان وأبوجابرة والأبيض، وفق البيانات المنشورة على المنصة الإلكترونية لوزارة الطاقة والنفط.

وزار فريق من فرانس برس الثلاثاء المصفاة. وشوهد عدد كبير من الأحياء المهجورة والمركبات المدمرة، وروائح النفط المحترق على مدخل المصفاة التي يغلب عليها اللون الأسود بسبب حرائق متكررة طالت حتى الأشجار المزروعة على الجانبين.

وعلى الأرض، تركد كمية كبيرة من المياه التي تم استخدامها في إطفاء الحرائق، كما يمكن رؤية صهاريج منفجرة وبقايا نفط متسرب والحطام والأنابيب المهشمة. ولم يتمكن فريق فرانس برس من دخول غرفة التحكم بسبب احتراقها كلياً.

ومع اقتراب الجيش من المنشأة قبل شهرين، اندلع حريق ضخم اتهمت القوات الحكومية الدعم السريع بإشعاله عمدا “في محاولة يائسة لتدمير” البنية التحتية. من جانبها، اتهمت قوات الدعم الجيش بإلقاء “البراميل المتفجرة” على المصفاة من الطائرات الحربية.

ويقول محمد “بلغ حجم الخسائر 1.3 مليار دولار،” موضحا أنه يصعب تحديد مدى زمني لعودتها إلى العمل حيث لا بد من إعادة تصنيع بعض الأجزاء “في دولة المنشأ وهي من تحدد الزمن الذي يستغرقه ذلك، إضافة إلى زمن الشحن من الصين إلى هنا.”

وبحسب محمد، قامت الصين ببناء مصفاة الجيلي على مرحلتين، في عامي 2000 و2006 بكلفة 2.7 مليار دولار. وتحتفظ بكين بنسبة 10 في المئة من ملكية المصفاة، بينما تملك الحكومة السودانية 90 في المئة.

Thumbnail

ويقول مهندس في المنشأة، طلب عدم ذكر اسمه، إنه في حال توافر التمويل “سيستغرق الأمر ثلاث سنوات لعودة العمل في المصفاة” التي تزود السودان بأكثر من نصف استهلاكه من النفط، كما تنتج الغازولين وغاز الطهي.

وتقدر طاقة إنتاج المصفاة بنحو 100 ألف برميل يوميا من نفط السودان وجنوب السودان. وتسبب توقفها عن العمل بتداعيات على الطرفين.

ومنذ انفصالهما في 2011، تعتمد جنوب السودان التي لا تمتلك أي منافذ على البحر، على جارتها الشمالية في تكرير النفط وتصديره عبر ميناء بورتسودان.

ويقول الخبير الاقتصادي خالد التجاني، إن توقف مصفاة الجيلي عن العمل أضرّ كثيرًا بالاقتصاد السوداني، إذ كانت “توفر 50 في المئة من استهلاك البنزين و40 في المئة من استهلاك الغازولين و50 في المئة من غاز الطهي”.

ويضيف “بتوقفها اضطر السودان إلى الاستيراد لسد الفجوة… يتم الاستيراد عبر القطاع الخاص بالعملات الصعبة ما تسبب في تراجع قيمة العملة السودانية.”

ويوضح التجاني أن نقص الغازولين له التأثير الأكبر، حيث يعتمد عليه قطاع الزراعة والقطاع العسكري بالإضافة إلى استخدامه في توليد الكهرباء.

Thumbnail

ولعقود، شكلت عائدات النفط مصدر دخل رئيسي للسودان، ولكن مع انفصال جنوب السودان، انتقل نحو 75 في المئة من احتياطي الخام للدولة الجديدة.

ومع ذلك، استمرت جوبا في الاعتماد على المنشآت السودانية لنقل وتكرير الغاز مقابل رسوم كانت تشكل جزءاً كبيراً من دخل الخرطوم بالعملة الصعبة.

ومنذ بدء الحرب، واجه هذا الاتفاق تحديات كبيرة، منها تلف أنبوب رئيسي لنقل النفط جراء الاشتباكات، ما أدى إلى توقف التصدير لقرابة عام.

ومع صعوبة تصدير النفط وتوقف المنشآت عن العمل والاضطرار لاستيراد الوقود تلقى الاقتصاد السوداني ضربات متتالية أدت إلى ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة من 600 جنيه مقابل الدولار الواحد قبل الحرب، إلى 2400 جنيه للدولار الآن.

واليوم يعاني نحو 25 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد في جميع أنحاء السودان، وفقا للأمم المتحدة. كما يواجه أكثر من ثمانية ملايين شخص خطر المجاعة، وفق التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي المدعوم من الأمم المتحدة.

10