القاهرة تعزز إجراءات احتواء اللاجئين وتعارض تقييد العمالة الأجنبية

القاهرة – جددت القاهرة مضيها قدما في عملية احتواء اللاجئين وتسهيل ظروف إقامتهم، من خلال رفض الحكومة تخصيص نسبة محددة للعمالة الأجنبية في كل قطاع ومهنة وحرفة، وتمسكت بأن تكون النسبة مفتوحة كي يجد اللاجئون المزيدَ من فرص العمل بلا قيود صارمة في التوظيف.
وقال وزير شؤون المجالس النيابية والتواصل السياسي محمود فوزي إن الحكومة لا ترغب في توصيل رسائل سلبية إلى العالم عن أوضاع اللاجئين في مصر، وتتمسك بالتعامل معهم من منظور إنساني واجتماعي بعيدا عن أي قيود تقف عائقا أمام معاملتهم كمواطنين لهم الحقوق ذاتها في العيش الكريم.
وجاء موقف الحكومة أثناء مناقشة مجلس النواب مشروع قانون العمل الجديد، حيث طالب عدد من أعضاء البرلمان بتقييد نسبة عمل الأجانب، خاصة اللاجئين، داخل المؤسسات المختلفة، ووضع حد أقصى لعمل الأجانب في كل منشأة بما لا يزيد عن 10 في المئة، وتؤول النسبة الباقية إلى المصريين.
هناك أصوات مصرية تتهم الحكومة بالإخفاق في إدارة ملف اللاجئين وأنها لم تستفد منهم وتركتهم يزاحمون المواطنين
وأكد رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي إيهاب منصور أن عدم وضع حد أقصى لعمل الأجانب داخل المؤسسات يرفع معدلات البطالة، وهو رأي رد عليه وزير الشؤون البرلمانية بأن مصر تتمسك بوضعها كدولة ترحب بالجميع.
وأبدى القيادي في الحزب المصري الديمقراطي ومعه عدد من النواب مخاوفهم من وجود انعكاسات سلبية مرتبطة بزيادة أعداد اللاجئين على سوق العمل المحلي، وأن الكثير من القادمين من دول تعاني من صراعات يقبلون برواتب زهيدة.
وسجلت مصر نسبة بطالة خلال الربع الأخير من العام الماضي بلغت 6.4 في المئة، وسط مخاوف من أن ترتفع النسبة بعد فترة هبوط بسبب فتح الباب على مصراعيه أمام الاستعانة بالعمالة الأجنبية من اللاجئين بمقابل مادي زهيد، عكس ما يرغب فيه شباب مصر.
وذكر أحمد بدوي، رئيس المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين، أن التوجه الحكومي إلى توفير فرص عيش للاجئين دون انتقاء هو جزء من مظلة الحماية الاجتماعية التي تسعى القاهرة لتوفيرها لهم دون أن تتحمل الدولة فاتورة باهظة من الموازنة، وهذا توجه إنساني مقبول، مستبعدا تأثيره بشكل كبير على فرص عمل المواطنين.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مظلة الحماية الاجتماعية للاجئين رسالة تفيد بأن مصر لن تغير سياستها نحو تقنين أوضاع الملايين منهم، ومنحهم حق اللجوء والعيش الكريم وفرص العمل والكسب ومعاملتهم كمواطنين لهم حقوق متساوية، ما يعكس عدم وجود نوايا لترحيلهم أو إجبار بعضهم على العودة إلى بلدانهم كما يشيع البعض.
وكان مجلس الوزراء المصري قد صادق على قانون حق اللجوء، وشُكلت لجنة مختصة بتلقي طلبات تقنين أوضاع اللاجئين من جنسيات مختلفة، منحتهم حق التوظيف والعمل وفتح الشركات شريطة أن يكونوا حاصلين على الإقامة المشروعة، وعدم استغلال العمل كباب خلفي للبقاء بشكل مخالف.
وتقدّر بيانات مصرية رسمية أعداد اللاجئين بأكثر من تسعة ملايين ما بين لاجئ وطالب لجوء ومهاجر ومقيم، يمثلون قرابة 8.8 في المئة من تعداد السكان الذي يتجاوز 107 ملايين نسمة، لكنّ هناك مصريين يتهمون الحكومة بأنها أخفقت في إدارة ملف اللاجئين ولم تستفد منهم جيدا وتركتهم يزاحمون المواطنين.
وزاد الامتعاض الشعبي من بعض الفئات بتمرير مجلس النواب رؤية الحكومة في ما يخص العمالة الأجنبية في القطاعات المختلفة، وإلغاء البند الذي كان معمولا به ويُلزم الشركات والمصانع والمؤسسات الخاصة بعدم تجاوز العمالة الأجنبية 10 في المئة من قوة العمل لحماية شباب مصر من البطالة.
ويخشى مصريون أن تقود رؤية الحكومة الخاصة بتوظيف اللاجئين إلى غلق سوق العمل عليهم في بعض القطاعات غير الرسمية التي اعتادت الاستعانة بشباب من دول أفريقية لرخص الثمن والتهرب من المزايا التأمينية التي يجب توفيرها للمصريين، وعدم الالتزام بتطبيق الحد الأدنى للأجور البالغ نحو 142 دولارا.
ويبدو أن الحكومة ترغب في استمرار صورتها الإيجابية عند دوائر غربية والتي تُظهرها ناجحة في احتواء اللاجئين والحد من الهجرات غير الشرعية بتوفير فرص عمل لهم بالداخل، وهو ما استفادت منه القاهرة بإبرام اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي ستحصل مصر بموجبها على حزمة تمويل بقيمة 7.4 مليار يورو على مدى أربعة أعوام.
الحكومة ترغب في استمرار صورتها الإيجابية عند دوائر غربية والتي تُظهرها ناجحة في احتواء اللاجئين والحد من الهجرات غير الشرعية بتوفير فرص عمل لهم بالداخل
وتستفيد الحكومة من توظيف اللاجئين، حيث يدر عليها عملهم أموالا، لأن شروط الحصول على ترخيص العمالة الأجنبية تتضمن دفع مبالغ مالية تتراوح بين 5 آلاف جنيه (حوالي 100 دولار) كحد أدنى و150 ألف جنيه (2965 دولارا) كحد أقصى، ولا يحق لأصحاب العمل توظيفهم دون تراخيص.
وجزء من الممانعات البرلمانية للتوجه الحكومي أن العمالة الأفريقية تغزو الكثير من المهن في مصر وتزايدت مؤخرا، حيث تعتمد صناعات وحرف ومهن، مثل الحديد والصلب والأخشاب والبلاستيك والبناء والتعمير، على الشباب القادمين من دول أفريقية مختلفة، وبدأت بعض المحال التجارية والسلاسل الكبرى تعتمد عليهم.
وأصبحت استثمارات الكثير من الورش والصناعات الثقيلة مرتبطة بالعمالة الأفريقية، أمام وجود تحفظ من شريحة كبيرة من شباب مصر على العمل في تلك المهن غير المريحة، بجانب ضعف العائد المادي، كما أن هناك شركات مصرية تستقطب عمالة آسيوية لمهارتها وكجزء من التسويق لما تنتجه الشركات.
وأقر برلمانيون بتلك الأزمة عندما واجهوا وزير الشؤون النيابية (ممثل الحكومة) بحقيقة الواقع، وقالوا إن أصحاب الأعمال المختلفة يفضلون اللاجئين على المصريين، وهو ما رد عليه الوزير محمود فوزي بأن تقييد نسبة العمالة الأجنبية سيضر باللاجئين والاقتصاد.
وتعتقد دوائر سياسية في القاهرة أن تمسك الحكومة باستيعاب اللاجئين ومنحهم مكتسبات اقتصادية واجتماعية يشير إلى أن الدولة تعاملهم كجزء من الجبهة الداخلية وقوة مهنية لا يستهان بها، تتطلب التعامل معهم بالمزيد من الحكمة والاحتواء.
وبقطع النظر عن أهداف السلطة في مصر من ترك المجال مفتوحا أمام اللاجئين للاستفادة من فرص العيش والعمل بحرية، فذلك ليس بعيدا عن رغبة الحكومة في الحصول على المزيد من حزم التمويل الدولية، مقابل تعاملها بإنسانية مع أعباء اللاجئين ولو على حساب مواطنين يعانون من البطالة وسوء العيش.