الأصول الأجنبية للبنوك السعودية تحت ضغط شح السيولة وتمويل المشاريع

التحدي أمام البنوك السعودية يتمثل في أن التمويل بالودائع ميسورة الكلفة والمستقرة لن يكون كافيا لديها.
الجمعة 2025/03/07
نحتاج لمرونة أكبر في التحول الاقتصادي

الرياض - يصطدم التزام القطاع المصرفي السعودي بتمويل مشاريع رؤية 2030 بصعوبات نتيجة العجز في الأصول الأجنبية، والذي يشكل أحد التحديات أمام مشاركة البنوك في الخطط التنموية للتحول الاقتصادي.

وفي سابقة منذ ثلاثة عقود تواجه البنوك عجزا بصافي الأصول الأجنبية، ما أثار جدلا بشأن ما إذا كان هذا العجز يعكس أزمة محتملة أم أنه مجرد مرحلة مؤقتة ضمن دورة النمو الاقتصادي.

وصافي الأصول الأجنبية هو الفرق بين إجمالي الأصول الأجنبية التي تحتفظ بها البنوك العاملة في السعودية والالتزامات المترتبة عليها تجاه الخارج، وعادةً ما يُنظر إليه كمؤشر رئيسي على قدرة القطاع المصرفي على مواجهة التقلبات المالية وإدارة التزاماته الخارجية.

وتظهر أرقام البنك المركزي السعودي، التي تعود إلى شهر يناير الماضي، استمرار ارتفاع المطلوبات الأجنبية بوتيرة أسرع من الأصول الأجنبية.

وخلال الأشهر السبعة الماضية ارتفعت المطلوبات بنحو 68.8 مليار ريال (18.35 مليار دولار)، غالبيتها التزامات تجاه بنوك أجنبية، في حين لم يزد نمو الأصول الأجنبية سوى 42.8 مليار ريال (11.4 مليار دولار).

وتسبب ذلك الوضع في استمرار العجز المالي، الذي ظهر في بداية النصف الثاني من العام الماضي، للمرة الأولى منذ عام 1993.

علي الحازمي: إقدام البنوك على الاقتراض الخارجي لا يشكل تهديدا جوهريا
علي الحازمي: إقدام البنوك على الاقتراض الخارجي لا يشكل تهديدا جوهريا

وسبق أن حذرت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية في تقرير مطلع نوفمبر الماضي أن هذه المشكلة تضغط على البنوك رغم أن أجندة تنويع الاقتصاد توفر فرصة كبيرة لنمو القطاع ككل خلال السنوات المقبلة مدفوعا بنمو الطلب على القروض.

واعتبرت موديز أن التحدي أمام البنوك يتمثل في أن التمويل بالودائع ميسورة الكلفة والمستقرة لن يكون كافيا لديها للاستجابة للطلب المتنامي المرتبط بالبنية التحتية ومشاريع التنمية المندرجة ضمن برامج الرؤية.

وتتضمن الرؤية مشاريع عملاقة في قطاعات مختلفة، بما في ذلك السياحة والإسكان والبنية التحتية وغيرها من المشاريع التي لم تكن سابقا في ذهن القيادة السعودية.

ووفقا لبيانات تداول السعودية التي جمعتها بلومبيرغ الشرق، أصدرت البنوك السعودية أدوات دين مقومة بالدولار بقيمة 8.3 مليار دولار خلال عامي 2024 و2025، ما يعكس تزايد الحاجة إلى السيولة.

ويُعد الاقتراض الخارجي سلاحا ذا حدين، فبينما يمكن أن يكون خيارا إستراتيجيا لدعم السيولة وتعزيز النمو الاقتصادي، إلا أنه قد يتحول إلى عبء مالي مع مرور الوقت.

لكن علي الحازمي عضو جمعية الاقتصاد الأميركية قلل من القلق إزاء استمرار الجهاز المصرفي في الاقتراض الخارجي، معتبرا أن هذه التغيرات تعكس حيوية الاقتصاد السعودي ولا تستدعي الخوف.

وقال لبلومبيرغ الشرق إن “الفجوة بين حجم الإقراض والودائع دفعت البنوك إلى اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، لكن ذلك ليس تهديدا جوهريا، نظرا لما تتمتع به البنوك السعودية من استقرار مالي وقدرتها على إدارة أسعار الفائدة المرتفعة بكفاءة.”

ومع استمرار تقلب أسعار النفط، قد تضطر البنوك إلى المزيد من الاقتراض، وهو ما يطرح تساؤلات حول تأثيره على الاستقرار المصرفي في المستقبل.

وترجّح ثلاثة دوافع زيادة بيع الديون من البنوك في الفترة المقبلة، تتمثل، أولا في شح السيولة المحلية، فقد ارتفعت نسبة القروض إلى الودائع إلى 106.4 في المئة بحلول أكتوبر 2024، وفق مصرف الراجحي، ما يعكس حاجة البنوك إلى مصادر تمويل إضافية.

ووفقا لبلومبيرغ إنتليجنس، فإن هذا الضغط على السيولة دفع البنوك السعودية نحو الاقتراض الخارجي.

وثاني الدوافع يتمثل في تمويل المشاريع الكبرى، فوسط تسارع تنفيذ المشاريع المرتبطة برؤية 2030، بما في ذلك البنية التحتية والتطوير العقاري والوجهات السياحية والمدن الصناعية واللوجستية، تسعى البنوك إلى تأمين تدفقات رأسمالية جديدة.

وتريد البنوك دعم توسعها الائتماني لتمويل الاستثمارات الضخمة المطلوبة في هذه المشاريع، ما يجعل الاقتراض من الخارج خيارا جذابا رغم ارتفاع أسعار الفائدة.

◙ البنوك تريد دعم توسعها الائتماني لتمويل الاستثمارات الضخمة المطلوبة في هذه المشاريع ما يجعل الاقتراض من الخارج خيارا جذابا

أما الدافع الثالث فمرده ضغوط على إيرادات النفط، إذ مع بقاء أسعار النفط دون مستوى 80 دولاراً للبرميل، يواجه الاقتصاد السعودي تحديات في إيرادات النفط، التي تُعد مصدرا رئيسيا لتمويل الودائع المصرفية. وتحتاج السعودية، العضو الأبرز في تحالف أوبك+ مع روسيا، إلى سعر 100 دولار للبرميل من أجل الحفاظ على الإنفاق المخطط له.

ويرى محمد مكني، أستاذ المالية والاستثمار في جامعة الإمام محمد بن سعود، أن الاقتصاد السعودي يشهد مرحلة من النمو والاستثمار المكثف، ما يستدعي ضخ المزيد من السيولة لدعم المشاريع التنموية الكبرى.

وأشار إلى أن قيام البنوك بتحويل بعض ودائعها الأجنبية إلى العملة المحلية يُعد إجراء طبيعيا في هذه المرحلة لتعزيز الاقتصاد. ورغم استمرار العجز في صافي الأصول الأجنبية، يرى الخبراء أن تأثير ذلك على استقرار السيولة بالعملة الأجنبية لا يزال محدوداً.

ويعزو مكني ذلك إلى “كفاءة إدارة البنك المركزي السعودي للسياسة النقدية، حيث يعمل باحترافية عالية تقلل من احتمالات حدوث اضطرابات في سعر صرف الريال،” خاصة مع استمرار ارتباطه الوثيق بالدولار الأميركي.

ويؤكد الحازمي أن المركزي السعودي يمتلك احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي، ما يمنحه القدرة على التدخل عند الحاجة للحفاظ على استقرار العملة المحلية، وهو ما يعزز الثقة في استقرار الاقتصاد السعودي بشكل عام.

أمّا عن تنامي الاقتراض الخارجي من قِبل البنوك السعودية في الآونة الأخيرة، فينوّه مكني بأن التزامات البنوك السعودية بالعملة الأجنبية لا تزال ضمن نطاق آمن، حيث تشكل حوالي 9 في المئة فقط من إجمالي أصول البنوك العاملة في المملكة حتى نهاية يناير 2025.

لكنه قال “لو ارتفعت هذه النسبة إلى مستويات غير آمنة، لكان لذلك تأثير سلبي على التصنيف الائتماني للبنوك السعودية، ومع ذلك فهي لا تزال تحتفظ بتصنيف مستقر يعكس قوة القطاع المصرفي”.

11