مبادرة تشريعية لسد الفراغ التنظيمي في الإعلام التونسي

فوضى إعلامية وإشهارات دون قيود بعد تجميد الهايكا.
الأربعاء 2025/03/05
وسائل الإعلام تصنع الرأي العام

قدم نواب في البرلمان التونسي مبادرة تشريعية تتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري وتفعيل الهيئة المسؤولة عن القطاع وضبط اختصاصها في ظل الفوضى الإعلامية حيث يفتقر القطاع لتنظيم يحقق التوازن بين الحرية والمسؤولية.

تونس - انعكس غياب هيئة تعديلية على المشهد الإعلامي في تونس بعد تجميد هيئة الاتصال السمعي البصري “الهايكا”، فبات يعج بالفوضى والمخالفات المهنية في حين أن إنشاء مثل هذه الهيئة سيكون خطوة نحو إعلام أكثر مهنية واستقلالية، يعزز الديمقراطية ويخدم مصلحة المجتمع التونسي.

وسعيا لملء الفراغ التنظيمي تقدّم 16 نائبا من مجلس النواب التونسي الأسبوع الماضي، بمبادرة تشريعية تتمثل في مقترح قانون أساسي يتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري وبتنظيم هيئة الاتصال السمعي البصري وضبط اختصاصاتها.

وبيّن النائب ثابت العابد من الكتلة الوطنية المستقلة، في تدوينة نشرها اليوم على صفحته في فيسبوك، أنه تم إيداع مقترح القانون، نظرا “للأهمية التي تكتسيها حريّة الاتصال السمعي البصري في تدعيم مقومات الانتقال الديمقراطي، والارتباط الوثيق بين مهام الهيئة (هيئة الاتصال السمعي البصري) من جهة وممارسة هذه الحرية الدستورية من جهة أخرى.”

ويجمع الوسط الصحفي في تونس على أهمية وجود هيئة تعديلية مستقلة للإعلام تضمن حرية الصحافة دون فوضى وتكافح الأخبار الزائفة وتحمي حقوق الصحافيين، وتنظم المشهد الإعلامي بشكل يحقق التوازن بين الحرية والمسؤولية.

وأكّد العابد في تصريحات لبرنامج “ميدي شو” على إذاعة موزاييك المحلية، إن مقترح القانون الذي تقدم به نواب في البرلمان يندرج في إطار تعديل قطاع الاتصال السمعي البصري الذي عرف تحولات انتقالية منذ 2011 من إعلام حكومي إلى عمومي ثم عاش حالة فوضى وتداخل بين السياسي والإعلامي والمنابر تحولت لخدمة سياسيين دون التداول في الشأن العام بشكل حيادي وبلغ الأمر ذروته في 2014 حين تحول الإعلام إلى حلبة للصراع مما تسبب في حالة عزوف عن متابعة السياسة والإعلام.

وتابع العابد “ثم ظهرت أجناس جديدة للإعلام على غرار الاشهار وبرامج الدردشة خاصة في الإذاعات وغاب التداول في الشأن العام والإعلام أدار ظهره للسياسة”، وشدّد على أنّ المؤسسات الرسمية للدولة هاجرت من وسائل الإعلام إلى مواقع التواصل الاجتماعي رغم أنها منصات خطيرة تقسم المتعاملين معها إلى مجموعات ليفقد معها الصحافي دوره كوسيط ووكيل للجمهور، مستدركا “المعلومة في فيسبوك أصبحت أسرع من وسائل الإعلام لكن هذا لا يلغي دورها باعتبارها تصنع الرأي العام بشكل محايد وحرّ.”

ويؤكد متابعون وجود فوضى إعلامية تستدعي وجود هيئة تعديلية مستقلة تضمن توازنه وتؤدي إلى بيئة إعلامية أكثر مهنية ومسؤولية. ففي ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وظهور إعلام بديل غير منظم، بات من الصعب التمييز بين الأخبار الصحيحة والمضللة، وهو الفخ الذي وقعت فيه بعض وسائل الإعلام، بينما يمكن لهيئة تعديلية أن تضع معايير واضحة للتحقق من صحة الأخبار ومعاقبة الجهات التي تروج للتضليل.

ثابت العابد: الإعلام تحول إلى حلبة للصراع مما تسبب في عزوف الجمهور
ثابت العابد: الإعلام تحول إلى حلبة للصراع مما تسبب في عزوف الجمهور

وتقوم الهيئة التعديلية بدور مهم بالنسبة لتنظيم الإشهار وضمان عدم تحوله إلى أداة للتلاعب بالرأي العام. من خلال وضع قوانين واضحة تمنع الإعلانات السياسية والتمويل غير الشفاف للإعلام الذي يمكن أن يؤثر على توجهاته ويجعل بعض الوسائل الإعلامية منحازة لفئات معينة.

ولاحظ الكثيرون أن شهر رمضان يشهد منذ العام الماضي مع تجميد عمل الهايكا، ارتفاعا كبيرا في نسبة الإشهارات (الإعلانات) مقارنة بالأعوام السابقة التي كانت فيها الهيئة تفرض زمنا محددا للإعلانات.

وباتت القنوات التلفزيونية تستغل مناسبة عرض الإنتاج الدرامي المكثف لإغراقها بالإعلانات. واعتادت الهايكا منذ تأسيسها، أن تشدد فيه مراقبتها للمضامين التي تبثها وسائل الاتصال السمعي والبصري استنادا إلى القواعد القانونية التي حددها المرسوم 116 وكراس شروط إسناد التراخيص للإذاعات والقنوات التلفزيونية، مسلطة غرامة على القنوات التي تتجاوز القانون.

ومنذ العام الماضي سُحبت من الهيئة سلطة تسليط العقوبات على المخالفين للقانون بعد تجميد مجلسها، في المقابل لم يكن من العسير على أي متابع للمضامين التي تبثها القنوات التلفزية ملاحظة كثافة المساحات الإشهارية التي تتخلل خاصة المسلسلات الرمضانية هذا العام.

وتم إنشاء الهايكا، في الثالث من مايو 2013 بمقتضى المرسوم رقم 116 بتاريخ 2 نوفمبر 2011، المتعلّق بحريّة الاتّصال السّمعي البصري وبإحداث الهيئة. وهي مؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية.

وتقوم الهيئة بتنظيم قطاع الإعلام السمعي البصري وتعديله، وضمان تعدده وتنوعه وتوازنه واستقلاليّة وسائله، وتسهر على ضمان حرية التعبير في إطار احترام الضوابط القانونية. كما تسهر الهيئة على دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون. ولم يجتمع مجلسها منذ مطلع سنة 2024.

واعتبر العابد أنّ الهيئة من أهم الإنجازات في 2011 والتي جاء بها المرسوم 115 و116 وكان دورها تعديليا، مشيرا إلى أنها “اليوم أصبحت جسدا دون رأس نتائجها موجودة وإدارتها تشتغل وهناك موظفون ومركز رصد وإمكانيات ولكن بعد الانتخابات وعدم الاتفاق مع هيئة الانتخابات تم تجميدها… لكن لا يمكن التغافل عن أنّ المشهد الإعلامي محتاج إلى هيئة تعديلية.”

وبيّن أنّ مقترح القانون يتنزل ضمن تعديل القطاع الاتصال السمعي البصري وتركيز هيئة للخروج من حالة الفوضى، قائلا “نأمل أن يستعجل مكتب مجلس نواب الشعب النظر في مقترح القانون وأن لا يكون مآله كمآل مقترح تعديل المرسوم 54 لأن المشهد الإعلامي يحتاج إلى هيئة تعديلية والهايكا رغم كلّ ما يعاب عليها لكن دورها أفضل بكثير من تجميدها لأن ذلك جعل المشهد الإعلامي في حالة فوضى غير مسبوقة.”

وأضاف أن مقترح القانون، جاء حاملا لهذا التصور الشمولي، بحيث تضمّن بابا مخصصا للمبادئ العامة، وآخر يتعلق بتنظيم الهيئة وسيرها، بينما خصص الباب الثالث لقطاع الإعلام السمعي البصري، وتناول الباب الرابع مختلف المخالفات والعقوبات، أما الباب الخامس فيتعلق بالأحكام الختامية والانتقالية.

ويمكن لتونس الاستفادة من تجارب العديد من الدول التي تضم هيئات تعديلية ناجحة مثل “المجلس الأعلى للإعلام” في فرنسا و”هيئة الاتصالات والإعلام” في المملكة المتحدة، عبر تبني نموذج يتلاءم مع خصوصياتها السياسية والاجتماعية.

5