الجائحة لا تزال تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي

لندن - بعد مرور خمس سنوات على اعتابر منظمة الصحة العالمية لأول مرة تفشي فايروس كورونا المستجد بأنه جائحة، لا تزال آثاره محسوسة في كافة أرجاء الاقتصاد العالمي.
وأدى كوفيد - 19 والجهود المبذولة لاحتوائه إلى ارتفاع قياسي في ديون الحكومات، وضرب أسواق العمل، وتغير سلوك المستهلكين، وزاد التفاوت، في حين استمر العمل عن بعد والمدفوعات الرقمية والتغييرات في أنماط السفر.
ورغم مرور الصدمة المباشرة، فإن إرث هذه الأزمة الصحية يعيد تشكيل الاقتصادات والأسواق العالمية من خلال الديون والتضخم وأسعار الفائدة وتحولات سوق العمل والسفر، وتوسع أكبر للرقمنة.
وبعد أن اقترضت البلدان الأموال لحماية الرفاهة وسبل العيش، ارتفع الدين الحكومي العالمي بنسبة 12 نقطة مئوية منذ عام 2020، مع زيادة أكثر حدة في الأسواق الناشئة.
وأثار الوباء مستويات عالية من التضخم، والتي أثبتت أنها مصدر قلق كبير مع اندلاع الحرب في أوكرانيا ثم الانتخابات الرئاسية الأميركية العام الماضي.
وفي عام 2022، بلغت معدلات التضخم ذروتها في العديد من البلدان، مدفوعة بالإنفاق بعد الإغلاق، وحزم التحفيز الحكومية ونقص العمالة والمواد الخام.
وللتعويض عن ارتفاع الأسعار، رفعت البنوك المركزية الفائدة، على الرغم من تباين شدة تدخلاتها على نطاق واسع. وفي خضم ذلك انخفضت التصنيفات الائتمانية السيادية، التي تعكس قدرة الدولة على سداد ديونها، مع إغلاق الاقتصادات وتحمل الحكومات مبالغ ضخمة من الديون الإضافية لسد الثغرات المتبقية في المالية العامة.
12
نقطة مئوية نسبة ارتفاع الدين الحكومي العالمي منذ عام 2020 مع زيادة أكثر حدة في الأسواق الناشئة
وتُظهر بيانات وكالة فيتش أن متوسط درجة الائتمان السيادية العالمية لا يزال أقل بمقدار ربع درجة مما كان عليه عندما بدأ الوباء، مما يعكس التحديات المالية التي تفاقمت بسبب الوباء والتضخم والظروف المالية الأكثر صرامة.
وبالنسبة للدول الناشئة الأقل ثراءً، يظل المتوسط أقل بمقدار نصف درجة تقريبا. وتترجم التصنيفات الائتمانية المنخفضة عموما إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض في أسواق رأس المال الدولية.
وعلاوة على ذلك، بدأ التأثير يظهر في العمالة والسفر، فوفقا للبنك الدولي، تسبب الوباء في خسارة الملايين من الوظائف، وكانت الأسر الفقيرة والنساء الأكثر تضررا.
ومع تخفيف عمليات الإغلاق، استعادت العمالة زخمها ولكن مع تحول كبير نحو قطاعات مثل الضيافة والخدمات اللوجستية بسبب قطاع توصيل التجزئة المتنامي.
وانخفضت مشاركة النساء في القوى العاملة في عام 2020، ويرجع ذلك في الغالب إلى التمثيل المفرط للنساء في القطاعات المتضررة بشدة مثل الإقامة والخدمات الغذائية والتصنيع، وعبء رعاية الأطفال الذين يبقون في المنزل ولا يذهبون إلى المدرسة.
ومع ذلك، أظهرت البيانات أن فجوة التوظيف بين الجنسين قد انخفضت قليلا منذ ذلك الحين.
كما تغيرت عادات السفر والترفيه أيضا. وفي حين يسافر الناس ويأكلون في الخارج بقدر ما فعلوا في عام 2019، فإن زيادة العمل من المنزل قللت من التنقل في المدن الكبرى مثل لندن. وفي لندن، لا يزال استخدام كل من الأنابيب والحافلات أقل بنحو مليون رحلة يوميا مقارنة بما قبل الوباء.
وكان قطاع الطيران من بين القطاعات الأكثر تضررا من الوباء، حيث سجل خسائر على مستوى الصناعة بلغت 175 مليار دولار في عام 2020، وفقا لهيئة الطيران العالمية (إياتا).
وأسفرت حملات التطعيم في النهاية عن رفع قيود السفر، مما سمح للناس بالعودة إلى الطائرات. وتتوقع إياتا تحقيق صافي ربح على مستوى الصناعة بقيمة 36.6 مليار دولار في عام 2025، وتسجيل رقم قياسي بلغ 5.2 مليار مسافر.
لكن المسافرين يجب أن يتعاملوا مع أسعار غرف الفنادق التي تجاوزت التضخم في العديد من المناطق وتظل أعلى بكثير من مستويات عام 2019.
وفي النصف الأول من 2023، شهدت أوقيانوسيا، القارة الواقعة في نصف الكرة الجنوبي والتي تضم أستراليا ودولا أصغر مثل تونغا وفيجي، أعلى زيادات في الأسعار مقارنة بالفترة ذاتها من 2019، تليها أميركا الشمالية وأميركا اللاتينية وأوروبا، وفقا لبيانات لايتهاوس بلاتفورم.
وعلى الرغم من التقلبات الطفيفة، فإنه لا يوجد ما يشير إلى أن أسعار الفنادق العالمية ستعود إلى مستويات ما قبل الوباء.
كما وصلت معدلات شغور المكاتب إلى مستويات قياسية في العديد من البلدان، نتيجة للعمل عن بعد والمرونة. وفي الولايات المتحدة، شهدت مناطق الأعمال المركزية أكبر ارتفاع في الشواغر، والتي لا تزال واضحة حتى اليوم.
وتطورت اتجاهات استهلاكية جديدة خلال عمليات الإغلاق العالمية، حيث لم يكن أمام المستهلكين المقيمين في المنزل خيار آخر سوى التسوق عبر الإنترنت. وقد تسبب هذا في ارتفاع في عمليات الشراء عبر الإنترنت من عام 2020 والتي استقرت منذ ذلك الحين.
◙ على الرغم من التقلبات الطفيفة، فإنه لا يوجد ما يشير إلى أن أسعار الفنادق العالمية ستعود إلى مستويات ما قبل الوباء
ويقول المحللون إن ارتفاع المبيعات عبر الإنترنت في أوروبا كان مقترنا بزيادة في مساحة البيع، حيث يستثمر تجار التجزئة في المتاجر المادية لتحفيز المبيعات عبر الإنترنت وخارجها.
وتظهر بيانات شركة أبحاث السوق يورومونيتور أن المساحة، المقيسة بالمتر المربع، ارتفعت بنحو واحد في المئة بين عامي 2022 و2023، وهي الزيادة التي من المتوقع أن تمتد إلى 2.7 في المئة بحلول عام 2028.
وتصدرت أسهم الشركات الرقمية وشركات التوصيل المكاسب خلال الوباء، إلى جانب أسهم شركات الأدوية المصنعة للقاحات.
وبعد خمس سنوات، فقدت بعض الشركات الرابحة في عصر الوباء معظم جاذبيتها، لكن البعض الآخر استمتع بمكاسب دائمة مع فتح أسواق جديدة بفضل التحول الرقمي.
ورغم انفجار بعض الفقاعات وانهيار بورصة العملات المشفرة أف.تي.إكس، مما ترك الصناعة في حالة من الترنح، فقد زادت قيمة البيتكوين بنسبة 1233 في المئة منذ ديسمبر 2019، حيث نظر الناس إلى فرص استثمارية جديدة للحد من مخاطر تقلب السوق.
وبسبب البقاء في المنزل ومع وجود المزيد من النقود في متناول اليد، بدأ الناس أيضا في الاستثمار بشكل أكبر، حيث جاء ما يقرب من 27 في المئة من إجمالي تداول الأسهم الأميركية من المستثمرين الأفراد في ديسمبر 2020.
واستحوذت شركة تي.دي أميريتريد للسمسرة على أكبر شريحة من الكعكة قبل أن تستحوذ عليها شركة شارلز تشواب في صفقة بقيمة 26 مليار دولار.
وهناك منصة أخرى اكتسبت شعبية خلال طفرة التداول بالتجزئة في عام 2021 هي روبينهود والتي باتت المنصة المفضلة للأشخاص لضخ الأموال في أسهم عملات الميم المشفرة.