هل يصبح حفتر رئيسا لليبيا من داخل مجلس النواب

أحدث التسريبات من شرق ليبيا تحدثت عن التخطيط لانتخاب القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر رئيسا للبلاد من داخل مجلس النواب، وهو أمر غير مستبعد في ظل حالة الانسداد السياسي التي تميّز المشهد العام وفشل كل محاولات تجاوز الوضع القائم والانطلاق في حلحلة الأزمة.
يمكن تبرير أيّ مبادرة قد يتخذها مجلس النواب في هذا الاتجاه، بعجز المجتمع الدولي عن إقناع الفرقاء الداخليين بضرورة الاحتكام إلى صندوق الاقتراع كحل جذري يعيد القرار إلى الشعب بعد سنوات من تمركزه في أيادي اللصوص المتخصصين في تزوير إرادة الليبيين والعبث بمؤسسات الدولة وهدر مقدراتها في واحدة من أكبر عمليات نهب المال العام في العالم.
في 16 نوفمبر 2021 قدّم حفتر أوراق ترشحه رسميا لمفوضية الانتخابات في بنغازي، وقال بمناسبة إعلان ترشحه “أترشح للانتخابات لقيادة الشعب في مرحلة مصيرية وليس طلبا للسلطة،” مشيرا إلى أنه “لا يليق بانتخابات ليبيا أن تكون مناسبة للوعود الجوفاء.” وأضاف “أعدكم بالدفاع عن ثوابتنا الوطنية الراسخة، وعلى رأسها وحدة ليبيا وسيادتها واستقلالها،” مؤكدا أن “ليبيا لديها كنوز ومقدرات إذا وضعت في أيد أمينة ستغير مستقبلها،” متعهدا بـ”بدء مسار المصالحة والسلام والبناء إذا وُفّقت في الانتخابات المقبلة”.
◄ تعيين حفتر ابنه صدام نائبا للقائد العام للجيش يهدف إلى ترتيب الأوراق للمرحلة القادمة وفي حال انتخاب المشير حفتر رئيسا للدولة فإنه سيكون القائد الأعلى للقوات المسلحة بينما يرتقي صدام إلى رتبة القائد العام
كان من المنتظر أن تنتظم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر 2021 بالتزامن مع إحياء الذكرى السبعين لاستقلال البلاد والإعلان عن تشكيل ملامح كيان الدولة الليبية المتحدة بأقاليمها الثلاثة: برقة وطرابلس وفزان. تم الاتفاق على ذلك من خلال ملتقى الحوار السياسي المنعقد بتونس في نوفمبر 2020 تحت غطاء الأمم المتحدة وبإدارة مباشرة من رئيسة البعثة آنذاك ستيفاني ويليامز. في فبراير 2021 تم في جنيف انتخاب سلطة تنفيذية جديدة تتكون من مجلس رئاسي وحكومة للوحدة الوطنية وكان من المفروض أن تدير العملية الانتخابية في آخر العام. تسترت الأمم المتحدة على عملية بيع الأصوات وشرائها أثناء مؤتمر جنيف وصرف الملايين من الدولارات لفرض أسماء بعينها على المشهد السياسي لتخدم مصالح مموليها وداعميها والمراهنين عليها.
ما حدث قبل أربع سنوات، أن أطرافا داخلية لعبت على حبل تناقضات المصالح الإقليمية والدولية ونجحت في عرقلة المسار الانتخابي والدفع به إلى أجل غير مسمّى لتستمر بالمقابل في السلطة متجاوزة الأجل القانوني الذي جاءت من أجله.
الكثيرون فسّروا فشل الرهان على تنظيم الانتخابات في ديسمبر 2021 بأن قوى داخلية وخارجية اجتمعت على أن لا مجال لفسح المجال أمام إرادة الناخب الليبي طالما هناك مترشحان لا يضمنان مصالحها، وهما قائد الجيش المشير خليفة حفتر ووريث النظام الجماهيري الدكتور سيف الإسلام القذافي. ولو كان هناك أمل في فوز المهندس عبدالحميد الدبيبة لكانت الانتخابات قد انتظمت في موعدها.
كان لا بد من الوقوف عند مؤشر مهم وهو أن المشير حفتر الذي تجاوز الحادية والثمانين من عمره يبدي إصرارا على الوصول إلى رئاسة ليبيا بصفة رسمية، وأن يضيف إلى سيرته الذاتية بند توليه خطة رئيس الجمهورية الليبية، وهو يعرف أن تسارع الأيام والأشهر والسنوات لا يخدم طموحاته في هذا السياق. فمنذ سبعينات القرن الماضي كان حفتر يحلم بكرسي القائد والزعيم وهو الذي شارك في الحركة العسكرية التي أطاحت بالنظام الملكي في العام 1969، ووصل العقيد معمر القذافي من خلالها إلى الحكم. اعتبر حفتر نفسه جديرا بمنصب الزعيم، وكان مؤمنا بنفسه ومقتنعا بأنه يمتلك كل المؤهلات التي يمكن أن تضعه على رأس السلطة. سيئو الظن يقولون إن القذافي كان يدرك خطورة حفتر بسبب طموحاته الزائدة، ولذلك تعمّد التخلص منه خلال الحرب مع تشاد في ثمانينات القرن الماضي عندما تخلى عنه في قلب المعركة ليقع أسيرا مع المئات من قواته بينما كانت قوات حسين حبري تحظى بدعم كامل من فرنسا والولايات المتحدة ودول إقليمية عدة.
في منتصف مايو القادم، يكون قد مر 11 عاما على إطلاق عملية الكرامة على يد حفتر في مواجهة الجماعات الإرهابية وميليشيات الإسلام السياسي عندما كانت المنطقة كلها على كف عفريت، وكانت ليبيا تئن تحت كلاكل “القاعدة” وأمراء الحرب المتأسلمين، ثم ظهر تنظيم “داعش” الذي سيطر بقوة على أجزاء مهمة من البلاد. بدأ حفتر ببعض المئات من العسكريين المدعومين بالمتطوعين من أبناء القبائل ليدخل حربا ضروسا استطاع أن ينتصر فيها، وأن يكوّن من ورائها جيشا يحتل حاليا المرتبة الحادية عشرة عربياً والتاسعة أفريقيا والسادسة والسبعين عالميا من بين 145 دولة، وهو اليوم يسيطر على أكثر من 85 في المئة من مساحة البلاد حيث يبسط نفوذه على إقليمي برقة وفزان وعلى مناطق مهمة من إقليم طرابلس التاريخي.
◄ يمكن تبرير أيّ مبادرة قد يتخذها مجلس النواب في هذا الاتجاه، بعجز المجتمع الدولي عن إقناع الفرقاء الداخليين بضرورة الاحتكام إلى صندوق الاقتراع كحل جذري يعيد القرار إلى الشعب
بالنسبة إلى حفتر، فإن الثورة الحقيقية هي ثورة الكرامة التي أطلقها عام 2014 وليست ثورة الفاتح في 1969، ولا ثورة فبراير في 2011، ومن الصعب تحديد مستويات طموح الرجل إلى منصب الزعيم وهو الذي تتلبسه روح القيادة بشكل مدهش. فخلال السنوات الخمس الماضية استطاع أن يشكل صورة الدولة التي يحلم بها والتي لا يمكن فصل بصمته عنها. هناك من يتحدث عن حكم عائلة يحاول تكريسه، وهناك من يصف الحالة العامة تحت نفوذه بالدكتاتورية الناشئة. كل من حاول انتقاده كان مآله السجن أو الإخفاء القسري كما حدث في حالات سهام سيرقيوة وإبراهيم الدرسي وهما عضوان في مجلس النواب.
الحديث عن اتجاه مجلس النواب لانتخاب حفتر رئيسا للدولة بسيطرة كلية في مناطق نفوذه، لم يأت من فراغ، وإنما الفكرة مطروحة ولها من وما يدعمها إقليميا ودوليا، وإذا كانت هناك مخاوف من عدم الاعتراف دوليا برئاسته، فإن للمشير وفريقه علاقات واسعة على أكثر من صعيد، وهو يدرك أن مواقف المجتمع الدولي تحددها المصالح في آخر الأمر.
ثم إن تعيين حفتر ابنه صدام نائبا للقائد العام للجيش، ليس وليد الصدفة، وإنما يهدف إلى ترتيب الأوراق للمرحلة القادمة وفي حال انتخاب المشير حفتر رئيسا للدولة فإن سيكون القائد الأعلى للقوات المسلحة بينما يرتقي صدام إلى رتبة القائد العام. وإذا كان الفاعلون الأساسيون في طرابلس سيعتبرون ذلك خروجا عن الاتفاق السياسي أو انقلابا على النظام القائم، فإن حالة الانقسام الحالي ستستمر على ما هي عليه، وقد تتكرس أكثر.
عندما طرح عضو المجس الرئاسي عن إقليم طرابلس عبدالله اللافي مبادرة انتخاب مجلس رئاسي جديد مباشرة عن صناديق الاقتراع، حاول أن يقطع الطريق أمام أيّ خطوة قد يخطوها البرلمان في الاتجاه المعاكس. ولكن طالما أن زميله عن إقليم فزان موسي الكوني طرح فكرة العودة إلى نظام الأقاليم وانتخاب مجلس تشريعي لكل إقليم، فإن انتخاب رئيس الإقليم يمكن أن يكون من داخل ذلك المجلس ليتم تشكيل مجلس رئاسي بنفس التوزيع المعتمد حاليا: رئيس من برقة ونائبان من طرابلس وفزان. وربما يكون انتخاب حفتر من داخل مجلس النواب خطوة في هذا الاتجاه ليكون على رأس المجلس الرئاسي القادم بتوافقات إقليمية ودولية.