"القارئ والتأويل".. تأملات في العالم الأدبي لعبدالفتاح كيليطو

الكتاب يعتمد أسلوب المقارنة والتركيب إذ يقارن المنجز الأدبي الفلسفي لكيليطو في الماضي وما كتب عن هذا المنجز.
الأربعاء 2025/03/12
القارئ الرهيب الذي يفرض عليك المتابعة

عمان - يتأمل الكاتب والناقد المغربي صدوق نورالدين العالم الأدبي لعبدالفتاح كيليطو، الكاتب والروائي والناقد المغربي المعروف، من خلال كتابه الجديد “القارئ والتأويل”، معتمدا أسلوب المقارنة والتركيب، مقارنة منجز أدبي، فلسفي تَحقق في مرحلة ماضية، وآخر عن المنجز ذاته، لكن في الحاضر.

يستهل المؤلف كتابه، الصادر حديثًا عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمان، بمقدمة حملت عنوان “من أجل هموم مشتركة”، يستعيد خلالها ذكرى لقائه بكيليطو، في المعرض الدولي للكتاب والنشر، في الدار البيضاء، خلال شهر فبراير 1988، يقول “من بعيد رأيته. جسد نحيف، ونصف لحية. لم يكن يدخن، بالقرب طاولة فارغة وكرسي يجلس عليه عند التوقيع. بدا أنيقًا، فيما الممر الأحمر ينطق صمتًا. ابتسمت تسبقني تحية الرأس تقديرًا، فابتسم. لم تند كلمة. لم يسأل عن شيء، ولا طلبت. جلس. استل قلمه، دون جملةً مائلة نوعًا ما باللغة العربية: من أجل هموم مشتركة.”

ويواصل المؤلف استعادة مفردات ذلك المشهد، بما فيه من خفة سردية، وإشارات تكشف عن جانب شخصي من كيليطو، قائلا: “أعاد لي النسخة. ابتسم، فابتسمت. لم تند كلمة، ترك الكرسي في الخلف، واستعاد وقفته. أشعل سيجارة، ورمى نظرة بعيدا، بدا كأنه هنا، لربما يقيم في نص من كتاب ‘ألف ليلة وليلة‘، أو يكتب في رأسه تحليلاً لمقامة من مقامات الحريري، أو بديع الزمان الهمذاني. يفكر واقفا. أحيانًا يتمشى ببطء كخائف من أن يجرح طمتًا سيتكسر لاحقًا لما تفيض طاولته برؤوس يسرقها الفضول، وأيد تحمل نسخًا بحثًا عن توقيع. وأنا أغادر قاعة المعرض تمام السادسة، عاينت المشهد.”

الكتاب، الذي صمم غلافه الشاعر عيد بنات، جاء تحت عناوين رئيسة، تعكس الفضاءات التي تحرك خلالها مؤلف الكتاب، يندرج أسفل كل منها مجموعة من العناوين الفرعية، وجاءت تلك العناوين الرئيسة على النحو الآتي: “نحو نقد أدبي جديد.. بين عبدالكبير الخطيبي وعبدالفتاح كيليطو”، “صورة ابن رشد في الأدب.. نموذج عبدالفتاح كيليطو”، “شعرية الاستطراد.. بين عبدالفتاح كيليطو وعبدالسلام بنعبد العالي”، “خورخي لويس.. بين حياة الكتابة وحياة المؤلف”، “مصطفى لطفي المنفلوطي.. البدايات واكتشاف الأدب”، “عبدالفتاح كيليطو والكتابة الروائية”، “عود على بدء/ سؤال الأدب الحديث.”

◙ الكتاب الذي صمم غلافه الشاعر عيد بنات جاء تحت عناوين رئيسة تعكس الفضاءات التي تحرك خلالها مؤلفه
◙ الكتاب الذي صمم غلافه الشاعر عيد بنات جاء تحت عناوين رئيسة تعكس الفضاءات التي تحرك خلالها مؤلفه

ويخلص المؤلف إلى أن الحديث عن عبدالفتاح كيليطو المؤلف، يقتضي تمثل صورة القارئ. ويقول “أقول القارئ الرهيب الذي يفرض عليك المتابعة والمواكبة لما قد تكون تناسيت أهمية الاضطلاع عليه، أن لا معرفة لك به، ويحدث أن يمارس الضغط الأيديولوجي لمن يقرأ، وعلى من يقرأ بخصوص أسماء إبداعية مغربية أو عربية رسخت تقاليد الكتابة الأدبية. فكيليطو القارئ، يتفرد بموسوعيته على مستوى الأدب العالمي والعربي. التفرد الذي يلمس انطلاقًا من الكتابة، التأليف ومن مهارة التركيب.”

ويؤكد مؤلف الكتاب أن “سؤال الأدب الحديث يظل حاضرًا على مستوى المنجز النقدي لعبدالفتاح كيليطو، دون امتلاكه حظوة أو مكانة الأدب القديم، وما خص به من كبير اهتمام وعناية. وإذا كان الأدب العربي الحديث متميزا بتاريخيته التي تستدعي الدرس والمقارنة، فإن الأدب المغربي الحديث يفتقد هذه التاريخية، حيث إن تأخر ظهوره والتأثيرات العربية والمشرقية التي وسمته، تستلزم التفكير قبل الإقدام على الممارسة النقدية الجادة والموضوعية.”

ولعل أبرز ما يميز كيليطو صعوبة تصنيف نصوصه تحت جنس بعينه؛ لأن كتاباته النقدية تقرأ أحيانًا على أنها تخييل، في حين تقرأ كتاباته الإبداعية على أنها بحوث ودراسات نقدية، وفصول من أطروحات جامعية؛ حيث ثمّة تماهٍ واختراق للحدود، ومن ثمّ تغدو معايير التصنيف والحدود بين الأنواع مغلولة على أعتاب هذه الكتابات، دون إمكانية إدراجها تحت أي نوع أو صنف.

يذكر أن الكاتب صدوق نورالدين كان أصدر مجموعة من الكتب النقدية، منها: "حدود النص الأدبي"، دار الثقافة، الدار البيضاء. "النص الأدبي: مظاهر تجليات الصلة بالقديم"، دار اليسر، الدار البيضاء. "عبدالله العروي وحداثة الرواية"، المركز الثقافي العربي، بيروت. "البداية في النص الروائي"، دار الحوار، دمشق. "الغرب في الرواية العربية"، دار الثقافة، الدار البيضاء. "الرواية وإنتاج الوعي.. دراسة في لعبة النسيان"، دار الثقافة، الدار دمشق. "الذات والعالم (دراسة في اليوميات)"، دار أزمنة، عمان، الطبعة الأولى، أما الثانية ففي دار أكورا، طنجة، المغرب. "السردية العربية وإشكالية التأسيس"، دار الثقافة، الدار البيضاء، الرباط.

كما شارك في عدد من الأعمال المشتركة، منها: "الرواية المغربية وأسئلة الحداثة"، ندوة، مختبر السرديات وكلية الآداب ابن امسيك، الدار البيضاء. "نبيل سليمان أو ربع قرن من الكتابة"، دار الحوار، دمشق. "صنعة الكاتب (دراسات عن محمد زفزاف)"، المكتبة الوطنية، الرباط.

12