عودة الأمطار تبث التفاؤل بانتعاش الزراعة المغربية

ارتفاع منسوب امتلاء السدود مع حوكمة المخزون المائي يمهدان لموسم إنتاج أفضل الفترة المقبلة.
الأربعاء 2025/03/19
لا حياة بلا ماء

عودة الأمطار في المغرب تنهي واحدة من أسوأ موجات الجفاف في تاريخ البلاد بعدما أنهكت الزراعة وهددت إمدادات المياه للملايين من السكان طيلة سنوات، ما يعطي الحكومة دفعة لتنفيذ خططها للابتعاد عن خط الفقر المائي، من خلال امتلاء السدود.

الرباط- أحيت الأمطار الغزيرة التي هطلت على المغرب منذ أكثر من أسبوع بعد سبع سنوات متتالية من الجفاف، الآمال بتحسن إيجابي في قطاع الزراعة وموارد المياه في البلاد.

واعتبر مسؤولون وخبراء أن كميات الأمطار المتساقطة في الفترة الأخيرة حققت مخزونا سيساعد البلاد على الابتعاد مؤقتا عن خط الإجهاد المائي وسيدعم قطاع الزراعة.

ويمنح التحسن في هذين المجالين بعض التفاؤل إزاء نمو الاقتصاد، حيث تمثل الزراعة المحرك الأساسي له، وعصب الناتج المحلي باعتبارها المصدر الرئيسي لدخل نحو 40 في المئة من القوى العاملة النشيطة، وفق إحصائيات وزارة الفلاحة.

وعلى مدى تلك الأعوام السبعة شكلت أزمة الجفاف التي تترافق مع تسجيل درجات حرارة مرتفعة، أحد أبرز التحديات التي تواجه قطاع الزراعة في المغرب.

حساين رحاوي: رغم تأخر تساقط الأمطار يبدو تأثيرها الإيجابي واضحا الآن
حساين رحاوي: رغم تأخر تساقط الأمطار يبدو تأثيرها الإيجابي واضحا الآن

وأفاد مسؤول حكومي بأن تحسن موسم الزراعة الحالي من شأنه أيضا أن ينعكس إيجابا على أسعار الخضروات في الأسواق المحلية. ويأتي ذلك في وقت طالب فيه خبير بيئي بضرورة الاعتماد على تقنيات جديدة من أجل تجميع المياه مثل “حصاد الأمطار”.

وكانت مندوبية التخطيط، وهي هيئة رسمية معنية بالإحصاء، قد ذكرت أواخر الشهر الماضي أن التضخم ارتفع بواقع اثنين في المئة خلال يناير.

وقالت في بيان آنذاك أن “الرقم المسجل للتضخم جاء بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية 3.3 في المئة، وأسعار المواد غير الغذائية 1.1 في المئة،” وفي مقدمتها الطاقة وسط تواصل الجفاف.

ومنذ أيام تشهد مناطق البلاد أمطارا غزيرة مع توقعات بمنخفضات جوية جديدة مصحوبة بأمطار من المقرر أن تهطل على البلاد خلال مارس الجاري.

وتتوقع المديرية العامة للأرصاد الجوية تسجيل أمطار قوية خاصة بكل من “الحسيمة والمضيق والفنيدق وتطوان وطنجة وأصيلة ووزان والعرائش وفحص – أنجرة وشفشاون (شمال)، وتازة وتاونات (شرق)” طوال مارس. وبثت هذه الأمطار الآمال لدى المغاربة خاصة المزارعين بعد تقديرات حكومية أفادت في فبراير الماضي بضعف معدل التساقطات.

وفي مطلع فبراير قال وزير الفلاحة أحمد البواري خلال اجتماع المجلس الحكومي آنذاك إن “الموسم الزراعي الحالي شهد تساقطات مطرية ضعيفة مقارنة بالمعدل المسجل خلال العقود الثلاثة الماضية.”

ويبلغ معدل الأمطار بالبلاد 349 ميليمترا في السنوات العادية، إلا أنه سجل في 2024 نحو 104 ميليمترات فقط، وفق وزارة الفلاحة. وبحسب إحصاءات الوزارة، فقد بلغ معدل الأمطار بالمغرب 134 ميليمترا خلال 2023، و260 في 2022، و249 خلال 2021.

149

سدا كبيرا بالبلاد تساعد على تخزين الماء وري الحقول، فضلا عن توفير مياه الشرب والكهرباء

وتشكل الزراعة العمود الفقري للاقتصاد المغربي بسبب مساهمتها الكبيرة في النمو، وارتباط مختلف القطاعات بها، خاصة الصناعات الغذائية التي يتم تصدير جزء كبير منها.

والقطاع يسهم بنحو 14 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي، وهو مورد رزق لقرابة 80 في المئة من سكان الأرياف، كما يشغل 3.5 مليون شخص، بحسب التقديرات.

وقال المدير الجهوي للفلاحة بالدار البيضاء حساين رحاوي “رغم تأخر تساقط الأمطار فإن تأثيرها الإيجابي يبدو واضحا الآن على مخزون السدود والمياه الجوفية ومختلف القطاعات الزراعية والرعوية.”

وتابع رحاوي، في تصريح لوكالة الأنباء المغربية الرسمية، أن الأمطار “تدعم التوقعات بتحسن الموسم الزراعي الحالي والذي يبقى رهينا بمزيد من الغيث لتعزيز الإنتاج خلال الأشهر المقبلة.”

وأوضح أنه بفضل “الظروف الملائمة سيعمل عدد كبير من المزارعين من أجل تهيئة الأراضي استعدادا للزراعات الربيعية، مثل زراعة الذرة والحمص، مع توقع توسع المساحات المزروعة لتعويض الحبوب التي تأثرت بالجفاف في بعض المناطق.”

وهذه الأمطار ستساعد كذلك على تحسين نمو زراعات الخضروات الربيعية، وتقليل تكاليف الري بالتنقيط مؤقتا، ما سيساهم بدوره في تخفيف الضغط عن استعمال مياه الآبار في عمليات إنتاج المحاصيل. ولفت رحاوي إلى أن تحسين إنتاج الخضروات والمزروعات الربيعية قد ينعكس إيجابا على أسعارها في الأسواق المحلية.

مصطفى بنرامل: هناك تقنية حصاد الأمطار بالقنوات لتوجيهها إلى السدود
مصطفى بنرامل: هناك تقنية حصاد الأمطار بالقنوات لتوجيهها إلى السدود

وأشار إلى أن “هذه التساقطات المطرية المهمة تسهم في انتعاش المراعي، بفضل استعادة الغطاء النباتي لحيويته، وبالتالي يوفر الكلأ ويخفف العبء عن المزارعين من خلال تقليص حجم كلفة الأعلاف.”

واعتمد المغرب منذ عقود على السدود ضمن إستراتيجيته المائية لضمان تزويد السكان والزراعة بالمياه. ويوجد في البلاد 149 سدا كبيرا، تساعد على تخزين الماء وري مساحات واسعة من الحقول، فضلا عن توفير مياه الشرب والكهرباء.

وقال الخبير في البيئة والمناخ مصطفى بنرامل، في حديث للأناضول، إن “هذه الأمطار تأتي في سياق التقلبات المناخية التي تعرفها البلاد والعديد من الدول الأخرى.”

واعتبر أن هذه التقلبات تتخذ أشكالا عديدة، مثل الأمطار العاصفة، والجفاف الذي ضرب البلاد سبع سنوات على التوالي مع بعض الأمطار خلال فترات قصيرة المدة. وذكر أن “الأمطار جاءت في أواخر فصل الشتاء، في حين أن النصف الأول من هذا الفصل كان حارا تخللته أمطار ضعيفة بين الفينة والأخرى.”

وأوضح بنرامل أن “لهذه الأمطار تأثيرا إيجابيا على الموارد المائية” في البلاد. وتابع “نسبة ملء السدود انتقلت إلى 30 في المئة بعدما سجلت أدنى مستوى لها سابقا وهو 23 في المئة.”

وتوقع ارتفاع الموارد المائية مع استمرار التساقطات المطرية، وهو ما يجعل تأثيرها إيجابيا على العديد من الأودية والأنهار والعيون وعلى التنوع البيولوجي مثل اخضرار الهضاب والجبال.

ودعا الخبير في البيئة والمناخ إلى اعتماد تقنيات جديدة من أجل تجميع المياه، مثل حصاد الأمطار. وقال إن “هناك تقنية حصاد الأمطار، عبر تشييد قنوات خاصة لتجميع مياه الأمطار، وتوجيهها إلى سدود عبر قنوات في مناطق معينة.” وأشار إلى أنه يمكن استعمال هذه المياه، التي سيتم تجميعها، في توليد الطاقة الكهربائية أو تخزينها أو استغلالها في بعض المزروعات.

وبخصوص المدن لفت إلى إمكانية تجميع هذه المياه في قنوات معينة، وهي تشبه التقنية المستعملة في الرباط وتطوان عبر معالجة المياه العادمة، واستعمالها في سقي المساحات الخضراء، فيما يطالب البعض بالعمل على تشييد سدود جديدة لتجميع مياه الأمطار.

10