قواعد منافسة أردنية جديدة لمنح الاقتصاد جرعة تنشيط

كثّف الأردن من جهوده لإرساء قواعد منافسة أكثر مرونة في السوق المحلية بهدف إعطاء الاقتصاد جرعة أخرى لتنشيطه، وذلك من بوابة حماية التجارة وزيادة الاستثمارات، في الوقت الذي تتلقى فيه الدولة إشادة من وكالات التصنيف الائتماني رغم التحديات.
عمّان - اعتبرت أوساط اقتصادية أردنية أن مشروع القانون المعدل لقانون المنافسة لسنة 2025 الذي أقرته الحكومة قبل أيام مهم جدا للحد من أيّ ممارسات قد تخل بالسوق المحلية، ما يدعم استقطاب الاستثمارات.
ويضم التعديل تفاصيل تعود بالنفع على الاقتصاد، خاصة في ما يتعلق بارتفاع الأسعار دون مبرر إذا ما تم تفعيله بالنحو المطلوب من خلال تشكيل مجلس للمنافسة وفق ما نص عليه التعديل.
ومن المفترض أن يحظى المجلس الذي سيعمل كجهة استشارية تحدد السياسة العامة للمنافسة ويضم في عضويته ممثلين عن القطاعين العام والخاص، بالاستقلالية في اتخاذ القرارات المتعلقة بممارسات الاحتكار وتحديد الأسعار وغيرها، ما يدعم مناخ الأعمال بالبلاد.
وأقر مجلس الوزراء الأسبوع الماضي مشروع القانون الهادف إلى تطوير آليات تنفيذ سياسات للتمكين المؤسسي للجهات المعنية، تمهيدا لإرساله إلى مجلس النواب لمناقشته والسير في الإجراءات لإقراره.
ويتطلع المسؤولون إلى منح دائرة حماية المنافسة القدر الكافي من الاستقلالية الفنية والصلاحيات التنفيذية وآليات اتخاذ القرار وتطوير أدوات التحقيق بالشكاوى وصلاحيات تحريكها لدى المدعي العام.
وتأتي الخطوة ضمن سلسلة التشريعات المرتبطة برؤية التحديث، انطلاقا من سعي الحكومة لتعزيز وحماية المنافسة الحرة والفعالة ولتهيئة بيئة قائمة على الشفافية تشكل قاعدة رئيسة للنمو المستدام ومحفزة للتطوير والابتكار وأداة لحماية المستهلك.
ويمكن لهذا القانون أن يسهم في رفع تصنيف الأردن في المعايير العالمية المتعلقة بتسهيل الأعمال وجذب رؤوس المزيد من رؤوس الأموال ضمن بيئة تنافسية عادلة.
ويرى أستاذ القانون بجامعة عجلون الوطنية منتصر القضاة أن توقيت الخطوة مناسب لأن قانون المنافسة يحمي السوق من الممارسات الاحتكارية من بعض التجار.
ونقلت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية عن القضاة قوله إن “القانون الجديد مهم جدا، خاصة وأن مديرية المنافسة في وزارة الصناعة والتجارة والتموين تمارس دورا لحماية المستهلك من الاحتكار واحتمال تغول بعض أصحاب رؤوس الأموال في السوق المحلية.”
وينص القانون الحالي على وجود لجنة يرأسها وزير الصناعة والتجارة فيما ينص التعديل الجديد على تشكيل مجلس للمنافسة الذي يجب أن يضم ذوي خبرات واختصاص وكفاءة بهدف تفعيل دوره الرقابي والتنفيذي إن لزم الأمر.
وأوضح القضاة، وهو مستشار قانوني، أن العقوبات المالية الموجودة في القانون الحالي مناسبة إلى حد ما، داعيا إلى أن تكون صلاحية الضابطة العدلية واضحة أكثر ومفصلة ومراجعة بعض العبارات “المبهمة” المتعلقة بموضوع التركز الاقتصادي.
وشملت التعديلات تغليظ العقوبات في حالة تكرار المخالفات المتعلقة بالمنافسة وتضييق نطاق الاستثناءات الواردة في القانون وأسس منحها وتطوير أدوات الكشف عن الممارسات المخلة بالمنافسة ضمن المعايير الفضلى الناظمة لحماية أجواء المنافسة.
التعديل يضم تفاصيل تعود بالنفع على الاقتصاد، خاصة في ما يتعلق بارتفاع الأسعار دون مبرر إذا ما تم تفعيله بالنحو المطلوب
ويشير المحامي المتخصص بالقانون التجاري بهاء العرموطي إلى أن قانون المنافسة الحالي الصادر منذ 2004 غير مفعّل بنحو كبير.
وأكد أن تفعيله سيحد من الممارسات غير القانونية مثل اتفاق التجار على الأسعار والاحتكار وغيرها، كما أن تأسيس مجلس المنافسة سيحد من تلك الممارسات.
وقال إن “التعديل سيقيد صلاحيات الوزارة في منح الاستثناءات من تطبيق قانون المنافسة وهو أمر ممتاز لتنظيم السوق.”
ومن مهام مجلس المنافسة وضع خطط لدراسة الأسواق التجارية، وبحث أسباب ارتفاع الأسعار واتخاذ إجراءات نحوها دون الانتظار لتلقي شكاوى حولها.
ويعتقد رئيس جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية إياد أبوحلتم أن وجود قانون للمنافسة يجمع كافة المحددات أمر ضروري لتلبية شروط الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وتحسين ترتيب الأردن على مؤشرات التنافسية والاستثمار وغيرها.
وقال إن القانون الجديد “يضيف ميزة على بيئة الأعمال، إذ يبحث المستثمرون الأجانب والمحليون عن قوانين تحفظ حقوق المتنافسين وتقلل من وجود أيّ تشوه في الأسواق.”
وأضاف أن الخطوة “تجعل العمل مؤسسيا عبر المجلس الاستشاري المقترح، بما يعطي القطاع الخاص مجالاً للشراكة في تنظيم ممارسات السوق.”
ولئن كان البلد يعد من بين الأضعف اقتصاديا في المنطقة قياسا بدول الخليج، فإن الحكومة تتسلح برؤية التحديث الاقتصادي التي تمتد حتى العام 2033 وتتضمن عشرات المبادرات وتستهدف تطوير 35 قطاعا رئيسيا وفرعيا.
ويقول خبراء إن الاستثمار يعد ركيزة أساسية في بناء الاقتصاد وهو المحرك الأساسي له، وإن ضعف الآليات تشكل عاملا رئيسيا في إعاقة عجلة النمو الاقتصادي.
وخلال السنوات الثلاث الماضية، اتخذت الحكومة العديد من الإصلاحات بغية تحسين تنافسية البلد في جذب الاستثمار الخارجي رغم الانتقادات التي يوجهها لها قطاع الأعمال بين الفينة والأخرى بسبب البطء في تنفيذ برامجها.
وفي إشارات إلى المستثمرين بأن الوضع مستقر وفي طريق التحسن، تلقت عمّان دفعة جديدة مؤخرا عندما ثبتت وكالة ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني السيادي للأردن طويل الأجل بالعملة المحلية والأجنبية عند بي.بي- مع نظرة مستقبلية مستقرة،.
وذكرت الوكالة في تقريرها أن تثبيت التصنيف جاء نتيجة توقعات بقدرة الأردن على التعامل مع التطورات الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط والعالم، إضافة إلى قدرته على تأمين مصادر تمويل بديلة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي.
وأوضحت أن ربط سعر صرف الدينار بالدولار الأميركي ساهم في استقرار الأسعار واحتواء معدلات التضخم، حيث تتوقع الوكالة أن تبقى معدلات التضخم في عام 2025 عند مستويات مقبولة لتصل إلى 2.2 في المئة.
ولفت خبراء ستاندرد آند بورز إلى انخفاض عجز الحساب الجاري ليصل إلى نحو 4.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، وهو أقل مستوى له منذ عام 2019.
ويرى ممثل القطاع المالي والمصرفي في غرفة تجارة الأردن فراس سلطان أن تثبيت التصنيف الائتماني السيادي يؤكد منعة وقوة الاقتصاد الأردني ومرونته على تجاوز الصعوبات.
وأوضح أن الإجراءات التي يقوم بها البنك المركزي أسهمت بالحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي ويدعمها توفر مستوى قياسي من الاحتياطيات الأجنبية والتي تفوق 21 مليار دولار.