نزيف الهجرة يضرب نصف مهندسي تونس

تونس – كشفت بيانات نقلتها "وكالة تونس أفريقيا للأنباء" الحكومية، أن نصف المهندسين المسجلين في تونس غادروا البلاد، ما يعكس تفاقم هجرة الكوادر التي يبدو أنها نتاج تراكم الأزمات وسوء الوضع على امتداد سنوات منذ العام 2011.
وبحسب أرقام ذكرها عميد المهندسين التونسيين كمال سحنون، فإن 39 ألف مهندس من بين 90 ألفاً مسجلين في عمادة (نقابة) المهندسين، غادروا بالفعل تونس.
وقال سحنون، خلال جلسة استماع له بالبرلمان، الاثنين، إن العدد الإجمالي لخريجي الهندسة يفوق سنويا 8 آلاف، وأن ما معدله 20 مهندسا يغادرون البلاد يوميا.
وحذّر عميد المهندسين من استمرار نزيف الهجرة وإهدار الإمكانيات البشرية والمادية للدولة، حيث تقدر تكاليف تكوين المهندسين سنوياً في تونس بنحو 650 مليون دينار (حوالي 215 مليون دولار أميركي).
والمهندسون هم من بين آلاف الكوادر الجامعية التي تغادر تونس سنويا، ومن بينهم العاملون بقطاعات الطب والهندسة الرقمية، بسبب ضعف الأجور، وتداعي البنية التحتية، وظروف العمل، أو البطالة القسرية.
ويشكل ضعف الرواتب، في الغالب، الدافع الأساسي للهجرة، حيث تعد رواتب المهندسين التونسيين الأضعف في المنطقة بشمال أفريقيا على الرغم من أنهم الأعلى تكوينا. وعلى سبيل المثال يتقاضى المهندس في المغرب أربعة أضعاف ما يتقاضاه المهندس في تونس.
ويتراوح المرتب في القطاع الخاص للمهندسين الشباب ما بين 600 و800 دينار تونسي (ما يعادل 193.42 و257.90 دولار أميركي) بما في ذلك منحة حكومية بـ200 دينار (نحو 64.47 دولار أميركي). ويقول مهندسون في وقفات احتجاجية متكررة إن المرتب مهين ولا يتطابق مع المجهود الدراسي.
وهناك عامل آخر ضاعف من محنة المهندسين في تونس، وهي اهتزاز صورة هذه المهنة اجتماعيا. ويقول عميد المهندسين "فقد المهندسون التقدير الكامل ولم يعد الوضع كما كان في الماضي في عقد الثمانينيات. وهذا عنصر مهم مع الجانب المادي".
وكشفت دراسة، نشرها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية في يوليو الماضي تحت عنوان "هجرة الأدمغة من بين المهندسين في تونس: الأسباب والعواقب ومقترحات للسياسات الاقتصادية أن نزيف هجرة المهندسين التونسيين إلى الخارج يؤثر بشكل سلبي على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد وقدرتها التنافسية الدولية. كما يحدّ من قدرتها على تحقيق انتقالها الطاقي والرقمي والبيئي.
وفي المقابل يتزايد الطلب على المهندسين التونسيين في الدول الأوروبية وكندا والولايات المتحدة، وهو ما يشجع نحو نصف عدد المهندسين في البلاد للهجرة إلى الخارج، بحسب تقارير عمادة المهندسين .
وتقدر العمادة كلفة تدريس المهندسين وتأهليهم إلى سوق العمل سنويا بنحو 210 مليون دولار، وهي خسائر تتكبدها ميزانية الدولة.
وفي نوفمبر الماضي أعلن نواب في البرلمان التونسي اعتزامهم اقتراح قانون لتعويض الدولة عن هجرة المهندسين والأطباء وغيرهم من الكفاءات والكوادر.
واقترح مشروع القانون فرض تعويض قيمته 50 بالمئة على كل من يغادر البلاد للعمل في الخارج من مجموع قيمة الإنفاق على دراسته وتأهليه في تونس، بحسب الاختصاص، ويتم دفع التعويض على أقساط مدتها 5 أعوام، حسب قيمة عقد العمل في الخارج.
وقوبل هذا المقترح بالرفض من قبل عمادة المهندسين وعمادة الأطباء.
وتشكل هجرة المهندسين من تونس تهديدا حقيقيا لنمو البلاد، وفق الدراسة، حيث تنعكس على قدرة البلد الذي حقق نموا في الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 1.8 المئة خلال الربع الثالث من العام 2024، على استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتثبط عزيمة المستثمرين المحتملين وتقلل التمويل المتاح للبحث والتطوير.
وبحسب الدراسة "يعيق فقدان المهارات الهندسية، بالتالي، التنمية الاقتصادية في القطاعات الحيوية، على غرار الطاقة والبيئة والصناعة المعملية، وهو ما يفضي إلى حالة من الارتهان التكنولوجي ويحد من قدرة البلاد على التجديد وإحداث المشاريع، ومن ثمة إعاقة القدرة التنافسية والتنويع الاقتصادي".
ومنذ العام 2011، باتت الهجرة الشرعية، وخصوصا نحو أوروبا والخليج، للأطباء والمهندسين والتقنيين والأساتذة، وكذلك الهجرة غير الشرعية للفئات الأكثر هشاشة أفضل حل لهؤلاء.
ويقول مراقبون إن هجرة اليد العاملة التونسية إلى الخارج بدأت تبرز انطلاقا من سنة 2000 خصوصا في قطاعات التربية والصحة والإدارة، وتزايدت بشكل لافت بعد 2011 بسبب عدم الاستقرار السياسي في البلاد.
وأفادت بيانات البنك المركزي التونسي أن تحويلات التونسيين بالخارج سجلت زيادة بنسبة 4.6 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، لتصل قيمتها إلى 7.6007.8 مليون دينار ( 2.47 مليون دولار) بحلول 10 ديسمبر 2024.
وبالنسبة للبطالة، يبلغ معدلها بين حاملي الشهادات العليا حوالي 25 في المئة في الربع الثالث من 2024، بينما يقدر عدد العاطلين الذين تجاوزت مدة بطالتهم 10 سنوات بحوالي 60 ألف شخص، وهو ما يمثل 11 في المئة من مجموع العاطلين في البلد. حسب معهد الإحصاء التونسي
وتشير بيانات المرصد الوطني للهجرة في تونس إلى أن أكثر من 30 ألفا من الكوادر في المتوسط يغادرون البلاد كل عام، وهو رقم كبير في بلد يعد نحو 12 مليون نسمة.
ويستحوذ الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول لتونس على النسبة الأعلى من الطلب على الكفاءات التونسية بما في ذلك الأطباء والمهندسون وخاصة في اختصاص تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.