البنك الدولي يحصي الثمن الباهظ للحرب في لبنان المثقل بالأزمات

تقييمات صادمة لتآكل نمو الناتج المحلي الإجمالي بفعل تواتر المشاكل.
السبت 2025/03/08
انظر، الخراب في كل مكان

أعطت تقديرات دولية جديدة لخسائر الاقتصاد اللبناني بفعل الحرب الأخيرة مع إسرائيل لمحة عن التحديات الكبيرة، التي تعترض الحكومة، والتي تحتاج إلى مليارات الدولارات لإعادة الإعمار عبر دعم خارجي عاجل من أجل مواجهة هذه المعضلة.

بيروت - تسببت الحرب الأخير في لبنان في أضرار كبيرة مست أجزاء واسعة للبنية التحتية وقطاع أخرى أظهرتها إحصائيات حديثة الجمعة، في الوقت الذي يحاول فيه المجتمع الدولي تقديم مساعدات للبلد من أجل الخروج التدريجي من هذه المحنة.

وكان البلد يمر أساسا بمشاكل اقتصادية ومالية معقدة منذ أكثر من خمس سنوات بسبب فساد الطبقة السياسية التي أوصلته إلى مرحلة حرجة جدا جعلت الاقتصاد يتحول إلى الدولرة.

وقدّر البنك الدولي في تقييمات حديثة صدرت الجمعة كلفة إعادة الاعمار والتعافي في لبنان عقب الحرب المدمّرة بين إسرائيل وحزب الله، بنحو 11 مليار دولار.

وخاض الطرفان مواجهة استمرت لأكثر من عام، انتهت في أواخر نوفمبر الماضي، باتفاق لوقف إطلاق النار بموجب برعاية أميركية وفرنسية.

وألحقت الحرب دمارا هائلا في مناطق واسعة من جنوب لبنان وشرقه وفي ضاحية بيروت الجنوبية. كما كبدت البلاد التي تعاني انهيارا اقتصاديا منذ خريف 2019، خسائر اقتصادية هائلة.

وفي تقرير بعنوان “التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في لبنان لعام 2025″، قدّر البنك الدولي “احتياجات إعادة الإعمار والتعافي في أعقاب الصراع الذي شهده لبنان بنحو 11 مليار دولار”، منها مليار دولار مخصصة لقطاعات البنية التحتية، المتضررة بشدة.

محافظتا النبطية والجنوب الأكثر تضررا من الحرب، تليهما محافظة جبل لبنان
محافظتا النبطية والجنوب الأكثر تضررا من الحرب، تليهما محافظة جبل لبنان

وقدر البنك في تقرير صدر في نوفمبر الماضي قبل وقف إطلاق النار في وقت لاحق من ذلك الشهر أن الخسائر في البنية التحتية للبنان تبلغ حوالي 3.4 مليار دولار.

وخلص التقرير الجديد الذي أعده البنك بطلب من الحكومة اللبنانية، إلى أن “التكلفة الاقتصادية للصراع في لبنان تقدّر بنحو 14 مليار دولار،” 7.2 مليار دولار منها جراء “انخفاض الإنتاجية، والإيرادات الضائعة، وتكاليف التشغيل.”

وشمل التقييم السريع للأضرار أغلب القطاعات والتي تتمثل في الزراعة والأمن الغذائي والتجارة والصناعة والسياحة والتعليم والبيئة والطاقة والصحة والإسكان والخدمات البلدية والعامة والنقل والمياه والصرف الصحي والري.

ويعد قطاع الإسكان، وفق التقرير، “الأكثر تضررا”، إذ تُقدر الأضرار فيه بنحو 4.6 مليار دولار، إضافة إلى خسائر قطاعات التجارة والصناعة والسياحة التي قدرت بحوالي 3.4 مليارات دولار في جميع أنحاء لبنان.

وكانت محافظتا النبطية والجنوب الأكثر تضررا من الحرب، تليهما محافظة جبل لبنان التي تضم الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وفق البنك الدولي.

ويُعاني لبنان من أزمة مالية واقتصادية منذ عام 2019، أفقدت الليرة نحو 90 في المئة من قيمتها، وأدّت إلى انهيار القطاع المصرفي، وتخلُّف الدولة عن سداد 30 مليار دولار من السندات الدولية.

وتشكل إعادة الإعمار إحدى أبرز التحديات التي تواجه الحكومة اللبنانية. وتعوّل بيروت على دعم خارجي وخصوصا من دول الخليج للحصول على مساعدات لتمويل إعادة الإعمار والتعافي من الانهيار الاقتصادي.

لبنان يقف على أعتاب استحقاقات اقتصادية هائلة تتمثل في الحفاظ على بعض المنجزات التي حدثت خلال الفترة الماضية

ومن المتوقع أن تقوم دول خليجية بضخ تمويلات لإعادة إعمار لبنان مع عودة العلاقات تدريجيا مع بيروت وخاصة من السعودية مؤخرا التي تعهدت بإحياء التعاون التجاري والسياحي.

كما أبدت قطر والإمارات التزاما بتقديم الدعم اللازم لجعل لبنان يخرج من هذه المحنة التي أرهقت الناس وزادت من معاناتهم المعيشية في ظل نقص الوقود والعديد من السلع وتقنين الكهرباء وغيرها من المشاكل التي على رأسها تضخم الأسعار بشكل لا يطاق.

وليست الحكومة اللبنانية التي تعاني من نقص السيولة والشلل منذ فترة طويلة في وضع يسمح لها بالمساعدة، وقد يكون المانحون الدوليون مرهقين بسبب احتياجات ما بعد الحرب في قطاع غزة وسوريا المجاورة.

ويقف البلد على أعتاب استحقاقات اقتصادية هائلة تتمثل في الحفاظ على بعض المنجزات التي حدثت خلال الفترة الماضية، مثل سعر صرف الليرة المستقر، والتوازن المالي.

ويُعدُّ تنشيط القطاع المصرفي أمراً حاسماً لتحسين الوضع الاقتصادي في لبنان، خاصةً بعد أن باءت المحاولات السابقة بالفشل في ظل عدم تمكن المشرعين والمقرضين والبنك المركزي من الاتفاق على خطة لإعادة هيكلة النظام المصرفي.

وبعد سنوات من الجمود السياسي، تم تشكيل حكومة جديدة تضم 24 وزيراً في الثامن من فبراير الماضي، لتعود المؤسسات الحكومية إلى العمل عقب انتخاب جوزيف عون رئيسا.

14

مليار دولار حجم الخسائر الإجمالية، منها 11 مليار دولار ستكون كلفة لإعادة الإعمار

وتم تكليف نواف سلام بتشكيل حكومة، والذي خاض محادثات استمرت أكثر من 3 أسابيع مع الأحزاب السياسية في البلاد للوصول إلى تشكيلة حكومية تحظى بثقة مجلس النواب.

وصرح سلام للصحافيين في بيروت، أن أول حكومة دائمة منذ أكتوبر 2022 “ستمضي في تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية.”

وتعرض الاقتصاد اللبناني إلى الانكماش بفعل الحرب بواقع 7.1 في المئة خلال العام الماضي، وهي انتكاسة كبيرة مقارنة بنسبة نمو مقدر بنحو 0.9 في المئة في حال عدم حصول النزاع، بحسب البنك الدولي.

وكتب معدو تقرير المؤسسة الدولية المانحة يقولون إنه مع نهاية عام 2024 لامس الانخفاض التراكمي في الناتج المحلي الإجمالي للبنان نحو 40 في المئة.

وأشاروا إلى أن ذلك الوضع أدى إلى تفاقم آثار الركود الاقتصادي متعدد الجوانب، إضافة إلى الآثار السلبية على آفاق النمو الاقتصادي للبلاد.

وفي أكتوبر الماضي حذر برنامج الأمم المتحدة من أنه دون دعم دولي كبير، فإن التوقعات الاقتصادية للبنان ستظل قاتمة، حيث من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.28 في المئة هذا العام و2.43 في المئة أخرى في 2026.

ويعيش اللبنانيون تحت وطأة تضخم مفرط، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية بشكل هائل، لتقفز من 2.9 في المئة في 2019 إلى أكثر من 170 في المئة العام الماضي، وطيلة هذه الفترة أحدث هذا الأمر تفاوتا في القدرة الشرائية للناس.

ووفقا لإحصائيات الأمم المتحدة لعام 2023، يعيش أكثر من 80 في المئة من السكان البالغ عددهم 5.3 مليون نسمة تحت خط الفقر وسط تضخم مرتفع تجاوز في بعض المراحل 300 في المئة، ما أثّر على القوة الشرائية وجعل تأمين الاحتياجات تحديا يوميا.

وللتعامل مع هذه الأزمة يحتاج الرئيس عون إلى وضع سياسات اقتصادية عاجلة، مثل تعزيز الأمن الغذائي، وتشجيع الإنتاج المحلي، ودعم الفئات الأكثر ضعفا عبر برامج حماية اجتماعية فعالة.

11