سجال عقارات ومرحلين وتأشيرات يدفع إلى قطيعة بين الجزائر وفرنسا

تتواصل الأزمة بين فرنسا والجزائر بالتصاعد مع إجراءات انتقامية من الطرفين ومناكفة إعلامية تقودها وكالة الأنباء الجزائرية التي كشفت عن خفايا المصالح الفرنسية بالبلاد وتكتم المسؤولين عنها.
الجزائر - طفت على سطح العلاقات الجزائرية – الفرنسية المزيد من الخلافات التي تمهد لقطيعة بين البلدين، فبعد الكشف عن عقارات الجهاز الدبلوماسي الفرنسي بالجزائر المؤجرة بالدينار الرمزي، قررت السلطات الجزائرية رفض لائحة المطلوب ترحيلهم من فرنسا، وفي المقابل علقت باريس العمل باتفاقية العام 2007، المتعلقة بالتأشيرات الدبلوماسية.
وفاجأت وكالة الأنباء الرسمية الشارع الجزائري بالكشف عن حيازة فرنسا لنحو 60 عقارا، تستعملها في نشاطها الرسمي كمقار وإقامات لجهازها الدبلوماسي بسعر رمزي، وبقدر ما عبرت عن رغبة رسمية في الرد على الخطاب الرسمي في باريس، عما يسميه بالمساعدات المالية المخصصة للجزائر، بقدر ما اعتبره البعض تواطؤا مخجلا بين نخب رسمية في البلدين على استنزاف واستغلال مقدرات البلاد طيلة عقود كاملة.
ومع أن الرسالة واضحة في تقرير وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، للرد على ما تردده دوائر سياسية وإعلامية في فرنسا، حول تخصيص الأخيرة لمساعدات مالية سنوية للجزائر، إلا أنها جاءت بمفعول عكسي إذ تأكد الشارع الجزائري من وجود “تواطؤ بين النخب الحاكمة في البلدين على مزايا ضيقة على حساب مصالح الدولة”.
ويرى متابعون لأطوار الأزمة القائمة بين البلدين أن ما كشف عنه تقرير وكالة الأنباء الجزائرية من عقارات الجهاز الدبلوماسي الفرنسي في الجزائر، هو عينة من حزمة من التنازلات تكرست طيلة العقود الماضية، وليس غريبا أن تكون هناك خفايا أخرى تبرز تنازلات غير مبررة للمصالح الفرنسية، مقابل منافع ومزايا استفاد منها نافذون في السلطة الجزائرية.
وأعاد الكشف عن العقارات المذكورة إلى الأذهان ظروف وملابسات تأسيس مصنع شركة رونو الفرنسية في مدينة وهران، والشروط المجحفة التي فرضتها الشركة على الحكومة، وكذلك الشركات الفرنسية التي استحوذت خلال السنوات الماضية على بعض القطاعات، رغم أن بعضها كان على حافة الإفلاس، كشركة “سيال”.
ويتابع هؤلاء أن الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة كان مقعدا ومغيبا منذ العام 2014، إلا أن الفرنسيين وعلى رأسهم فرانسوا هولاند، كانوا يشيدون بقدراته الفكرية والإدراكية، من أجل الحفاظ على مصالحهم، وقبل الحديث عما يعرف باتفاق “فال دوغراس” بين سلطات البلدين، فإن نشاط مؤسسات رسمية جزائرية جرى في المستشفى الفرنسي الذي كان يعالج بوتفليقة، وحتى خلال انتفاضة الحراك الشعبي العام 2019، كان إيمانويل ماكرون يؤيد التمديد للرئيس بوتفليقة، رغم أن الشارع يصدح برحيله.
وقالت الوكالة الجزائرية “هناك 61 عقارا في المجموع تشغلها فرنسا على التراب الجزائري مقابل إيجارات جد منخفضة، ومن بين هذه الأملاك العقارية، يوجد مقر سفارة فرنسا بالجزائر الذي يتربع على مساحة شاسعة تقدر بـ14 هكتارا بأعالي الجزائر العاصمة، مقابل إيجار زهيد لا يغطي حتى سعر غرفة الخدم بباريس. أما إقامة سفير فرنسا، المعروفة باسم ‘أشجار الزيتون’، فإنها تتربع على مساحة 4 هكتارات ومؤجرة بالفرنك الرمزي، على أساس سعر إيجار لم يتغير منذ سنة 1962 إلى غاية شهر أغسطس 2023. ولم تبد فرنسا قط للجزائر مثل هذا السخاء على ترابها”.
ولفتت إلى أنه “إذا كانت باريس ترغب في فتح النقاش حول المعاملة بالمثل واحترام التعهدات الموقعة، فليكن ذلك! سنرى أيهما، الجزائر أم فرنسا، قد استفاد أكثر من هذه المعاهدات وأيا من البلدين لا يحترم الاتفاقات المبرمة.. كفى نفاقا! قد حان الوقت لكشف الحقيقة”.
وباتت الرسائل الرسمية الجزائرية للفرنسيين، تبلغ تباعا للسلك الدبلوماسي، فبعد حصيلة العقارات التي اطلع عليها السفير ستيفان روماتي، من قبل وزارة الخارجية، تم نقل الرفض الجزائري للائحة الأفراد الذين تريد فرنسا ترحيلهم إلى الجزائر، بواسطة الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية لوناس مقرمان، للقائم بأعمال السفارة الفرنسية، وهو ما قابلته الداخلية الفرنسية بإعلان تعليق العمل باتفاق العام 2007 المتعلق بالتأشيرات الدبلوماسية مع الجزائر.
الكشف عن العقارات المذكورة أعاد إلى الأذهان ظروف وملابسات تأسيس مصنع شركة رونو الفرنسية في مدينة وهران
وفيما يجهل أسباب غياب السفير الفرنسي عن الجزائر، كشفت الخارجية الجزائرية أنه “تبعا للمقابلة التي خص بها القائم بأعمال سفارة الجزائر بفرنسا يوم 14 مارس الجاري وهي المقابلة التي تسلم خلالها قائمة بأسماء المواطنين الجزائريين الذين صدرت في حقهم قرارات إبعاد من التراب الفرنسي، سلم الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية إلى القائم بأعمال السفارة الفرنسية مذكرة شفوية تتضمن الرد الرسمي للسلطات الجزائرية”.
وتوقع الوزير والدبلوماسي السابق عبدالعزيز رحابي أن تندفع علاقات البلدين إلى المزيد من التأزيم وربما القطيعة، وربط حلحلتها بما ستفرزه الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة في 2027، لأن المسألة صارت متصلة بخيارات سياسية وأيديولوجية وليس بمزاج مؤسسات عابر.
وقالت الخارجية الجزائرية في بيان “أكدت الجزائر من جديد رفضها القاطع للغة التهديد والوعيد والمهل ولكافة أشكال الابتزاز. كما اعترضت الجزائر على المقاربة الانتقائية التي تنتهجها فرنسا إزاء الاتفاقيات الثنائية والدولية التي تربط البلدين وأكدت أن المحرك الرئيسي للموقف الجزائري يتمثل في الوفاء بما يقع على بلادنا من واجب توفير الحماية القنصلية لرعاياها المتواجدين بالخارج”.
وأضافت “المسعى الفرنسي لتقديم قائمة بأسماء المواطنين الصادرة في حقهم قرارات الإبعاد، قد تم رفضه من قبل السلطات الجزائرية شكلا ومضمونا، وترى بأنه لا يمكن لفرنسا أن تقرر، بصفة أحادية وانفرادية، إعادة النظر في القنوات الاعتيادية المخصصة لمعالجة حالات الإبعاد. وعليه تمت دعوة الطرف الفرنسي إلى احترام الإجراء المعمول به في هذا المجال من خلال اتباع القنوات المتفق عليها، أي تلك القائمة بين المقاطعات الفرنسية والقنصليات الجزائرية المختصة وكذلك الحفاظ على طريقة المعالجة المعتمدة، أي دراسة طلبات الإبعاد حالة بحالة”.
وتابعت “أكد الرد الجزائري أن بروتوكول اتفاق عام 1994 لا يمكن تطبيقه بمعزل عن اتفاقية العلاقات القنصلية لعام 1974، التي تظل الإطار المرجعي الرئيسي في المجال القنصلي بين البلدين. ومن هذا المنظور، لا ينبغي أن يكون تنفيذ أحد هذين النصين القانونيين على حساب الآخر، خصوصا عندما يتعلق الأمر بضرورة ضمان احترام حقوق الأشخاص المعنيين بتدابير الإبعاد”.
اقرأ أيضاً: