الرئيس اللبناني إلى السعودية لبناء علاقات متوازنة والتعاون الاقتصادي

بيروت - يتوجه الرئيس اللبناني جوزيف عون الإثنين إلى السعودية، على ما أفاد مصدر في الرئاسة، في أول زيارة خارج البلاد منذ انتخابه قبل نحو شهرين بدعم خارجي من دول عدة على رأسها الولايات المتحدة والمملكة، يرى مراقبون أنها تتعدى البعد الدبلوماسي، بعد أن وجهت بيروت رسائل عدة حتى قبل إتمامها.
وتظهر الزيارة مدى أهمية المملكة بالنسبة إلى لبنان في المرحلة القادمة، لبناء علاقات متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وفي الوقت نفسه، تقدير دورها ومكانتها في المنطقة، مع عدم الانجرار إلى محاصصة الهيمنة السنية برعاية سعودية بعد أن كان لبنان وعلى مدى عقود ساحة خلفية لطهران وأحد مسارح النفوذ الإيراني.
ويأمل عون أن يتجاوب السعوديون مع التغييرات التي يريد لبنان الجديد أن يؤسس لها بالقطيعة مع نظام المحاصصة والارتهان للخارج خاصة أن الظرف الداخلي والخارجي بات مهيأ لهذه التغييرات، بعد أن خرج حزب الله من المعادلة السياسية، وفقدت وإيران نفوذها في لبنان بعد خسارة سوريا وتشدد السلطات اللبنانية في مراقبة ما يدخل عن طريق مطار بيروت.
كما يأمل عون التركيز على المصالح المشتركة مع المملكة، مثل التعاون الاقتصادي والأمني، ويريد بناء علاقة مثمرة تخدم مصلحة البلدين، في ظل تحديات سياسية واقتصادية كبيرة يواجهها لبنان، حيث يسعى إلى استعادة استقراره وتجاوز أزماته.
وعادت السعودية مؤخرا الى المشهد السياسي في لبنان بعد انكفاء طويل، اعتراضا على تحكّم حزب الله بالقرار اللبناني، وتصريحات قادته الاستفزازية بالإضافة إلى تصديره لمخدر الكبتاغون وتقديمه المساعدات والخبرات العسكريّة لأعداء المملكة.
وقال مصدر في القصر الرئاسي لوكالة الصحافة الفرنسية إن عون "سيغادر اليوم" الاثنين الى السعودية.
وكان عون قد أعلن بعد يومين على انتخابه أن السعودية ستشكل وجهته الخارجية الأولى، إثر تلقيه دعوة لزيارتها خلال اتصال هاتفي أجراه به ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان، انطلاقا من دورها "التاريخي" في دعم لبنان وتأكيدا "لعمق لبنان العربي كأساس لعلاقات لبنان مع محيطه الاقليمي".
وفي مقابلة صحافية نوّه عون الجمعة بـ"العلاقة القديمة" بين البلدين. وقال "آمل وأنتظر من السعودية وخصوصا ولي العهد.. أن نصوّب العلاقة لمصلحة البلدين، ونزيل كل العوائق التي كانت في الماضي القريب، حتى نبني العلاقات الاقتصادية والطبيعية بيننا، ويعود السعوديون إلى بلدهم الثاني لبنان".
وأوضح عون أن الزيارة ستشكل مناسبة لشكر السعودية على دورها في إنهاء الشغور الرئاسي الذي استمر لعامين، لم يتمكن خلاله حزب الله أو خصومه من فرض مرشحهم لعدم تمتع أي منهما بأكثرية تخوله فرض مرشحه.
وأتاح تراجع نفوذ إيران وحلفائها في المنطقة، وفق محللين، بانتخاب عون رئيسا.
وحظي انتخاب عون رئيسا بدعم خمس دول تعاونت في حلّ الأزمة الرئاسية اللبنانية، بينها السعودية التي شكلت خلال عقود داعما رئيسيا للبنان، قبل أن يتراجع تباعا اهتمامها بالملف اللبناني على وقع توترات إقليمية مع طهران، داعمة حزب الله.
وجاء انتخاب عون رئيسا للبلاد في 9 يناير، على وقع تغيّر موازين القوى في الداخل. إذ خرج حزب الله من مواجهته الأخيرة مع إسرائيل، أضعف في الداخل بعدما كان القوة السياسية والعسكرية الأبرز التي تحكمت بمفاصل الحياة السياسية، وبعد سقوط حليفه بشار الأسد في سوريا المجاورة.
وفي خطاب القسم، تعهد عون اعتماد "سياسة الحياد الإيجابي"، بعيدا عن سياسة المحاور الإقليمية، وبإقامة "أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة انطلاقا من أن لبنان عربي الانتماء والهوية".
ويعول لبنان على دول الخليج، خصوصا السعودية، من أجل دعمه في التعافي من انهيار اقتصادي غير مسبوق يعصف بالبلاد منذ خريف 2019، وللحصول على مساعدات لتمويل مرحلة إعادة الإعمار، بعدما خلفت الحرب الاسرائيلية دمارا واسعا في أجزاء من جنوب لبنان وشرقه وفي ضاحية بيروت الجنوبية.
ومن شأن الدعم السعودي الذي يلمس نتائجه اللبنانيون في حياتهم اليومية أن يعطي مساحة أكبر لجوزيف عون لجعل العلاقة مع السعودية أولوية على المدى البعيد واعتبارها شريكا إستراتيجيا للبنان.
وإذا كان الموقف اللبناني يريد كسب السعودية في صفه، فإن الخطة السعودية تجاه لبنان بالمقابل لا تزال غير واضحة، فهل ستكتفي الرياض بدعم محدود وانتظار التغييرات التي ستحدث في بيروت أم أنها ستستمر في النأي بنفسها عن لبنان، في استمرار لمواقفها السابقة بترك لبنان يواجه مصيره بسبب أن السياسيين اللبنانيين قد قبلوا بنفوذ حزب الله ودعّموه.
ويقول مراقبون إن اللبنانيين يريدون انفتاحا حقيقيا على السعودية وعلى الخليج عموما من باب الشراكة المتكافئة وعلى قاعدة الندية وليسوا مستعدين لاستبدال نفوذ إيران وحزب الله بنفوذ جديد حتى وإن كانوا في حاجة إلى الدعم المالي والاستثمارات والسياح لإحياء اقتصادهم.
ويرى المراقبون أن اللبنانيين يريدون سعودية لا تمارس دورا تسلطيا أو تنقطع على طريقة تعاملها مع سعد الحريري حين رفعت عنه يدها كليا بقرار حاسم، مشددين على أن اللبنانيين لم يخرجوا من ظل إيران ليتقبلوا مظلة سعودية تفرض عليهم شروطا جديدة.
وأرسل المسؤولون اللبنانيون في الفترة الأخيرة ما يؤشّر على حدوث تغيير في توجه بلادهم بعد انتخاب رئيس جديد وتعيين نواف سلام رئيسا للحكومة واختيار وزراء تغلب عليهم صفة التكنوقراط، لكن تجربة السعودية مع الحكومات اللبنانية السابقة تدفعها إلى الحذر في انتظار حدوث تغييرات حقيقية، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان خلال مؤتمر دافوس في حديثه عن لبنان بتأكيده "الحاجة إلى رؤية إصلاحات ملموسة، والتزام في لبنان بألا يتطلع إلى الماضي بل إلى المستقبل، من أجل إعادة التفاعل مع البلاد."
وحرص قادة لبنان قدر الإمكان على عدم إغضاب السعودية بشأن التعامل مع حزب الله. وخلال تشييع جنازة حسن نصرالله، الأمين العام الراحل للحزب، لم يحضر جوزيف عون ولا نواف سلام، ولكن أرسلا من ينوب عنهما، في رسالة واضحة إلى السعوديين.
ولم تخف الخارجية السعودية دعمها لموقف الجيش اللبناني الحازم حيال الاحتجاجات التي قام بها أنصار حزب الله حيث أعربت عن "دعمها الكامل للإجراءات التي اتخذتها الجمهورية اللبنانية لمواجهة محاولات العبث بأمن المواطنين اللبنانيين، والتعامل بحزم مع الاعتداء على قوة الأمم المتحدة، اليونيفيل."
ومنذ سنوات لا تسمح السلطات السعودية بسفر مواطنيها إلى لبنان إلا بموجب تصريح مسبق، وذلك على خلفية توترات أمنية وسياسية شهدها البلد بسبب انتهاكات حزب الله وتصريحات قادته التي اضرت بعلاقات لبنان بمحيطه العربي وبدول الخليج.
وفي العام 2016، قالت الرياض إنها أوقفت برنامجا بقيمة 3 مليارات دولار لإمدادات عسكرية إلى لبنان احتجاجًا على مصادرة حزب الله القرار السياسي لصالح داعمته إيران.
وفي نوفمبر 2017، أعلن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري في خطاب متلفز من الرياض استقالته، متهما إيران بإحكام قبضتها على بلاده.
وكان وزير الإعلام اللبناني الأسبق جورج قرداحي المقرب من حزب الله أساء للسعودية والإمارات في 2021 حين قال انهما تشنان "اعتداءات" في اليمن قبل ان يقدم استقالته بعد ان تدهور تصريحاته في تدهور العلاقات السعودية اللبنانية.
وأوقفت الرياض واردات الفواكه والخضروات من لبنان في أبريل من ذلك العام، قائلة إن الشحنات تستخدم لتهريب المخدرات واتهمت بيروت بالتقاعس. وبعد عام على ذلك، أعلنت الرياض عودة سفيرها إلى لبنان.