جهود دبلوماسية إماراتية للتهدئة بين الولايات المتحدة وإيران

تستحق العلاقات الخليجية – الإيرانية أن تكون علاقات إقليمية نموذجية. فالطرفان الخليجي والإيراني متجاوران منذ الأزل، والجغرافيا ستبقى دائمًا قدرهما، ومن المستحيل تغيير هذا القدر. كما أن الخليج العربي، الذي يُعدّ من أهم المناطق والممرات البحرية في العالم، يتشاطأ عليه الطرفان. هذا بالإضافة إلى التبادل الإنساني المتعلق بالمشتركات الديموغرافية والمصالح بينهما.
هناك تحركات دبلوماسية خليجية لافتة، كان من أبرزها الزيارة الأخيرة التي قام بها المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الدكتور أنور قرقاش إلى طهران يوم الأربعاء الماضي. وقد أثارت هذه التحركات الدبلوماسية الخليجية الكثير من التعليقات والتساؤلات لدى المتابعين والمهتمين بهذه العلاقات.
يمكن تلخيص أبرز تلك التعليقات في أن الدكتور أنور قرقاش يحمل رسالة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى القيادة السياسية في إيران، تحمل لغة سياسية جادة تختلف عما كان عليه الأمر في السنوات الماضية في التعامل مع النوايا الإيرانية بشأن امتلاك السلاح النووي. بالإضافة إلى ذلك، تتناول الرسالة دور إيران في زعزعة الاستقرار في المنطقة من خلال دعمها لميليشيات وجماعات مارقة وإرهابية. كما أثارت الرسالة استغرابا من استمرار تعامل إيران مع الولايات المتحدة عبر الشقيقة سلطنة عمان.
قبل تقديم قراءة وتحليل للتحركات الخليجية الرامية إلى تهدئة الموقف بين الولايات المتحدة وإيران، فإن طهران تدرك أنها لا تملك رفاهية التعامل مع ترامب سوى التفاوض مع واشنطن والصبر حتى مغادرة ترامب البيت الأبيض بعد أربع سنوات. خاصة أن العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها تضغط بشدة على النظام وتجعله في موقف صعب أمام شعبه، لاسيما بعد أن خسرت طهران العديد من الأذرع السياسية التابعة لها في المنطقة. أدى ذلك إلى شبه انهيار وانتهاء ما يُعرف بمحور المقاومة الذي تتزعمه إيران، والذي كان إحدى أدواتها لتحقيق أهدافها السياسية.
◄ الدكتور أنور قرقاش يحمل رسالة من ترامب إلى القيادة السياسية في إيران، تحمل لغة سياسية جادة تختلف عما كان عليه الأمر في السنوات الماضية في التعامل مع النوايا الإيرانية بشأن امتلاك السلاح النووي
يمكن وصف التحركات الخليجية، خصوصا التحرك الإماراتي، بأنها تسعى دائما لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي. من الأمثلة الدالة على هذه النوايا الخليجية ما تقوم به المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات من جهود لإنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية. يتم ذلك عبر التواصل والتنسيق مع أطراف الحرب، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، والعمل على تقريب وجهات النظر والدعوة إلى التفاوض المباشر، مع استعدادها لاستضافة المفاوضات على أراضيها. ومن المنطقي أن تكون الوساطة الخليجية مع إيران ذات أبعاد إستراتيجية خليجية، متمثلة في أن توجيه ضربة أميركية للبرنامج النووي الإيراني سيضر بالدول الخليجية أيضا، وفقا لتصريحات رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن.
مصلحة منطقة الشرق الأوسط، وليس فقط دول الخليج، تستحق التحرك. إذ تبدو هذه المنطقة الأكثر نموا عالميا والبيئة الأكثر جذبا للإنسان من مختلف مناطق العالم، هربا من الصراعات والأزمات الاقتصادية. لذا، ليس من الغريب أن نرى هذا التحرك الخليجي بأكمله من أجل أخذ تهديدات الرئيس دونالد ترامب على محمل الجد، حفاظا على استقرار العالم.
في الواقع، أيا كانت تحركات الدول الخليجية ومن يقوم بها، فهي في النهاية تصب في مصلحة الجميع. تؤكد هذه التحركات على مساعي دول الخليج العربي، التي تقدم نموذجا عربيا وعالميا متميزا وفريدا في التنسيق والتعاون والتكامل لتحقيق المصلحة العليا، وضمان الاستقرار الذي يدعم رفاه مواطنيها والمقيمين على أراضيها.
حقيقة أن دول الخليج العربي تلعب دورا واضحا ومؤثرا في العديد من الملفات الدولية التي استدعت تدخلات للوساطة بين المتصارعين أو المتنازعين. وقد نجحت دول الخليج، سواء مجتمعة أو منفردة، في إنهاء العديد من تلك الملفات في مناطق مختلفة من العالم. لذا، من الحكمة لدى القوى الكبرى، وخصوصا الغربية، أن تمتلك الوعي الكافي بأهمية إشراك الدول الخليجية واستشارتها في القضايا المتعلقة بإيران.
استطاعت دولة الإمارات وشقيقاتها من دول الخليج كسب ثقة الدول والمنظمات الدولية بما تمتلكه من مصداقية دولية ودبلوماسية متزنة وحكمة قيادية. هذا ما أهّلها للقيام بأدوار إقليمية ودولية تخدم الاستقرار العالمي. على الدول الغربية الاستفادة من الحكمة الخليجية في التعامل مع إيران، وعلى إيران استغلال الوضع الحالي لتغيير سياساتها. ينبغي أن تركز إيران على ما يخدم دول وشعوب المنطقة، ويحقق لها الاستقرار والتنمية.