إسرائيل توظف القوة الناعمة لتكريس وجود دائم في جنوب سوريا

تتبع إسرائيل أكثر من مسار لتثبيت سيطرتها على المنطقة الحدودية مع سوريا، من ذلك تفعيل القوة الناعمة عبر إرسال مساعدات إنسانية للمجتمعات السورية المقيمة في تلك المنطقة، وفتح مجال العمل أمامها في الجولان المحتل.
دمشق - توظف إسرائيل القوة الناعمة بالتوازي مع نشاطها العسكري للتمدد في جنوب سوريا وتكريس وجود دائم لها في بعض أجزائه لاسيما في جبل الشيخ، لكن إستراتيجيتها تقابل بممانعة شعبية، فضلا عن تحركات من الإدارة الانتقالية في سوريا للتوصل إلى تفاهمات مع الدروز، بهدف قطع الطريق على جهود إسرائيل في كسب ود هذه الطائفة.
ولا تخفي إسرائيل قلقها من القادة الجدد لسوريا، بالنظر إلى خلفيتهم الجهادية، حيث كانوا ينتمون في السابق إلى تنظيم القاعدة، وتعمل إسرائيل على السيطرة على أجزاء حدودية داخل سوريا، بغاية تحصين نفسها، بحسب ما يتحدث مسؤولوها، من أي تهديدات مستقبلية قد تطالها.
وتلعب إسرائيل على هواجس الأقليات في سوريا، ولاسيما الدروز الذين يتمركزون في محافظة السويداء والجولان المحتل وأجزاء من ريف دمشق، والذين يخشون من طبيعة النظام القائم حاليا.
وتدرك إسرائيل أن الرهان فقط على القوة العسكرية، لتثبيت وجودها في المنطقة لن يكون بمفيدا وسيرتد عليها بنتائج عكسية حيث قد تنشأ مقاومة ضدها، وهو ما يفسر توجهها لاستخدام القوة الناعمة، سواء من خلال إرسال مساعدات إنسانية، أو بفتح الأبواب أمام الدروز للعمل في الجولان المحتل، والمفترض أن يجري ابتداء من الأحد المقبل.
ويقول مراقبون إنه من الصعب الحكم حاليا على مدى نجاح مساعي إسرائيل في كسب ود الطائفة الدرزية على المديين المتوسط والطويل، وإن حققت بعض الاختراقات.
ويلفت المراقبون إلى أن نجاح إسرائيل يبقى مرتبطا بجملة من العوامل بينها كيفية تعاطي دمشق مع هذا المكون السوري، ومدى قدرتها على إقناع أفراده بأن لا خطر يتهددهم مستقبلا وأنهم جزء أصيل من سوريا الجديدة.
ووقّعت الحكومة السورية الأربعاء، اتفاقا لتنظيم الأوضاع الإدارية والأمنية في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.
جاء ذلك خلال لقاء عقد في دارة الرئيس الروحي للموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، بحضور محافظ السويداء مصطفى البكور، وعدد من الشخصيات التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد الشهر الماضي في دمشق.
وتعهدت الحكومة السورية بتنفيذ الوثيقة بالتنسيق مع أبناء المحافظة، بهدف معالجة الملفات العالقة وتحقيق استقرار إداري وأمني في المنطقة.
وبحسب شبكات إخبارية محلية، فقد تضمنت الوثيقة “تفعيل الضابطة العدلية فورا، وتفعيل الملف الشرطي والأمني ضمن وزارة الداخلية، وتنظيم الضباط والأفراد المنشقين وكافة الفصائل المسلحة في وزارة الدفاع.”
ونصت على”صرف كافة الرواتب المتأخرة للموظفين فورا، وإعادة النظر بجميع المفصولين عن العمل قبل تاريخ الثامن من ديسمبر 2024، وأن تكون أولوية التوظيف لمن تم فصلهم تعسفيا قبل هذا التاريخ.”
كما شددت الوثيقة على “إصلاح المؤسسات التابعة للدولة ماليا وإداريا، والإسراع في تعيين أعضاء المكتب التنفيذي المؤقت لقضاء حوائج الموظفين.”
ويقول نشطاء دروز إن التفاهم الذي جرى بين السلطة الانتقالية الجديدة وبين أبناء السويداء، خطوة مهمة، لاستعادة الدولة السورية دورها في المنطقة، ولقطع الطريق على محاولات إسرائيل اختراق المجتمع الدرزي.
ويستدرك هؤلاء بالقول إن التفاهم يبقى منقوصا، ولن يلغي حالة التوجس القائمة من السلطات الجديدة في دمشق ما لم يجر التوصل إلى اتفاق شامل، وهو ما ستسعى إسرائيل لاستثماره.
ووجه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، تهديدا صريحا للرئيس السوري أحمد الشرع، خلال زيارة قام بها الثلاثاء، إلى منطقة جبل الشيخ.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، الأربعاء، فقد قال كاتس “عندما يفتح الجولاني (الشرع) عينيه في القصر الرئاسي في دمشق كل صباح، سيرى بأن الجيش الإسرائيلي يراقبه من قمة جبل الشيخ.”
وأضاف “عندها سيتذكر أننا هنا وفي المنطقة العازلة جنوب سوريا من أجل حماية أهالي الجولان والجليل من تهديداته وتهديدات أصدقائه الجهاديين” على حد تعبيره.
ويولي الجيش الإسرائيلي أهمية خاصة لجبل الشيخ، وهو عبارة عن سلسلة جبلية تمتد من بانياس السورية وسهل الحولة في الجهة الجنوبية الغربية إلى وادي القرن في الجانب الشمالي الشرقي، وتشكل جزءا مهما من سلسلة جبل لبنان الشرقية التي تمتد بين لبنان وسوريا.
ويطل جبل الشيخ، الذي يسمى أيضا بـ”حرمون” وهي تسمية كنعانية، على إسرائيل ويمكن رؤيته من الأردن.
الجيش الإسرائيلي يحتفظ بشريط أمني يبلغ عرضه 15 كيلومترا في بعض المناطق جنوب سوريا، ويسيطر على أكثر من 40 ألف سوري داخل المنطقة العازلة السورية المحتلة
وبحسب خبراء، يشرف الجبل على كامل الجغرافيا السورية وأجزاء واسعة من لبنان وبانياس الساحلية وهو أيضا “المفتاح” للحدود السورية – اللبنانية – الإسرائيلية، ولهذه الدوافع تحرص إسرائيل على الحفاظ على سيطرتها عليه.
وأقر كاتس بأن إسرائيل مستعدة للبقاء في سوريا بشكل دائم، قائلا إن الجيش نفذ غارات على حوالي 40 هدفا جنوب سوريا من أجل إخلائها من العناصر المسلحة، دون أن يذكر التوقيت.
ولفت وزير الدفاع إلى أن إسرائيل ستتحرك من أجل القضاء على أيّ تهديد قد يطال طائفة الدروز في سوريا.
وفي وقت سابق الأربعاء، كشفت إذاعة عبرية أن الجيش الإسرائيلي أنشأ موقعين عسكريين على قمة “جبل الشيخ”، وأن عمالا من قرى درزية سيبدؤون العمل في الجولان المحتل الأحد المقبل.
وقالت إذاعة الجيش “لن نغادر جبل الشيخ السوري حتى إشعار آخر، وعلى العكس، فقد تم إنشاء موقعين للجيش الإسرائيلي على قمة الجبل.”
ومنذ ثلاثة أشهر يحتل الجيش الإسرائيلي جبل الشيخ. وبحسب الإذاعة العبرية، فإن المنطقة التي يحتلها الجيش الإسرائيلي حاليا كانت مسرحا لتهريب أسلحة من سوريا إلى حزب الله.
وذكرت أن الجيش الإسرائيلي يحتفظ بشريط أمني يبلغ عرضه 15 كيلومترا في بعض المناطق جنوب سوريا، ويسيطر على أكثر من 40 ألف سوري داخل المنطقة العازلة السورية المحتلة.
ومنذ عام 1967 تحتل إسرائيل معظم هضبة الجولان السورية، واستغلت أحداث الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر 2024 ووسعت رقعة سيطرتها، بما في ذلك المنطقة السورية العازلة، كما دمّرت آليات ومعدات وذخائر للجيش السوري بمئات الغارات الجوية.
اقرأ أيضا:
• شكوك جدية في تحويل تعهدات الشرع بتوحيد السوريين وإرساء السلم الأهلي إلى واقع