ضوء كويتي أخضر لطرح أول ديون في الأسواق الدولية منذ 2017

يظهر فسح الطريق أمام طرح سندات في الأسواق الدولية بعد سنوات من الغياب رغبة الكويتيين في تنويع مصادر تمويل الموازنة العامة الجديدة التي تبدأ في أبريل، بما يغطي التزامات الحكومة ويخدم تطلعها إلى تنفيذ إصلاحاتها، وهو أمر قد يعزز الموقف المالي للبلد على المستوى الدولي.
الكويت - أعطت الكويت الضوء الأخضر لدخول أسواق الديون الدولية بعدما وافق مجلس الوزراء على مشروع مرسوم يُمهد الطريق أمام الدولة الخليجية، العضو في منظمة أوبك، لبيع سندات للمرة الأولى منذ ثماني سنوات.
ووفقا لبيان صدر بعد اجتماع الخميس الماضي، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون “التمويل والسيولة”، في إشارة إلى قانون الدين العام. ولم يقدّم أي تفصيل.
وأُحيل المرسوم الذي طال انتظاره، والذي عرضته وزيرة المالية نورة الفصام أمام اجتماع المجلس، إلى أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح، الذي يتعيّن عليه الموافقة على جميع القوانين.
وكان مشروع القانون الأصلي ينص على إمكانية جمع ما يصل إلى 20 مليار دينار (65 مليار دولار) على مدى 50 عاما، وفقًا لما ذكرته مصادر مطلعة لبلومبيرغ في يناير.
وأفادت المصادر آنذاك بأنه من الممكن رفع سقف الدين في المسودة النهائية، حيث كانت المقترحات السابقة قد اقترحت حدا أقصى قدره 30 مليار دينار (97.32 مليار دولار) .
وعلق بدر السيف، الأستاذ المساعد في جامعة الكويت والزميل المشارك في تشاتام هاوس، على الخطوة بالقول “أن يأتي (القرار) متأخرًا أفضل من ألا يأتي أبدًا.”
وأضاف في تصريح لوكالة بلومبيرغ أن “إمكانات الكويت حقيقية وهائلة. ولكن في غياب إجراءات جريئة وعاجلة، ستتبدد إمكانات البلاد قريبًا.”
وكان آخر إصدار للكويت في مارس 2017 بقيمة ثمانية مليارات دولار، قبل أيام فقط على انتهاء قانون الديون السابق. وهذا هو سند اليورو الوحيد المستحق للبلد ويتداول بعائد يبلغ حوالي 4.9 في المئة، وهو أحد أدنى المستويات بين دول الأسواق الناشئة.
وتُتداول السندات الأطول أجلا التي تُستحق في 2027، بعائد يبلغ نحو 4.75 في المئة، وهو معدل يتماشى تقريبا مع نظرائها في الحكومات الغنية بالنفط مثل أبوظبي وقطر والسعودية، وأقل بنحو 200 نقطة أساس من متوسط عوائد ديون الأسواق الناشئة السيادية.
وجعل الافتقار إلى مشروع قانون للدين العام، والذي تأخر لسنوات بسبب المشاحنات السياسية في البرلمان، من المستحيل على الحكومات المتعاقبة الاقتراض، ما أجبرها على الاعتماد على صندوق الاحتياطي العام، أو الخزانة.
وتستخدم الكويت صندوق الاحتياطي العام الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار، لتغطية عجز الموازنة أثناء الأزمات، مثل ما حصل خلال العقد الماضي، عندما هوت أسعار الخام إلى مستويات مقلقة.
وستلجأ الحكومة إلى الأسواق الدولية بشكل أساسي لتمويل مشاريع التنمية الرئيسية، وللمساعدة في سد العجز المالي عند الحاجة.
وتوقع فادي جندي، مدير محفظة الدخل الثابت في أرقام كابيتال، ومقرها دبي، أن يكون هناك طلب قوي مع عودة الكويت إلى سوق السندات الدولية بعد غياب ثماني سنوات.
ولدى الحكومة ديون خارجية منخفضة، وتحظى بتصنيف ائتماني أي 1 من وكالة ستاندرد آند بورز، وهو تصنيف يماثل نظيره في كل من الصين واليابان.
وتُعدّ الكويت واحدة من أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، وموطنا لصندوق ثروة سيادي يدير أصولا بقيمة 1.03 تريليون دولار، حسب بيانات نشرها معهد صناديق الثروة السيادية مطلع فبراير الماضي، ارتفاعا من 980 مليار دولار.
وعلق الشيخ مشعل أعمال البرلمان لمدة أربع سنوات في مايو، ما مهد الطريق فعليًا للحكومة لإقرار مشاريع قوانين رئيسية. وكان البرلمان المنتخب الوحيد في مجلس التعاون الخليجي، ما أفرز تعددية طرحت تحدياتها الخاصة.
ومنذ تعليق البرلمان أحيت الحكومة الكويتية خطاب الإصلاح والتنمية، ووعدت بتسريع المشاريع وتعزيز النمو وجذب الاستثمارات الأجنبية مع الحديث عن خطط طموحة لتنويع الاقتصاد.
وابتلي البلد النفطي بالخلل السياسي الذي عرقل التنمية لسنوات، ما أدى إلى ردع الاستثمار الأجنبي، وإحباط الإصلاح المالي، وإعاقة جهود تنويع الاقتصاد المعتمد على النفط.
والكويت، التي تعتبر الأبطأ إصلاحيا بين اقتصادات دول الخليج العربي، تأخرت عن جيرانها في خفض الدعم، والذي يمثل مع رواتب القطاع العام أكثر من 80 في المئة من الإنفاق، وفرض الضرائب.
ومنذ سنوات سعى البلد، الذي يعتمد على إيرادات النفط في تمويل 90 في المئة من الموازنة العامة التي تبدأ في شهر أبريل من كل عام، لتنويع اقتصاده وتقليل اعتماده على الوقود الأحفوري كمصدر شبه وحيد للتمويل.
وفي تغير لافت أعلنت وزارة المالية في ديسمبر الماضي أنه سيتم فرض ضريبة جديدة على الشركات متعددة الجنسيات اعتبارا من مطلع 2025، ما يلزمها بدفع معدل أدنى يبلغ 15 في المئة على الأرباح.
وبمجرد إقراره من قبل الشيخ مشعل، سيسمح القانون الجديد للكويت بإصدار كل من السندات التقليدية والصكوك الإسلامية، وفقا للمصادر التي أكدت أيضا أن الحكومة لن تلجأ إلى أسواق السندات إلا للضرورة.
وقال السيف إن البلاد “لا تتخذ القرارات الصحيحة بسرعة فحسب، بل إنها تُبلغ هذه القرارات بأكثر الطرق بلاغة إذا كان الهدف هو إثبات أن الكويت قد عادت.”
وبسبب السقف المحدد تبلغ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الكويت حوالي 7 في المئة، بحسب صندوق النقد الدولي، وهي أحد أدنى المستويات في العالم. ويرى الصندوق أن هذا الرقم سيرتفع إلى 25 في المئة بحلول عام 2029.
ولطالما أكد خبراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن تعافي أسعار النفط لن يكفي لسد العجز في موازنات دول الخليج عموما، والتي تعتمد بشكل أساسي على إيرادات الخام، وهو ما يحتم عليها تنويع مصادر الدخل وخفض الإنفاق.
وتواجه الكويت، بعد الإيرادات الضخمة التي شهدتها خلال العامين 2022 و2023 بفعل الحرب الروسية – الأوكرانية، تحديات ستمتد حتى عام 2029 لسد عجز الموازنة العامة، في تأكيد على مدى علل اعتمادها المفرط على النفط الخام.
وحذرت الحكومة مطلع 2024 في سياق برنامج عملها الجديد من أن البلد الغني بالنفط يواجه “تحديا استثنائيا خطيرا،” في ظل تذبذب أسعار الخام واعتماد المالية العامة عليه كمصدر وحيد للدخل.
ووفق وثيقة البرنامج “يهدد (التحدي) قدرتها على الاستمرار في توفير الحياة الكريمة للمواطنين واحتياجاتهم الأساسية، ويهدد أيضا بعدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المحلية والدولية.”