مخاطر السياسة تفقد المستثمرين الثقة بالسوق التركية

أسواق الأسهم والسندات والعملة في البلاد تتكبد أكبر خسائر عالميا بعد اعتقال منافس أردوغان.
الخميس 2025/03/20
الاقتصاد في حاجة ماسّة إلى صمت أردوغان

هزت أحدث حملة قمع سياسي في تركيا ضد خصوم الرئيس رجب طيب أردوغان ثقة المستثمرين، متسببة في تراجع جديد لليرة مع موجة بيع في البورصة، وفرضت المزيد من التحديات أمام برنامج حكومته للإصلاح الاقتصادي، الذي لا يزال يشق طريقه بصعوبة رغم بعض المؤشرات الإيجابية التي تعلنها السلطات بين الفينة والأخرى.

أنقرة - أربك إقدام المستثمرين على بيع الأصول التركية العديد من المؤشرات بالسوق المحلية الأربعاء، عقب اعتقال السلطات الأمنية منافس بارز للرئيس رجب طيب أردوغان، مما زاد من المخاطر السياسية.

وكان تراجع الليرة بشدة وبروز موجة بيع واسعة في سوق الأسهم أدت إلى وقف التداول، مع تسجيل قفزة في عوائد سندات الحكومة إلى أعلى مستوياتها هذا العام، أهم تلك الدلائل السلبية، في أسوأ أداء عالمي بين فئات الأصول المختلفة.

وجاءت الخسائر عقب احتجاز رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو بعد يوم من قيام السلطات بإلغاء شهادته الجامعية، في خطوة قد تمنعه من الترشح ضد أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وإمام أوغلو (54 عاما) أحد أكثر السياسيين شعبية في تركيا، ويُنظر إليه على أنه أبرز المرشحين للرئاسة. وتغلب على المرشح الذي اختاره أردوغان في انتخابات بلدية إسطنبول العام الماضي.

وكان من المقرر أن يُعلن الأحد المقبل عن ترشيحه للرئاسة المقررة في عام 2028 عن الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي لحزب العدالة والتنمية ذي الميول الإسلامية.

وصرح وزير المالية محمد شيمشك بأنهم يبذلون كل ما في وسعهم لضمان أداء الأسواق بشكل سليم، دون الإدلاء بالمزيد من التفاصيل.

بيوتر ماتيس: الأصول التركية تتعرض لضغوط بيع قوية من المستثمرين
بيوتر ماتيس: الأصول التركية تتعرض لضغوط بيع قوية من المستثمرين

وهبط مؤشر بورصة إسطنبول 100 بنسبة 6.9 في المئة مع بداية التداول لتسجل أسوأ أداء يومي لها منذ أواخر عام 2023، ما أدى إلى تعليق التعاملات بموجب قواعد “وقف التداول التلقائي”، قبل أن يعاود النشاط على انخفاض بنسبة 4.6 في المئة.

كما تراجعت السندات السيادية التركية لأجل 10 سنوات لترتفع عوائدها بمقدار 175 نقطة أساس إلى 29.94 في المئة. وانخفض أجل استحقاق 2045 بمقدار 1.6 سنت ليصل إلى 85 سنتا، وهو أدنى مستوى له منذ عام 2011.

وشهد سوق السندات وحده تدفق ملياري دولار وحدها منذ بداية 2025، وسط توقعات بتباطؤ التضخم وتخفيف السياسة النقدية خلال المرحلة المقبلة، بينما يظل المستثمرون يراقبون المتغيرات التي قد لا تغريهم على خوض مغامرة في بلد شديد التقلبات السياسية.

وتم تداول الليرة عند 38.9 مقابل الدولار، من إغلاقها عند 36.67 الثلاثاء، بعد أن استعادت بعض خسائرها من أدنى مستوى لها على الإطلاق الذي سجلته في وقت سابق، لكنها لا تزال تشهد أكبر انخفاض لها منذ يوليو 2023.

وانخفضت العملة التركية في التعاملات المبكرة بواقع 12.7 في المئة لتصل قيمتها 42 ليرة مقابل الدولار، وهو أحد أكبر التحركات اليومية لها على الإطلاق.

ويقدّر المصرفيون أن البنك المركزي التركي باع ما لا يقل عن 5 مليارات دولار من العملات الأجنبية بعد انهيار الليرة، بينما يقول البعض إنها ربما وصلت بالفعل إلى 10 مليارات دولار.

وعلق بيوتر ماتيس، كبير محللي العملات الأجنبية في شركة أن تاتش كابيتال ماركتس، على هذه الأحداث قائلا لوكالة بلومبيرغ إن “الأصول التركية تتعرض لضغوط بيع قوية.”

وأضاف “بالنسبة إلى بعض المستثمرين، فإن ما يحدث يُذكِّرهم أيضاً بأن أردوغان يعتزم إحكام قبضته على السلطة بشكل أكبر من خلال محاولة منع أبرز خصومه السياسيين من الترشح في الانتخابات الرئاسية، مع أنه لا يمكن استبعاد إجراء انتخابات مبكرة.”

وعادة ما تُؤثر التطورات السياسية سلباً على الأسهم التركية، حيث يهيمن المستثمرون المحليون على سوق الأسهم في البلاد، وهم أكثر تفاعلاً خلال فترات التقلبات.

ويمتلك المستثمرون المحليون حوالي 62.5 في المئة من الأسهم التركية، حسب بيانات على الموقع الإلكتروني لهيئة إيداع الأوراق المالية التركية.

وتؤدّي التطورات السياسية إلى زعزعة حالة التفاؤل بين المستثمرين العالميين بشأن الأصول التركية، وسط توقعات بأن تركيا ستكون أقل تأثراً بالتقلبات الناجمة عن الحروب التجارية.

أبرز المؤشرات السلبية

  • 38.9 ليرة سعر الدولار بعد أن وصل إلى حاجز 42 ليرة
  • 6.9 في المئة نسبة هبوط مؤشر بورصة إسطنبول 100
  • 1.6 سنتا أميركيا مقدار انخفاض عوائد السندات 2045

وساهمت عوامل تشمل قراءة التضخم الأفضل من المتوقع في فبراير، وخفض الفائدة، والآمال بتعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، في دفع الأسهم التركية نحو سوق صاعدة في وقت سابق هذا الشهر، في حين ظل تداول الليرة بفارق العائد جذاباً وفق تجارة الفوائد.

كما انعكست موجة البيع الأربعاء على أسواق العقود الآجلة. وارتفعت تكلفة اقتراض الليرة في الخارج لليلة واحدة بأكثر من 10 نقاط مئوية إلى 48 في المئة، مما يدفع المستثمرين إلى التخلي عن مراكزهم.

وكان أردوغان قد صعّد صراعه مع أكبر مجموعة أعمال في البلاد الشهر الماضي، في سياق خططه لكسر شوكة المعارضة للظفر بأيّ مكاسب تحدّ من شعبيته خلال الاستحقاق الانتخابي المقبل.

وحينها، منعت محكمة في إسطنبول اثنين من مسؤولي جمعية رجال الأعمال والصناعات والتجارة (توسياد) من السفر، في إطار تحقيق بشأن تصريحاتهما حول الديمقراطية، والتي وصفها أردوغان بأنها “تُقوّض الحكومة.”

وقبل ذلك بأسبوع، انتقد رئيس توسياد، أورهان توران، ورئيس وحدة الخدمات المصرفية التركية في بنك قطر الوطني، عمر أراس، في الجمعية العامة للجمعية حملة الحكومة على شخصيات معارضة وصحافيين.

وقال أراس إن “التحقيقات معهما هزت الثقة وأضرت بالديمقراطية.” وفي تصعيدٍ للموقف، اتهم أردوغان قادة جمعية توسياد بالتدخل في السياسة والتربّح على حساب الوطن.

ويُمثل أعضاء الجمعية 85 في المئة من التجارة الخارجية لتركيا ويساهمون بنسبة 80 في المئة من عائدات ضرائب الشركات.

وأثار التحقيق في الجمعية باعتبارها رمزا لطبقة رجال الأعمال الأغنياء في تركيا التي تضاءل نفوذها في عهد أردوغان بشكل ملحوظ، تساؤلاتٍ من بعض المستثمرين الأجانب الذين رحّبوا بالتحول نحو سياسات أكثر تشددا منذ منتصف عام 2023.

ودعمت توسياد بقوة الفائدة المرتفعة وسياسة التقشف التي قادها شيمشك لمعالجة التضخم الذي ارتفع إلى 85 في المئة خلال السنوات الأخيرة، إلا أن هذا المعدل بدأ يتراجع.

وبعد انتخابات مايو 2023 عيّن أردوغان شيمشك وقيادة جديدة للبنك المركزي تخلّت عن سياسة الفائدة المنخفضة غير التقليدية التي تبناها الرئيس التركي نفسه لتحفيز النمو، والتي أدت إلى انهيار قيمة العملة وأزمة غلاء معيشة مستمرة.

ومطلع مارس خفّض المركزي الفائدة للمرة الثالثة تواليا من 45 إلى 42.5 في المئة، وذلك بعد أيام من صدور بيانات التضخم التي أظهرت تباطؤاً أسرع من المتوقع عند 39 في المئة.

11