معايير صارمة لإدارة المخاطر تغير ديناميكية سوق الصكوك

المنامة – رجح خبراء القطاع المالي أن يحدث تعديل مرتقب يستهدف اعتماد معايير صارمة لإدارة المخاطر عند إصدار الصكوك تغيرا في ديناميكية هذه السوق التي تعتمد عليها العديد من الدول كجزء من تنويع أدوات الدين.
وتتجه هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي)، ومقرها المنامة، إلى إقرار هذا التعديل تحت اسم “معيار 62”.
ويغطي المعيار العديد من الجوانب الأساسية للصكوك، بما في ذلك قاعدتها الأساسية والأصول والمخاطر والأوراق المالية المرتبطة بها، فضلا عن الأنواع المختلفة وعمليات الإصدار.
وقال بشار الناطور، مدير التمويل الإسلامي لدى وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، لبلومبيرغ الشرق إن الخطوة “تؤكد على حوكمة الشريعة الإسلامية، بغض النظر عما إذا كانت المؤسسات المالية الإسلامية هي المنشئ أو المُصدر أو المستثمر أو المنظم للصكوك.”
ولا يُعتبر المعيار 62 جديدا، إذ نشرت الهيئة في ديسمبر 2023 مسودة أولية منه، وطلبت من الأسواق إبداء الرأي فيه. كما عقدت الشهر الماضي جلسة علنية لإبداء الآراء ببنود هذا المعيار الجديد، قبل نشره.
ويتيح هيكل معظم الصكوك الفترة الحالية للمُقرضين حق الوصول إلى تدفقات الإيرادات الناتجة عن أصل ضامن، من دون اشتراط الملكية المباشرة للأصل، ويجري إصدار هذه الصكوك وتداولها مثل السندات.
وتقترح التعديلات أن يتم نقل الأصول الأساسية المرتبطة بالصكوك بشكل فعال إلى حامليها، ما يعني “تحول السوق من الاعتماد على الأصل، إلى هيكل مدعوم بالأصول حيث يتحمل المستثمرون المزيد من المخاطر”، وفق محمد دمق محلل الائتمان الأول في أس آند بي غلوبال.
وبعبارة أخرى، إذا أرادت جهة حكومية إصدار صكوك لتمويل مشروع طريق سريع برسوم مرور، يحصل المستثمرون حاليا على حق الاستفادة من الإيرادات الناتجة عن رسوم المرور من دون امتلاك الطريق نفسه.
لكن وفق الهيكلية الجديدة، سيتم نقل ملكية الطريق السريع إلى حملة الصكوك، مما قد يتطلب تكاليف إضافية لنقل الملكية، ويعرض المستثمرين لجميع المخاطر المرتبطة بالأصل، مثل انخفاض قيمته، أو الأضرار التي قد تؤثر على العائد المتوقع، أو تعقيدات قانونية في حال تخلف مُصدر الصك عن السداد.
ويتفق الناطور ودمق على أن تحديد تأثير واضح على الأسواق غير ممكن في الفترة الحالية، خاصة أن النسخة النهائية من المعيار لم تُقر بعد، كما ستمنح الهيئة الأسواق فترة للتأقلم والالتزام بالمعيار الجديد.
وإذا كان تنفيذ هذا المعيار يعني إصدار صكوك مضمونة بأمان إضافي للمستثمرين فقد يتم، وفق الناطور، “تصنيف هذه الصكوك أعلى من تصنيفات الديون غير المضمونة للمُصدر.”
لكنه حذر من أن معظم الولايات القضائية للتمويل الإسلامي تفتقر إلى سوابق قانونية حول كيفية تعامل محاكم الإفلاس مع حاملي الصكوك في حالات التخلف عن السداد.
وقال قد يؤدي إصدار الصكوك كديون مضمونة إلى “زيادة الغموض حول حق الاستخدام والتنفيذ وترتيب الديون ونسبة الاسترداد”، كما قد يؤدي إلى عجز وكالات التصنيف عن تصنيفها، “في حال تحولت إلى ما يشبه حق الملكية بدلا من أدوات الدين.”
ولفت إلى أن التقييم الكامل لآثار هذه التعديلات يتطلب صدور النص النهائي، لكن إدخال هياكل مدعومة بالأصول أو شبه الأسهم، “قد يعرّض المستثمرين والجهات المُصدرة لها لمخاطر ائتمانية وسوقية وقانونية وتشغيلية وسيولة إضافية، مقارنة بالسندات التقليدية.”
وتلتزم 20 جهة سيادية ومُصدرة أخرى، من بينها الإمارات وقطر وسلطنة عمان والبحرين والعراق والأردن، بالتوجيهات الشرعية الصادرة عن أيوفي.
وهذا يعني أن إقرار المعيار 62 سيؤثر على إصدارات الصكوك في هذه الدول، كما سيؤثر على المُصدرين الذين يريدون استهداف مستثمرين في الصكوك من هذه الدول.
وأشار دمق إلى أن هذا التحول قد يضعف سوق إصدار السندات عبر عدة طرق. وأبرز أثر مباشر يتمثل في زيادة الكلفة، إذ ستنتج عن عملية نقل الأصل تكاليف إضافية يجب تحملها، ما يضعف الجدوى الاقتصادية للصكوك مقارنةً بأدوات التمويل الأخرى.
كما أن نقل الأصل قد يعرض المستثمرين لمخاطر مرتبطة به، خصوصا من جهة القيمة الأساسية. ويرى دمق أن تحمل المستثمرين لهذه المخاطر قد يدفعهم إلى طلب تعويض أكبر، ما يزيد من الكلفة.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن اعتماد هذا المعيار قد يجعل عملية إصدار الصكوك أكثر صعوبة، وتحديدا في بعض الدول التي لا تسمح بملكية الأجانب للأصول، أو تلك التي لا ترغب في نقل ملكية أصولها، لاسيما في ظل وجود أدوات دين أخرى يمكن اللجوء إليها.
واعتبرت وكالة موديز في تقرير حديث أن اعتماد المعيار بصيغته الحالية، واعتماده من قبل الجهات التنظيمية، “سيزيد من التعقيد القانوني لهيكل الصكوك ويرفع تكاليف المعاملات”، ما قد “يبطئ إصدار الصكوك”.
وأشارت إلى أنه قد “يضعف المرونة المالية للمُصدرين، ففي حالة التعثر، لن تتمكن الجهة المُصدرة من بيع الأصول الأساسية للصكوك لجمع النقد. وهذا يُقلل من الاحتياطي المتاح للمُصدر لامتصاص الصدمات غير المتوقعة”.
وتتوقع الوكالة أن “تتباطأ الإصدارات الجديدة مع تعرُّف السوق على الهيكل الجديد وتقييمها للمخاطر المحتملة”، لافتةً إلى أن إصدار الصكوك عبر الحدود قد يتأثر بشكل أكبر من الإصدارات المحلية.
وخلال جلسة علنية عُقدت في فبراير الماضي لإبداء الرأي، ذكرت أيوفي أنها قد توافق على المعيار خلال السنة الجارية، ما يمكن أن يمنح المُصدرين ما بين سنة و3 سنوات لتطبيق المتطلبات الجديدة.
وأشارت إلى أنه من غير المرجح أن تطبق المعيار بأثر رجعي. ولفت الناطور إلى أن فيتش لا تعتقد أن “تبني المعيار 62 سيؤثر تلقائيا على التصنيفات الائتمانية للصكوك الحالية، حيث إن أي تعديلات تتطلب عادةً موافقة حاملي الصكوك.”
ورأى دمق أن هذه ليست المرة الأولى التي تُثار فيها ضجة حول الصكوك، لافتا إلى التصريح الشهير لرئيس جهاز المحاسبة والتدقيق للمؤسسات الإسلامية في البحرين محمد تقي عثماني عام 2008.
وخرج عثماني على الأسواق بتصريح يفيد بأن نحو 85 في المئة من الصكوك لا تتفق مع الشريعة الإسلامية نظراً لأن إصدارها كان يتم مع تقديم ضمانات. وأدّت هذه التصريحات إلى توقف السوق لعدة أشهر، وفق دمق الذي يتابع سوق الصكوك منذ أكثر من عقدين.
ويضيف دمق أن هناك دفعا من جانب الهيئة للتأكد من أن المستثمرين يتحملون المزيد من المخاطر، في حين أن السوق تحاول الاعتراض للتأكد من عدم انحراف الصكوك كثيرا عن أدوات الدخل الثابت، ما يبعد المستثمرين في هذه الفئة.
ورغم ذلك، تتوقع أس آند بي غلوبال سنة جيدة لإصدار الصكوك خلال 2025. وفي العام الماضي، بلغ حجم هذه السوق 193.4 مليار دولار، مقارنة بنحو 197.8 مليار دولار في العام السابق.
وتتوقع الوكالة أن حجم الإصدارات هذا العام قد يتراوح بين 190 و200 مليار دولار، نحو 80 مليارا منها بمثابة صكوك مقوّمة بعملات أجنبية.