رئيس جديد لمجلس الأمة يضبط أوتار المؤسسات الرسمية في الجزائر

تعيش الجزائر على وقع انتخابات أعضاء جدد لمجلس الأمة في البلاد، وسط تكهنات المراقبين بعودة المخضرم عبدالعزيز بلخادم أحد أبرز رموز حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
الجزائر - تجري بجميع محافظات البلاد انتخابات التجديد النصفي لانتخاب أعضاء جدد لمجلس الأمة وهو الغرفة الثانية للبرلمان الجزائري، وبينما يغيب عنصر المفاجأة عن نتائجها المنتظرة، بسبب هيمنة أحزاب السلطة على المجالس البلدية والولائية، وهي التي تنتخب الأعضاء الجدد للمجلس، إلا أن الأنظار تتجه إلى هوية رئيس الهيئة الذي سيخلف صالح قوجيل.
وطرحت عدة تكهنات أبرزها عودة أحد رموز حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وهو عبدالعزيز بلخادم، المستشار الرئاسي ورئيس الوزراء والوزير والأمين العام لجبهة التحرير الوطني، الذي يراهن عليه لاستعادة التوازن داخل السلطة القادمة في البلاد.
وتجرى اليوم الأحد، انتخابات التجديد الجزئي لمجلس الأمة الجزائري، لاختيار 58 عضوا جديدا، وهو عدد محافظات الجمهورية الواجب تمثيلها في الغرفة التشريعية الثانية للبرلمان، وسيفرز العدد من بين 426 مرشحا ينتمون إلى 20 حزبا و177 مرشحا مستقلا، وهو ما يبرز طبيعة المنافسة القوية على منصب “السيناتور”.
متابعون يرون أن شخصية مثل عبدالعزيز بلخادم بإمكانها إعادة التوازن داخل المنظومة الحاكمة في الجزائر
ويغيب عنصر المفاجأة عن الانتخابات المذكورة، التي تهيمن عليها أحزاب الأغلبية في المجالس البلدية والولائية، التي يشكل أعضاؤها الوعاء الانتخابي لمجلس الأمة، فقد هيمنت أحزاب السلطة على المجلس منذ تأسيسه في منتصف تسعينات القرن الماضي، مع استثناءات نادرة لبعض الوجوه القليلة التي فازت بمنصب “السينا”، عن حزب معارض أو مرشح مستقل.
لكن اللافت أن السلطة التي تملك ورقة “الثلث المعطل”، المتمثل في ثلث أعضاء الهيئة التي يعينها رئيس الجمهورية بموجب الصلاحيات التي يخولها إياه الدستور، تلك ورقة أخرى تعيق حتى أحزاب السلطة على الانفراد بالمجلس، خاصة في ظل العلاقة الفاترة بينها وبين الأحزاب المؤيدة لها، ولذلك من المنتظر أن تبرز في هذه الانتخابات وجوها مستقلة، كامتداد لموجة المستقلين التي أسست لها السلطة في الانتخابات البرلمانية والمحلية السابقتين، والتي شكلت بها وعاء انتخابيا يمكن أن ينافس الأحزاب ويضفي لمسة فسيفسائية على مجلس الأمة، وهو ما تريده السلطة التي لا تثق حتى بأحزابها.
وتتركز الأنظار على هوية رئيس الغرفة، الذي سيخلف الرئيس صالح قوجيل، والذي رفضت المحكمة الدستورية التجديد له لولاية أخرى، ممّا يكرّس حرص السلطة على الممارسة النيابية والعهدة الانتخابية في ولايتين فقط، حيث تسود جملة من التكهنات، أبرزها عودة رئيس الحكومة والوزير والمستشار الرئاسي وأمين عام حزب جبهة التحرير الوطني عبدالعزيز بلخادم لشغل المنصب.
عودة بلخادم تشكل تطبيعا بين أركان النظام السياسي القائم في البلاد
وكانت عدة شخصيات محسوبة على مرحلة بوتفليقة، قد سجلت ظهورا متصاعدا أمام الرأي العام في الآونة الأخيرة، سواء عبر التصريحات الإعلامية، أو الفعاليات الجانبية، الأمر الذي طرح الفرضية المذكورة منذ عدة أشهر، لما ظهر عبدالعزيز بلخادم، ضمن الشخصيات الرسمية التي تمت دعوتها لحفل تنصيب رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، لولاية رئاسية ثانية في شهر سبتمبر الماضي، وهو ما أوحى إلى أن الظهور اللافت لعبدالعزيز بلخادم، من خلال تصريحات صحفية وأنشطة جانبية، تمهد الرأي العام لإعلان عودة الرجل إلى دواليب السلطة بمناسبة انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة، ورحيل رئيسه السابق صالح قوجيل (95 عاما)، والذي يتواجد في وضع سياسي محرج، بعد إشارة الدبلوماسي الفرنسي السابق إلى شخصه بامتلاك شقة في باريس بمبلغ مليون يورو.
ويبدو أن السلطة الفعلية في الجزائر، تراهن على ورقة عبدالعزيز بلخادم، كشخصية مخضرمة عانت في سنواتها الأخيرة، من تهميش وإقصاء محيط الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، إلى درجة إعلان حرمانه من ممارسة أيّ مهام أو سلطة رسمية أو سياسية، نتيجة الخلاف المتفجر حينها بينه وبين ما كان يوصف، بـ”القوة غير الدستورية”.
ويرى متابعون، أن شخصية مثل بلخادم، بخبرته ورصيده والمنصب المنتظر أن يشغله داخل السلطة (الرجل الثاني في الدولة) بإمكانه إعادة التوازن وضبط الأوتار داخل المنظومة الحاكمة، التي ظهر عليها نوع من التشنج والانفعال في التعاطي مع مختلف الملفات، وحتى ردود الفعل المزاجية هيمنت على مختلف المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يستدعي شخصية تضبط الأوتار بشكل متناغم ومنسجم مع منطق تسيير وإدارة المصالح.
ويضيفون أن عودة بلخادم تشكل تطبيعا بين أركان النظام السياسي القائم في البلاد، حيث تتكرس رسكلة الوجوه غير المتورطة في ملفات الفساد المالي والسياسي واستعادتها لأداء دورها في المشهد السياسي، بينما يتم القطع كلية مع المتورطين في الفساد، وآخرهم الوزير عبدالقادر خمري، الذي يتابعه القضاء المحلي في ملف فساد طالت قطاع الشباب، تورط فيه إلى جانب العشرات من العاملين معه آنذاك.