صندوق الثروة السعودي يعتمد منهجية جديدة للاستثمار ومواكبة الإنفاق

تبرز دلائل على تحول ديناميكيات الاستثمار والإنفاق والتمويل لدى صندوق الثروة السيادية السعودي، حيث تؤكد تحركاته أنه يتجه بثبات إلى اعتماد منهجية جديدة في إدارة الأصول وجمع الديون، بما ينسجم مع إستراتيجية التنمية ضمن أجندة رؤية 2030.
الرياض - يعتزم صندوق الاستثمارات العامة السعودي تكثيف جهوده لجمع التمويلات عبر تنويع قاعدة المستثمرين وإصدار ديون عبر الشركات التابعة له، في ظل المساعي لمواكبة الإنفاق الطموح للحكومة بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وكشفت مصادر مطلعة لوكالة بلومبيرغ الثلاثاء أن الصندوق البالغ حجمه 925 مليار دولار يدرس إصدار أول سندات مقومة باليورو هذا العام، إلى جانب التخطيط لاستقطاب المستثمرين الأميركيين إلى السوق المحلية لأول مرة.
كما عمل على تشجيع بعض شركاته التابعة على الاقتراض بشكل مستقل، حيث من المتوقع أن تكون نيوم وأفليس من بين الكيانات التي قد تلجأ إلى إصدار ديون.
وتمثل هذه الخطط خطوة ضمن إستراتيجية التمويل طويلة الأجل التي يتبعها الصندوق، والتي تهدف إلى تقليل الحاجة إلى تمويل إضافي من الحكومة، وفقا لأحد المصادر التي لم يتم الكشف عن هويتها لحساسية الأمر.
ويواصل الصندوق تعزيز حضوره في أسواق الدين العالمية، بعدما جمع 4 مليارات دولار من أسواق السندات في يناير، تلاه إصدار صكوك بقيمة 1.25 مليار دولار من قبل وحدته المتخصصة في التعدين الشهر الماضي.
وأي إصدارات جديدة ستُضاف إلى 14.3 مليار دولار جمعها الصندوق والحكومة منذ بداية العام، ما يعزز موقع السعودية كأحد أكبر مُصدري الدين في الأسواق الناشئة على مدى العامين الماضيين.
وتستعد السعودية لضخ استثمارات ضخمة خلال السنوات المقبلة، تشمل التحضيرات لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2034، وذلك في وقت تواجه فيه تحديات تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، وانخفاض أسعار النفط، واستمرار عجز الميزانية.
وهذه العوامل دفعت الحكومة إلى إعادة ترتيب أولويات المشاريع لتفادي أي تعطيلات محتملة خاصة وأن العمر المتبقي لأجندة التحول لا يتجاوز ست سنوات من الآن.
ووفقا لتقديرات بلومبيرغ إيكونوميكس، تحتاج الحكومة إلى سعر نفط يبلغ 108 دولارات للبرميل لتغطية الإنفاق، مع الأخذ في الاعتبار الاستثمارات المحلية لصندوق الثروة. وهذا الرقم أعلى بكثير من المستويات الحالية البالغة نحو 70 دولاراً للبرميل، ما يزيد من الضغوط على المالية العامة.
وفي ظل هذه التحديات تعهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يترأس صندوق الثروة، بإبرام صفقات تجارية واستثمارية بقيمة 600 مليار دولار مع الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة.
ومع مطالبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بزيادة حجم استثمارات السعودية في بلاده، تتزايد الحاجة إلى مصادر تمويل إضافية لضمان تنفيذ هذه الاتفاقيات.
ولدى الصندوق خطط لزيادة حجم إنفاقه السنوي إلى 70 مليار دولار، مستفيداً من عائدات استثماراته، والاقتراض، وتحويلات نقدية أو أصول من الحكومة. ومع ذلك فإن تراجع توزيعات أرامكو، التي يمتلك الصندوق 16 في المئة من أسهمها، قد يقلل من أحد مصادر تمويله الرئيسية.
ووفقا لمصادر مطلعة، يدرس الصندوق بيع جزء من محفظته البالغة 461 مليار دولار من الأسهم المدرجة، إضافة إلى إدراج شركات جديدة في البورصة السعودية.
وتشمل قائمة الطروحات المحتملة شركة نوبكو لمشتريات القطاع الطبي، وتبريد السعودية، والموانئ العالمية السعودية، بحسب تقارير بلومبيرغ.
وأطلق صندوق الثروة حوالي 100 شركة تغطي قطاعات متعددة، من السياحة إلى الذكاء الاصطناعي، من بينها شركة الدرعية التي تدير مشروعاً بقيمة 63 مليار دولار لتحويل المنطقة التاريخية إلى وجهة سياحية عالمية.
وأكد الرئيس التنفيذي للشركة جيري إنزيريلو في مقابلة مع بلومبيرغ أن الدرعية بدأت استكشاف خيارات التمويل الخارجي.
وأشار إلى اهتمام شركاء أجانب بالاستثمار في المشروع لتحل ملكيتهم محل استثمارات الصندوق في المستقبل. ومن المتوقع أن تصدر الشركة أول سنداتها هذا العام.
وسيتم تشجيع الشركات التابعة للصندوق على الاقتراض بناء على ميزانياتها وخططها التشغيلية، بحسب المصادر، مع تقليل الاعتماد على ضمانات الصندوق المباشرة. وسيتولى إدارة التمويل تنسيق إصدارات الدين لتلك الشركات.
وفي ظل تزايد الاعتماد على الاقتراض، سيظل الصندوق ملتزماً بالحفاظ على التصنيف الائتماني.
ويتوقع علي دحلومال، محلل أبحاث الائتمان في أوف أميركا غلوبال ريسيرش، أن يرتفع إصدار الديون من قبل الشركات السعودية، بما في ذلك البنوك والصندوق السيادي وشركاته التابعة، إلى 40 مليار دولار هذا العام مقارنة بنحو 31 مليار دولار في 2024.
وقال إن “الصندوق يسعى إلى دفع الكيانات القادرة على جمع التمويل دولياً إلى القيام بذلك، ما يتيح مساحة أكبر في السوق المحلية للشركات التي لم تصل بعد إلى مستوى الجاهزية لجذب التمويل الخارجي.”
وضاعف الصندوق قيمة محفظة الاستثمارات الهادفة إلى تطوير القطاعات الواعدة وتنميتها إلى 251.3 مليار دولار في نهاية 2023، ما يمثل زيادة تعكس تحركا إستراتيجيا نحو تعزيز دوره في تحقيق التحول الاقتصادي.
يبقى السؤال الأهم: هل سيبدي المستثمرون اهتماما بشراء هذه السندات؟ حتى الآن، كان الطلب على ديون الصندوق قويا، بحسب فاروق سوسة، كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في غولدمان ساكس.
لكنه أكد أن بعض المشاريع التي تخدم الأهداف الإستراتيجية للسعودية قد لا تُترجم بالضرورة إلى عوائد مالية مجزية للمستثمرين.
وأضاف سوسة “المستثمرون من القطاع الخاص لن يضخوا أموالهم في مشروع فقط لأنه يولد قيمة للاقتصاد ككل، بل يبحثون عن العوائد المباشرة.”
وفي أكتوبر الماضي أعلن الصندوق أنه سيقلص حصة استثماراته الخارجية، بعدما أبرم على مدى سنوات صفقات ضخمة شملت خصوصا المجالين الرياضي والترفيهي.
وقال محافظ الصندوق ياسر الرميان إن الهدف هو “خفض حصة استثماراته الدولية بمقدار الثلث تقريبا،” مع استغلال البلد لموارده لتمويل خططه الرامية إلى تحويل اقتصاده بعيدا عن الاعتماد على النفط.
وفي معرض حديثه عن نمو الصندوق خلال العقد الأخير، أوضح الرميان خلال منتدى للمستثمرين في العاصمة الرياض، أن حصة الاستثمارات الدولية للصندوق ارتفعت بشكل كبير من اثنين في المئة إلى 30 في المئة.
وكانت الاستثمارات العالمية للصندوق تقل عن اثنين في المئة فقط، حين كانت أصوله تحت الإدارة تقدر بنحو 150 مليار دولار، حيث معظم استثماراته عبارة عن مشاريع تنموية داخل البلاد.