تونس تبدأ خطوات فعلية لاستعادة نسق إنتاج الفوسفات

تتطلع تونس إلى معالجة مشاكل قطاع الفوسفات الحيوي واستعادة نسق الإنتاج إلى مستوى ما قبل 2011، وذلك بعد تعثره بسبب الاحتجاجات والإضرابات وسوء الإدارة، ما انعكس سلبا على موارد الدولة.
تونس - أكد الرئيس التونسي قيس سعيّد في لقاء بوزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة ثابت شيبوب على ضرورة استعادة إنتاج الفوسفات إلى مستوى أعلى من السابق، في خطوة كشفت حسب المراقبين شروع السلطات في تحركات فعلية لاستعادة نسق الإنتاج في القطاع الحيوي.
وتعثر إنتاج الفوسفات لأكثر من عشر سنوات متسببا في خسارة البلاد للمليارات من الدولارات نتيجة توقف الإنتاج وما رافقه من احتجاجات وإضرابات وسوء إدارة الحكومات المتعاقبة لهذا القطاع. وكان الفوسفات مصدرا للعملة الصعبة التي تضخ في ميزانية تونس، لكن مع الفوضى السياسية التي دخلت فيها البلاد بعد 2011 انخفض الإنتاج وانعكس ذلك سلبا على موارد الدولة.
كما كان مستوى الإنتاج كبيرا ما قبل فترة 2011، وحتى عام 2010 بلغ الإنتاج 8.2 مليون طن، وهو رقم كبير مقارنة بما ينتج الآن، إذ بحسب أحدث المعلومات المرتبطة بعام 2022 لا يتجاوز الإنتاج أربعة ملايين طن.
وشدّ قيس سعيّد في بلاغ ورد بالصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية، مساء الثلاثاء على “ضرورة أن يستعيد هذا القطاع لنسق الإنتاج الذي كان عليه بل وأكثر مع الحفاظ على حقوق العمّال كاملة والأخذ بالاعتبار مشاق العمل في قطاع المناجم، هذا مع إعادة بناء العديد من المرافق العمومية التي كانت موجودة ثمّ تلاشت واندثرت."
كما دعا الرئيس التونسي إلى “ضرورة وضع إستراتيجية جديدة لغسل الفوسفات باستعمال مياه الصّرف الصحّي بعد معالجتها عوض استعمال الماء الصالح للشرب، فمثل هذا الاختيار يُتيح الاقتصاد في الماء كما ثبت نجاحه في العديد من الدول."
◙ وفق أرقام رسمية لشركة فوسفات قفصة، بلغ الإنتاج8.1 مليون طن، في 2010 بينما تراجع إلى نحو 2.9 مليون طن في 2023
وتأمل تونس في إزالة العراقيل أمام تطوير قدراتها على إنتاج الفوسفات خلال السنوات القادمة، ومن بينها تجدد الإضرابات التي تقودها النقابات ما أثر على نسق الإنتاج. وشهد القطاع الحيوي تعافيا ملحوظا في الفترة الأخيرة بفضل عودة النشاط على الرغم من بعض الصعوبات التي لا تزال تعترضه.
وتأمل تونس في أن تستعيد مكانتها كأبرز المصدرين مستفيدة من ارتفاع كبير في أسعار الأسمدة بسبب الحرب في أوكرانيا خاصة في ظل المنافسة القوية مع المغرب. وعانى القطاع الحيوي خلال الأعوام الأخيرة من تواتر الإضرابات والتحركات الاحتجاجية التي عرقلت الإنتاج في العديد من مناطق الحوض المنجمي.
واضطرت شركة الفوسفات إلى انتداب الآلاف من الموظفين للقيام بأعمال بيئية بعد موجة احتجاجات طالبت بالتشغيل والتنمية وتسببت في إيقاف إنتاج المادة طيلة العديد من الأشهر، ما ألقى على عاتقها أعباء مالية. وفي نوفمبر الماضي، أكدت وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة ثابت شيبوب تراجع إنتاج الفوسفات إلى أقل من 50 في المئة مما كان عليه في العام 2011.
وجاء حديث الوزيرة خلال نقاش حول مشروع ميزانية الدولة لعام 2025، في جلسة عامة مشتركة بين مجلسي نواب الشعب والجهات والأقاليم في قصر باردو. ويرى خبراء وناشطون أن استمرار الأزمة يعود إلى عدم انعكاس إنتاج الفوسفات في الحوض المنجمي على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مواقع الإنتاج.
واستثمرت دوائر فساد محلية (ولاية قفصة) في أزمة البطالة وحاجة المنطقة إلى توظيف أبنائها لإغراق شركة فوسفات قفصة بتعيينات عشوائية تقدّر بالآلاف من العاملين غير المتخصصين وغير القادرين على تطوير المؤسسة. وطال الفساد مواصفات عربات النقل التي تم شراؤها، إذ اكتشفت الشركة أن العربات لا تستجيب لحاجياتها، فضلا عن وجود تضارب في المصالح لمستوردين صاروا يعتمدون على الأسمدة الجزائرية ويعرقلون الإنتاج التونسي.
ومنتصف أغسطس الماضي، أفاد رئيس دائرة المتابعة والتوثيق بشركة فوسفات قفصة مراد السليمي، في تصريح صحفي، بإنتاج 1.8 مليون طن من الفوسفات خلال النصف الأول من 2024. ووفق أرقام رسمية للشركة على موقعها الإلكتروني، فإن إنتاجها في 2010 بلغ 8.1 مليون طن، بينما تراجع في 2022 إلى 3.5 مليون طن ونحو 2.9 مليون في 2023.
وتقول الشركة في بيانات إن “انخفاض الأرقام عن عام 2011 يعود إلى الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها مدن الحوض المنجمي (ولاية قفصة) بعد ثورة الرابع عشر من يناير من العام نفسه." وترى أن "هذا الوضع المتوتر أثر على استمرارية العمل في الشركة وتسبب في عدة انقطاعات، ما ولد تأثيرا سلبيا على كافة المؤشرات التجارية والفنية للشركة."