مطربة الشعب

أعتقد أن أكثر أغنيتين مغربيتين حققتا الانتشار الواسع على الصعيد العربي، ودخلتا قلوب السامعين من المحيط إلى الخليج، هما "مرسول الحب" للكبير عبدالوهاب الدكالي و"جريت وجاريت" للرائعة نعيمة سميح التي غادرت الحياة تاركة وراءها رصيدا ثريا من الأعمال الفنية والمواقف الإنسانية ومن الاحترام الكبير الذي حظيت به في بلدها ولدى شعبها الذي أحبّها في حياتها وبكاها عند رحيلها .
قد يكون من الصعب أن تمر صورة الملك الراحل الحسن الثاني وهو يمسك نعيمة من يدها ليقدمها على المسرح أمام دهشة الفرقة الموسيقية والجمهور الحاضر، دون أن تثير الكثير من الأسئلة ليس فقط عن حب وتقدير الملك للفنانة الكبيرة ولكن لفناني بلاده والفنانين العرب الذين ربطتهم به علاقات وطيدة ومحبة خالصة وصداقة متينة، وهو المعروف بصفة الملك الفنان، المايسترو والعازف والناقد والراعي والداعم لكل صاحب موهبة حقيقية.
كان الملك الحسن الثاني يعتبر نعيمة سميح مطربته المفضلة على الصعيد المغربي، وكان كثيرا ما يدعوها إلى القصر الملكي حيث كان كثيرا ما يستضيف الفنانين ويستمع إليهم وإلى إنتاجاتهم الفنية، ويعطيهم آراءه في أعمالهم الجديدة، ويوجه إليهم نصائحه التي كانت في أغلب الأحيان كفيلة بأن تضمن لهم المزيد من النجاح والتميز، كما كان حريصا على أن يحافظوا على هويتهم الفنية المغربية ليخاطبوا بها الأشقاء والأصدقاء من منطلقات القوة الناعمة الضاربة في عمق حضارة عريقة وعميقة وأصيلة .
لم يكن دخول نعيمة إلى الساحة الفنية يسيرا، وإنما جاء بعد جهود كبيرة بذلها الإعلامي الكبير محمد البوعناني صاحب برنامج "خميس الحظ" وزميله خالد مشبال والفنان محمد بن عبد السلام وآخرون مع والدها المحافظ الذي سمح لها بالغناء شريطة أن تكون في مستوى الثقة التي منحها إياها وأن تكون أعمالها الفنية جديرة بالاحترام وليس فيها ما يسيء إلى الذوق العام .
قدمت الفنانة الراحلة أعمالا فنية ستبقى خالدة في ذاكرة المغاربة والعرب من بينها "جاري يا جاري"، "جريت وجاريت" المعروفة كذلك باسم "ياك آجرحي"، "أمري لله"، "أحلى صورة"، "البحارة"، "راح"، “نحمدو ربي ونشكروه"، "على غفلة"، "غاب عليّ الهلال". كما تعاونت مع ملحنين خليجيين، من بينهم يوسف مهنا، فكانت أغنية "واقف على بابك".
كانت نعيمة سميح وفية لوعودها التي قطعتها أمام والدها، فتعاملت مع كبار الشعراء والملحنين في المغرب ومصر والخليج، وشاركت في المهرجانات الدولية البارزة ووقفت فوق أكبر المسارح كمسرح الأولمبيا بباريس الذي كانت أصغر فنانة عربية تغني على خشبته عام 1977 وثالث فنانة عربية تعتليه بعد أم كلثوم وفيروز.
كما كانت لها مواقفها الوطنية المشرفة، وعندما علمت بتنظيم المسيرة الخضراء الكبرى نحو الصحراء المغربية، قطعت التزاماتها الفنية في بيروت وعادة على عجل لتشارك فيها في السادس من نوفمبر 1975 بقيادة الملك الحسن الثاني الذي حظيت لديه بمكانة لم يسبقها إليها أيّ فنان آخر .
في العام 2007 حصلت نعيمة سميح من الملك محمد السادس على وسام الكفاءة الوطنية بمناسبة الذكرى السابعة لعيد الجلوس، كما وجدت لديه الرعاية الصحية والاجتماعية وكان لها سندها الدائم في فترة مرضها، وقالت في أحد تصريحاتها "ليعلم الجميع أنه لولا الملك محمد السادس لما استطعت إجراء عمليتين جراحيتين كانتا تتطلبان مبالغ كبيرة"، وقد صدقت في ذلك، ورحلت عن الدنيا وهي تنعم باحترام رسمي وشعبي في بلد كان دائما يعرف كيف يقدّر مبدعيه وكيف يضعهم في المراتب التي هم جديرون بها.