التجارة العالمية في عام 2024 تتوسع على عكس التوقعات

جنيف - أكدت منظمة التجارة والتنمية (أونكتاد) التابعة للأمم المتحدة في أحدث تقييم لها حول التجارة العالمية أنها بدأت خلال العام 2025 على أرضية مستقرة، غير أن التحديات تتزايد بفعل النزعة الحمائية التي أطلق شرارتها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ولكن اللافت في تقييمات أونكتاد أن العام 2024 شهد توسعا قياسيا في التجارة العالمية بلغ 33 تريليون دولار بزيادة قدرها 3.7 في المئة عن عام 2023 مدفوعا بالاقتصادات النامية وتجارة الخدمات القوية.
وخلال الأعوام القليلة الأخيرة، واجه الاقتصاد العالمي مفترقات طرق صعبة تراوحت من التوترات التجارية إلى الحروب ومشاكل الديون التي قد تهدد مرونته الملحوظة في السنوات الماضية والتي بدأت تظهر في أعقاب وباء كوفيد.
وذكرت المنظمة في تقرير أصدرته السبت اشتمل على أحدث تطورات التجارة العالمية حتى أوائل مارس الجاري أنه وبالنظر إلى المستقبل فإن ثمة مخاطر جديدة تلوح في الأفق بما في ذلك اختلالات التجارة والسياسات المتطورة والتوترات الجيوسياسية.
وأشار التقرير الذي جاء بعنوان "المرونة تحت الضغط" إلى أن المشهد العالمي متغير وأنه مع تزايد حالة عدم اليقين التجاري سيكون التعاون العالمي والسياسات المتوازنة عاملين أساسيين لمنع التشرذم الاقتصادي وحماية النمو طويل الأجل.
33
تريليون دولار حجم المبادلات بزيادة قدرها 3.7 في المئة بمقارنة سنوية، وفق أونكتاد
وحذرت المنظمة من أن الحمائية وتغير إستراتيجيات التجارة قد تحدث اضطرابا في التجارة العالمية. وقالت إن تجارة “الخدمات لا تزال قوية لكن تجارة السلع تواجه حالة من عدم اليقين” وحثت على “انتهاج سياسات متوازنة وتعاون متعدد الأطراف.”
والفجوة تتسع بين الاقتصادات النامية والمتقدمة، ففيما لا تزال آسيا وأميركا اللاتينية محركين رئيسيين للتجارة، لكن النمو تباطأ في العديد من الاقتصادات المتقدمة.
وتبدو التجارة بين بلدان الجنوب صامدة إلا أن التجارة البينية في أفريقيا آخذة في الانكماش، وفق خبراء أونكتاد، مما يعكس المكاسب المحققة. وقالت المنظمة إن “في الوقت نفسه تراجعت التجارة بين أوروبا وآسيا الوسطى مما يعكس تحولا في الطلب.”
وفي حين توسع الدول (الولايات المتحدة وكندا والصين والاتحاد الأوروبي والمكسيك) التعريفات الجمركية على السلع التي يتم توريدها، والدعم والسياسات الصناعية، فإن ذلك سيعيد تشكيل التدفقات التجارية خلال المرحلة القادمة.
وبحسب المنظمة، تربط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما بشكل متزايد التدابير التجارية المتبعة بأهداف الأمن الاقتصادي والمناخ، بينما تستخدم الصين سياسات التحفيز للحفاظ على زخم الصادرات.
وأكدت المنظمة في ختام تقريرها أن التحدي في عام 2025 يتمثل في منع التجزئة العالمية، حيث تشكل الدول تكتلات تجارية معزولة، مع إدارة تحولات السياسات دون تقويض النمو طويل الأجل.
وكانت أونكتاد قد ذكرت في ديسمبر الماضي أن التجارة العالمية بعد تعثرها في 2023 عقب اندلاع الحرب في غزة بدأت تنتعش ومن المقرر أن يصل نمو الأحجام إلى 3.6 في المئة خلال 2025 رغم العدد المتزايد من التدابير لتقييد تدفق الواردات.
وقبل أسابيع فقط من تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، أشاد نادي الاقتصادات الغنية ومقره باريس بتجربة العالم الأخيرة في النمو المستقر وتراجع التضخم، في حين حذر من أن هناك مخاطر ملحوظة تتربص في الأفق.
◙ ثمة مخاطر جديدة تلوح في الأفق بما في ذلك اختلالات التجارة والسياسات المتطورة والتوترات الجيوسياسية
وكررت رئيسة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونغو – إيويالا في وقت سابق هذا الشهر دعوتها إلى التحلي بالهدوء في مواجهة الحروب التجارية التي تشنها الولايات المتحدة، معتبرة أنه لا يمكن الحديث عن “فوضى”.
وأكدت بعد عودتها من واشنطن، حيث التقت وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك والممثل التجاري للبيت الأبيض جيميسون غرير، أن “الولايات المتحدة، وفقا للإشارات التي تلقيتها، ما زالت جزءا من منظمة التجارة العالمية.” وأضافت خلال مؤتمر عُقد في مقر المنظمة في جنيف وحضرته المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل "يريدون البقاء ملتزمين."
وأكدت أن هذه الرغبة الأميركية "يجب أن تمنحنا مجالا للمناورة وتجعلنا نعتقد أن الولايات المتحدة تعتبر أن هناك مصلحة معينة من التمكن من النقاش مع أعضاء آخرين في منظمة التجارة العالمية."
وتشدد منظمة التجارة العالمية على أن الحكومات تواجه تحدي اعتماد نظام مفتوح لعمليات التصدير والاستيراد، بما يوفر السلع للمستهلكين، وخاصة الملايين من البشر الذين يعانون من الفقر.
وأكدت أوكونغو – إيويالا في مقابلة مع وكالة بلومبيرغ خلال زيارة إلى روما في ديسمبر الماضي، أنها تتوقع أن يزيد الفقر العالمي إذا لم يعمل العالم على الحفاظ على نظام تجاري مستقر ومفتوح.
وتتعاظم محنة الملايين من الفقراء الذين يواجهون خيارات أكثر صعوبة جراء تدهور أوضاعهم المعيشية بفعل تراكم الأزمات الاقتصادية العالمية، والتي عمقت التفاوت الاجتماعي بين سكان البلدان، وخاصة محدودة الدخل.
وسيعيش 575 مليون شخص، أي 7 في المئة من سكان العالم، في فقر مدقع بحلول العام 2030 في حال لم يتم تحقيق الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة. كما أن ثلث البلدان فقط سيتمكن من خفض مستوياته إلى النصف بحلول هذا الموعد.