الكاردينال ساكو يدعو لحرية اختيار الدين في العراق بعد سن البلوغ

بغداد – تعكس دعوة زعيم الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم الكاردينال لويس روفائيل ساكو المرجعيات الدينية والحكومة العراقية إلى منح الشخص الحرية بعد سن البلوغ في اختيار دينه، تأكيدا على حق أساسي من حقوق الإنسان.
وتتناغم هذه الدعوة مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تنص على حرية الفكر والضمير والدين.
وتؤكد الاتفاقية الأميركية لحقوق الإنسان (1969) في المادة 12 منها المُعَنونة بـ"حرية الضمير والدين" أن "لكل إنسان الحق في حرية الضمير والدين. وهذا الحق يشمل حرية المرء في المحافظة على دينه أو معتقداته أو تغييرهما، وكذلك حرية المرء في المجاهرة بدينه أو معتقداته ونشرهما سواء بمفرده أو مع الآخرين سرًّا وعلانية".
لكن إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية منذ ظهوره بالعراق في أبريل عام 2013 لم يستثن الطائفة المسيحية حيث فرض الجهاديون على المسيحيين عند سيطرتهم على المنطقة، إما اعتناق الإسلام وإما دفع الجزية أو النفي أو الموت.
وكشف الكاردينال ساكو عن ممارسات تنظيمي القاعدة وداعش في إكراه المسيحيين على اعتناق الإسلام، وهو ما يمثل إدانة صريحة لانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت باسم الدين.
وقال الكاردينال ساكو في بيان أوردته وسائل إعلام عراقية "أكتبُ هذه الأسطر لإنصاف عدد محدود من المسيحيين، الذين تم إكراههم من قِبل عناصر القاعدة أو داعش، تحت التهديد بالقتل لإشهار إسلامهم".
وأضاف أن هؤلاء المسيحيين "أشهروا إسلامهم مُجبَرين، وهم لا يفقهون شيئا في الديانة الإسلامية، أي لم يُرَبَّوا تربية دينية إسلامية، فبالتالي إسلامهم شكليٌّ، وفي هذا الشأن أيضاً اُشير إلى أسلمة القاصرين لدى اعتناق أحد الوالدين الإسلام، بهدف زواج ثانٍ، لأن المسيحية تحرّم الطلاق والزواج الثاني وتعدد الزوجات".
ويسلط هذا الكشف الضوء على معاناة الأقليات الدينية في مناطق الصراع، وضرورة حمايتهم من الاضطهاد.
وشدد على "الديانة، إيمانٌ بالله تعالى وسلوكٌ مطابقٌ له في تفاصيل الحياة اليومية. إيمانٌ حرٌّ نابع عن الوعي والقناعة، وليس إنتماءً شكلياً لا قيمة له، وهؤلاء المواطنون المسيحيون يعيشون حالة مأسوية، لأن دائرة النفوس، ترفض إعادة هويتهم المسيحية، فلا يتمكنون من عقد زواج مسيحي".
وناشد الكاردينال ساكو "المرجعيّات المسلمة والحكومة العراقية، بدراسة هذا الموضوع وإيجاد حلّ سليم له"، مردفا بالقول "نحن ككنيسة نحترم خَيار أي شخص بتغيير دينه عن دراية وحرية، أما بخصوص أسلمة القاصرين فلماذا لا يبقون على دينهم الى حين بلوغهم السن الـ18 ليختاروا الدين الذي يرغبون فيه".
وتأتي هذه الدعوة في وقت تشتد فيه الصراعات الطائفية والدينية في المنطقة، مما يجعلها أكثر أهمية.
وتتناول دعوة الكاردينال ساكو مفهوم الدين، وتؤكد على أن الإيمان قناعة شخصية واختيار واع، وليس إكراها تحت التهديد.
وقال الكاردينال ساكو إن "المسلم أو المسيحي هو المؤمن المُنتمي الى هذه الديانة أو تلك، ويلتزم بها في سلوكه اليومي كما هو مطلوب، وليس من هو مسجَّل في سِجل النفوس"، مبينا أن "هناك مسيحياً بالاسم غير مؤمن، وكذلك مسلم بالاسم، لا يَعرف شيئاً عن دينه، فيحمل هوية المسيحي أو المسلم، ويعيش حالة من العوَق الإيماني".
وأكد زعيم الكنيسة الكلدانية أن" في المسيحية، الإيمان حرية شخصيّة، والكنيسة لا تتخذ بحقّ من يغيّر دينه أي قرار، لأن الدين يُعرَض ولا يُفرض. وفي عودةٍ إلى الأصل نجد أن أساس حكم الرَدة يتقاطع مع القرآن الذي يعلن الّلا إكراه في الدين واحترام الآخرين".
وتساءل زعيم الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم "أين نحن اليوم من هذا المبدأ القرآني المنفتح والعادل؟، فمن الواضح أن حكم الردّة يتناقض صراحةً مع هذه الآيات المتسامحة، أساس حكم الردة، بدأ، تحت ظروف الحرب، في فجر الإسلام عندما إرتدَّ بعض المسلمين الذين لحقوا رسول الإسلام الى المدينة، وتراجعوا عن تأييده، وراحوا يخونونه، ويتحالفون مع خصومه المَكيّين واليهود، فنَعَتهم القرآن بالمنافقين (النساء 88)، لكنه لم يُهدر دمهم.
وأوضح أن "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" ليس من منسوخ القرآن، كما أن كذا إكراهٌ يتناقض مع شُرعة حقوق الإنسان "حرية الضمير" ومع الدستور العراقي 2005 المادة الثانية: "أولاً، لا يجوز سَنّ قانون يتعارض مع حقوق الإنسان والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور".
كما أشار الكاردينال ساكو أن الى الدستور يضمن كامل الحقوق لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، اليوم نحن في القرن الحادي والعشرين، وقد تغيّر المجتمع وتغيّرت الثقافة، ونعيش في عالم مختلف، ينبغي مواجهة هذا الإرث التقليدي بعقلية منفتحة ومستنيرة، ومعالجة هذه الحالات بروح التسامح وليس الكراهية، كما فعلتْ دول إسلامية عديدة، اذكرُ منها على سبيل المثال لا الحصر الجمهورية التركية".
وتساءل ساكو أيضا "لماذا يا تُرى، يُسمَح للمسلم ان يكون مُلحدا، ولا يُسمح لمسيحي اُكرِهَ على الاسلام بالعودة الى دينه؟"، منبها الى أن "عدد المسلمين في العالم يقارب المليارين، فعودة بعض المسيحيين الى معتقدهم لا يؤثر عليهم".
ويرى مراقبون أن دعوة رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم إلى الحوار والتسامح بين الأديان تعكس رغبته في بناء مجتمع متماسك ومتعايش، خصوصا وأنه يدرك أهمية دور المرجعيات الدينية في هذا الشأن، لذلك فقد حثها على تحمل مسؤوليتها في مواجهة التطرف الديني.
وكان رئيس الكنيسة الكلدانية، قد كشف في الثامن من شهر مارس الجاري، عن وجود مجموعة من المسلمين الشيعة، في مدينة الناصرية جنوبي العراق، تطلق على نفسها صفة "كلدان"، مؤكدا على أن الديانة لا تلغي الهوية.