ليبيا تعتقل العشرات من التونسيين بتهمة التهريب ردا على سجن ليبي

الاضطرابات التي يشهدها معبر رأس جدير وقرارات غلقه المتكررة خلال الأعوام الأخيرة تؤثر في اضطراب النشاط التجاري والاقتصادي بين البلدين.
الأربعاء 2025/03/19
التهريب بين تونس وليبيا يمثل تحديا كبيرا

طرابلس - أعلنت السلطات الأمنية الليبية حجز العشرات من السيارات التونسية وإحالة أصحابها إلى النيابة العامة بتهمة تهريب السلع والوقود من ليبيا بطريقة غير قانونية، ما يهدد بأزمة بين البلدين نظرا إلى أن الإجراء تم اتخاذه بعد سجن مواطن ليبي في تونس بتهمة تهريب مواد مدعمة.

وشهد معبر رأس جدير في الساعات الأخيرة تضييقا كبيرا من السلطات الليبية تجاه مواطنين وتجار تونسيين، حيث قامت بإيقاف العديد منهم وتحويلهم إلى النيابة العامة إضافة إلى حجز سياراتهم والبضائع.

وقالت إدارة إنفاذ القانون بالإدارة العامة للعمليات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، في بيان الاثنين، إنّ دوريات تابعة لها ضبطت عددا من المركبات الآلية التونسية داخل منفذ رأس جدير البري، حيث كان أصحابها يمتهنون تهريب السلع والبضائع من ليبيا، بالإضافة إلى تهريب الوقود عبر خزانات مضافة بشكل غير قانوني إلى هذه المركبات.

وأضافت أنّه تمّ “اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة بحق أصحاب هذه المركبات، وإحالتهم إلى مركز شرطة رأس جدير، تمهيدا لعرضهم على النيابة العامة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية”، مشيرة إلى أنّ الإدارة “حجزت المركبات والمضبوطات ونقلها إلى مقرها، إلى حين استكمال الإجراءات القانونية المتعلقة بها”.

وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي تدوينة لمدير إدارة إنفاذ القانون بالمعبر عبدالحكيم الخيتوني الذي قال إنّه سيتم تطبيق القانون للتصدّي لمختلف أشكال التهريب عبر منفذ رأس جدير، مضيفا “سنعتمد مبدأ المعاملة بالمثل، وسيكون القانون هو الفيصل دون أيّ تهاون”.

الأهالي في المناطق الحدودية يخشون من تدهور الوضع وحدوث اضطرابات في التنسيق الأمني بين البلدين، وإغلاق المعبر

وأفادت مصادر مطلعة لـ”العرب” بأن هذا الإجراء من قبل الجانب الليبي جاء ردا على إصدار المحكمة الابتدائية بمحافظة مدنين جنوبي تونس، حكما بالسجن لمدة خمسة أعوام بحق ليبي، كشفت التحقيقات عن ضبطه بصدد تهريب كمية من مادة الكسكسي إلى بلاده.

وحسب المعطيات المتداولة من الجانب الليبي، فإنّ محكمة تونسية قضت بسجن المواطن الليبي وسيم شكمة، خمس سنوات ومصادرة سيارته بتهمة تهريب مواد غذائية مدعمة، ممثلة في 150 كلغ من الكسكسي من تونس إلى ليبيا.

وأثار قرار المحكمة جدلا واسعا، حيث اعتبره الليبيون قاسيا وغير منطقي بالنظر إلى حقيقة أنّ المواد التي تم تهريبها ليست محظورة، وسط مطالبات شعبية بتطبيق مبدأ “المعاملة بالمثل” مع الجانب التونسي، كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي الليبية حملة واسعة، تدعو السلطات إلى اتخاذ إجراءات مماثلة ضد التونسيين الذين يتم ضبطهم بتهريب داخل الأراضي الليبية، وهو ما سارعت الحكومة إلى تنفيذه.

وأكد رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبدالكبير ارتفاع عدد التونسيين الموقوفين في المدة الأخيرة من الطرف الليبي إلى أكثر من 50 تونسيا من بينهم قصر على خلفية التهريب، بالإضافة إلى حجز أكثر من 25 عربة وتحويلها إلى داخل ليبيا.

وأضاف عبدالكبير أنه كان من المقرر إحالة المجموعة الأولى يوم الاثنين على أنظار النيابة إلا أنها أجلت ذلك إلى الأسبوع القادم.

وطالب عبدالكبير السلطات التونسية ونظيرتها الليبية بمتابعة الملف والإفراج عن الموقوفين وإيجاد حلول لتجاوز الصعوبات المتكررة التي تعترض المواطنين التونسيين في ليبيا.

وتعتمد العديد من المناطق الحدودية في البلدين على الأنشطة التجارية غير الرسمية كمصدر أساسي للرزق، ما يجعل أي إجراءات أمنية صارمة محل جدل واسع حيث يعتبر التهريب “مهنة” موروثة في بعض المناطق، ويُنظر إليه على أنه وسيلة مشروعة لكسب العيش.

الإجراء من قبل الجانب الليبي جاء ردا على إصدار المحكمة الابتدائية بمحافظة مدنين جنوبي تونس، حكما بالسجن لمدة خمسة أعوام بحق ليبي

ويساهم التفاوت في الأسعار بين البلدين، باعتماد الكثير من مواطني البلدين على التهريب حيث تباع بعض السلع في تونس بأسعار أعلى مقارنة بليبيا، والعكس صحيح. كما أن ارتفاع معدلات البطالة، خاصة في المناطق الحدودية، يدفع الشباب إلى البحث عن مصادر دخل بديلة.

ومن أهم المواد المهربة الوقود المدعوم من ليبيا إلى تونس حيث يباع بسعر أعلى، والمواد الاستهلاكية مثل السكر والدقيق من ليبيا إلى تونس والعكس، بالإضافة إلى الأدوية والمعدات الطبية نظرا للفروقات في الأسعار بين البلدين.

وتعتبر السلع الإلكترونية وقطع غيار السيارات من أبرز المواد المهربة، خاصة مع نقص بعض المنتجات في السوق الليبي.

ويخشى الأهالي في المناطق الحدودية من تسبب الأحداث الأخيرة في تدهور الوضع بين البلدين، وحدوث اضطرابات على مستوى التنسيق الأمني بينهما، خصوصا أنه سبق للسلطات الليبية المتحكمة في معبر راس جدير، أن أغلقته بين مارس ويوليو من العام الماضي، بسبب اضطرابات أمنية وسياسية في البلاد.

وأعلن الجانبان الليبي والتونسي إعادة فتح المعبر الحدودي في يوليو العام الماضي، مع تشديد الرقابة على حركة التبادل التجاري عبر المنفذ، لمنع تهريب المواد الأساسية المدعمة كالمحروقات والحبوب ومشتقاتها.

وتؤثر الاضطرابات التي يشهدها معبر رأس جدير الحدودي وقرارات غلقه المتكررة خلال الأعوام الأخيرة، في اضطراب النشاط التجاري والاقتصادي بين البلدين، حيث يستأثر بنحو 80 في المئة من حجم التبادل التجاري بينهما.

ويمثل التهريب بين تونس وليبيا تحديا كبيرا يفرض على البلدين تكثيف الجهود لمحاربته، وذلك من خلال حلول متوازنة تجمع بين التشديد الأمني والسياسات الاقتصادية التي تحسن من أوضاع السكان المحليين. فالقضاء على التهريب لن يكون ممكنا دون تنمية المناطق الحدودية وتعزيز التعاون الثنائي لمكافحة هذه الظاهرة بشكل مستدام.

وساهم انتشار الفساد في بعض المؤسسات بتسهيل تمرير السلع المهربة عبر المعابر الرسمية وغير الرسمية، مع ضعف التنمية في المناطق الحدودية وغياب الاستثمارات الكبرى التي توفر فرص عمل قانونية.

4