روسيا ترد على الانزعاج الغربي من وجودها في ليبيا بالسيطرة على قاعدة جديدة في الجنوب

بات الحضور المتنامي لروسيا في ليبيا يزعج القوى الغربية وخصوصا فرنسا التي تسعى إلى التموقع في ليبيا، عبر السيطرة على قاعدة الويغ العسكرية، وهو ما ردّت عليه موسكو بالسيطرة على قاعدة جديدة في الجنوب الليبي.
طرابلس - كشف موقع “إنسايد أوفر” الإيطالي عن تحركات روسية لإنشاء قاعدة عسكرية جوية في معطن السارة جنوب ليبيا، لافتا إلى أن القاعدة قد تصبح مركزا رئيسيا لعمليات فيلق أفريقيا الروسي، في خطوة تحمل حسب المراقبين ردا من موسكو على انزعاج الغرب من وجودها في ليبيا.
ويقول المتابعون إن التمدد الروسي خصوصا في الجنوب الليبي، بات يؤرق القوى الغربية على غرار دول الاتحاد الأوروبي وأهمها فرنسا التي ناقشت ذلك مؤخرا مع القائد العام للجيش الوطني الليبي الجنرال خليفة حفتر.
وتعتبر موسكو أن ليبيا توفر منصة مثالية لإعادة تأكيد النفوذ الذي كان محل نزاع في سوريا، فالمشهد الليبي المضطرب يوفر الآن ملعبا للقوى الخارجية، كما تنظر روسيا إلى ليبيا باعتبارها مرساة للمزيد من الترسيخ في منطقة الساحل، حيث يخلق الانسحاب الغربي والحكومات الضعيفة فرصا للتموقع من جديد.
وأفاد الكاتب ماورو إنديليكاتو بأن روسيا تتطلع إلى الاستفادة من موقع معطن السارة الإستراتيجي بالقرب من الحدود مع تشاد والسودان، وتهدف إلى تعزيز نفوذها في منطقة الساحل الأفريقي على حساب فرنسا.
أوضح إنديليكاتو أن صور أقمار اصطناعية حصلت عليها وكالات استخبارات غربية خلال الأشهر الماضية، أظهرت أعمال بناء مكثفة في منطقة معطن السارة النائية، وهي عبارة عن واحة صغيرة في منطقة الكُفرة محاطة بطرق صحراوية، ويصعب الوصول إليها برا، لكن ما يمنح هذه المنطقة أهمية إستراتيجية كبيرة هو وجود قاعدة عسكرية ليبية قديمة بها، تضم العديد من المستودعات القادرة على استيعاب عدد من الطائرات، فضلا عما لا يقل عن ثلاثة مدارج هبوط.
◙ باريس ترغب في تثبيت وجودها في شرق ليبيا الذي يعتبر نقطة وصل حيوية على البحر الأبيض المتوسط
وأضاف الكاتب أن روسيا بعد أن فقدت نفوذها في سوريا، تعمل على إعادة التموقع في البحر المتوسط من خلال استغلال علاقاتها مع دولة أخرى محورية في المنطقة. وبحسب تقرير الموقع، تدرك روسيا، التي تربطها علاقة وثيقة بحفتر منذ تسع سنوات، أهمية مثل هذا الموقع، وتحاول تعويض القواعد التي فقدتها في سوريا عبر قاعدة معطن السارة جنوب ليبيا.
وأبرز الكاتب أن القوات الروسية تنتشر في دول عدة بمنطقة الساحل الأفريقي، من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى مالي، مرورا بالنيجر وبوركينا فاسو، ووصولا إلى السودان، كما قد تبدأ قاعدة معطن السارة قريبا في استقبال المعدات الروسية القادمة من سوريا، لتصبح المركز الرئيسي لقوات فيلق أفريقيا.
وكشف الكاتب أن الولايات المتحدة وحلف الشمال الأطلسي “ناتو” لا ينظران بعين الرضا إلى النشاط الروسي في هذه المنطقة جنوب ليبيا، على الرغم من التقارب الأخير بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين.
وتقول أوساط سياسية إن الخطوة الروسية تأتي بعد فترة من سعي فرنسا إلى التموقع في ليبيا للسيطرة على قاعدة الويغ العسكرية الواقعة أقصى الجنوب الليبي والتي اضطرت إلى الانسحاب منها مع تزايد النفوذ الروسي في ليبيا وتشاد ومالي والنيجر.
وتضيف تلك الأوساط أن زيارة قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر إلى باريس واستقباله من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، أواخر فبراير الماضي، تعكس تطورا في السياسة الفرنسية تجاه شمال أفريقيا وخاصة في ليبيا التي انكفأت عنها منذ دخول الروس على الخط في حرب طرابلس قبل نحو خمس سنوات.
كما تعكس الزيارة رغبة باريس في تثبيت وجودها في شرق ليبيا الذي يعتبر نقطة وصل حيوية على البحر المتوسط، رغم الصعوبات التي قد تواجهها مع تزايد النفوذ الروسي في المنطقة. وساندت باريس المشير حفتر بخبراء عسكريين خلال معارك تحرير بنغازي ودرنة من المجموعات المتطرفة الموالية للقاعدة وتنظيم داعش، قبل دخول روسيا ومجموعة فاغنر على الخط أثناء حرب طرابلس.
◙ الخطوة الروسية تأتي بعد فترة من سعي فرنسا للسيطرة على قاعدة الويغ العسكرية الواقعة أقصى الجنوب الليبي
وبحث حفتر وماكرون “تطورات العملية السياسية في ليبيا، وأهمية دعم جهود بعثة الأمم المتحدة”، وفق ما أعلنته القيادة العسكرية للمسؤول الليبي في بيان نشرته على فيسبوك. ولا تزال فرنسا تحاول الدفع بخطة لتشكيل وحدات مشتركة لتأمين الحدود مع رئيسي الأركان العامة في الشرق والغرب بحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، إلى جانب ضم ضباط من اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 بهدف الوصول إلى جيش موحد.
وتدافع فرنسا بقوة عن ضرورة تفعيل اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 التي كانت قد حققت عددا من الأهداف المهمة قبل أن تتعرض لعراقيل من قبل قوى إقليمية ودولية ترى أن من الأفضل لمصالحها بقاء الوضع في ليبيا على ما هو عليه.
بالموازاة مع ذلك، كشف تقرير نشره القسم الإنجليزي في وكالة أنباء “نوفا” الإيطالية عن سلسلة من المناورات الجوية التي تعتزم القوات الجوية الأميركية تنفيذها في ليبيا، في إطار تعزيز التكامل العسكري بين القوات في شرق البلاد وغربها. ولفت التقرير إلى تأكيد سفارة واشنطن في طرابلس أن هذه المناورات تأتي في سياق الشراكة الدفاعية الوثيقة بين البلدين، والتي من شأنها أن تعزز قوة واستقرار ليبيا.
ونقل التقرير عن القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا “أفريكوم” تأكيدها أن وفدا أميركيا بقيادة الفريق جون برينان، نائب قائد أفريكوم، وجيريمي بيرنت، القائم بالأعمال الأميركي في ليبيا، عقد محادثات مع المشير خليفة حفتر، ورئيس حكومة طرابلس عبدالحميد الدبيبة.
وأكد الجانب الليبي خلال هذه اللقاءات التزامه بجهود توحيد الجيش وتعزيز التعاون العسكري، من خلال برامج تدريبية مشتركة، مشيرا إلى رغبة أفريكوم في تجاوز الانقسامات ودعم وحدة القوات المسلحة الليبية. ويعاني الجنوب الليبي من تحديات أمنية كبيرة تؤثر بشكل مباشر على استقرار البلاد والمنطقة بأسرها. وتعد هذه المنطقة في ليبيا نقطة مهمة للجماعات المسلحة الأفريقية والجهادية التي تنشط في منطقة الساحل والصحراء.