دعوة أوجلان تمنح العراق فرصة الخلاص من العبء التاريخي لحزب العمال الكردستاني

مصداقية لمقاربة الحزب الديمقراطي وفرصة للاتحاد الوطني للإفلات من الضغوط التركية.
السبت 2025/03/01
فرصة لطي صفحة دامية من تاريخ المنطقة

دعوة مؤسس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان لإلقاء السلاح والانخراط في حل سلمي للصراع ضدّ تركيا لا يعتبر فقط مكسبا لأنقرة، بل يمثّل أيضا فرصة للعراق للتخلص من تبعات صراع مزمن وجد نفسه طرفا فيه دون أن تكون له أيّ مصلحة من ورائه، عدا الخسائر التي جناها على مختلف الصعد الأمنية والاقتصادية والسياسية.

بغداد- تفتح إمكانية السلام التي أصبحت قائمة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني بعد الدعوة التي أطلقها الزعيم التاريخي للحزب عبدالله أوجلان لإلقاء السلاح، للعراق فرصة التخلّص من العبء الأمني والسياسي وحتى الاقتصادي الذي تحمّله على مدى أربعة عقود من تواجد هؤلاء المقاتلين الأكراد على أرضه.

ومن شأن إنهاء وجود مقاتلي الحزب في مناطق شاسعة من الشمال العراقي سلميا أن يرفع الحرج عن بغداد التي ظلت دائما موضع ضغوط تركية باعتبارها متنازلة عن سيادة الدولة على جزء من أراضيها ومشاركة في احتضان منظمة إرهابية وفق التوصيف التركي، كما من شأنه أن يفتح الطريق للمزيد من التعاون بين تركيا والعراق في نطاق مساعي الأخير لتنويع شراكاته مع بلدان المنطقة وإعادة التوازن لعلاقاته الإقليمية المختلة لمصلحة إيران.

كما ينطوي الأمر على مصلحة اقتصادية وتنموية مباشرة وآنية تتمثّل في تهيئة الأرضية الأمنية والسياسية لإنجاز مشروع طريق التنمية المشترك بين العراق وتركيا والإمارات وقطر والذي من المقرر أن يربط مياه الخليج بالحدود التركية عبر الأراضي العراقية بما في ذلك مناطق الشمال التي ينتشر في عدد منها مقاتلو حزب العمال الكردستاني.

إقليم كردستان العراق أكثر تضررا من صراع تركيا مع حزب العمال كون أغلب فصول الحرب دارت على أرضه

وشهدت العلاقات التركية – العراقية مؤخّرا قفزات نوعية شملت الملف الأمني وتحديدا قضية حزب العمال الذي أبدت بغداد توافقا كبيرا مع أنقرة بشأنه وأعلنته تنظيما محظورا داخل الأراضي العراقية.

وتسبب انتشار مقاتلي الحزب منذ مطلع تسعينات القرن الماضي على مساحات عراقية تقدّر بقرابة الثمانية آلاف متر مربع متفرقة بين عدة محافظات بحالة من عدم الاستقرار الأمني خصوصا وأنه استدرج تدخلا عسكريا تركيا تزايد نطاقه خلال السنوات الأخيرة وتحوّل في بعض الأحيان إلى تواجد مستمر من خلال إقامة عدد من القواعد وشق شبكة مسالك تربط بينها وتصلها بالأراضي التركية، ما جعل الحكومات العراقية بما في ذلك الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني عرضة لانتقادات ومزايدات من قوى سياسية موالية في الغالب لإيران ولا تتردّد في اتهامها بالتفريط في السيادة الوطنية وعدم الجدية في حماية أراضي البلاد من التدخل العسكري الأجنبي.

ويُعتبر إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي في نطاق الدولة الاتحادية العراقية المتضرّر المباشر من تواجد مقاتلي حزب العمّال في العراق كون معظم حلقات الصراع المسلح للحزب ضد القوات التركية دارت على أراضي الإقليم وتسببت في أضرار مباشرة لسكانه وأعاقت استقرار العديد من المناطق وعطلت تنميتها.

وجاءت دعوة أوجلان التي وجهها من محبسه التركي في جزيرة إمرالي لإلقاء السلاح والانخراط في عملية سلمية مع تركيا لتضفي مصداقية على منظور قيادات كردية عراقية وتحديدا قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني لقضية حزب العمال، ولتُبرز فاعلية الجهد السلمي الذي انخرط فيه بارزاني نفسه وظهر مؤخرا إلى العلن من خلال عقده اجتماعات مع جهات كردية منخرطة في الصراع ضد تركيا بما في ذلك استقباله مؤخرا وفدا من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب أطلق عليه إعلاميا اسم وفد إمرالي في إشارة إلى الجزيرة التي يسجن فيها أوجلان.

وأثارت دعوة أوجلان حالة من الارتياح في إقليم كردستان وعموم العراق عبّرت عنها وزارة الخارجية العراقية في بيان رحّبت فيه بالدعوة واعتبرتها “إيجابية في تحقيق الاستقرار في المنطقة وخطوة بالغة الأهمية نحو تعزيز الأمن، ليس فقط في العراق بل في المنطقة بأسرها”.

وشدّدت الوزارة في بيانها على أن “الحلول السياسية والحوار هما السبيل الأمثل لمعالجة الخلافات وإنهاء النزاعات”.

ودعا أوجلان الخميس حزب العمال الكردستاني الذي أسّسه إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه، في إعلان تاريخي صدر بعد أربعة عقود من النزاع المسلح الذي يخوضه الحزب مع أنقرة.

وأعربت الخارجية العراقية عن أملها “في أن تُترجم هذه الدعوة إلى خطوات عملية وسريعة لإلقاء قوات الحزب سلاحها”.

وشدّدت الحكومة العراقية المركزية في الأشهر الأخيرة لهجتها ضد حزب العمال الكردستاني وصنّفته منظمة محظورة.

وطالبت تركيا بغداد ببذل جهود أكبر في هذه القضية. وفي منتصف أغسطس الماضي وقّع البلدان اتفاق تعاون عسكري يتعلق بإنشاء مراكز قيادة وتدريب مشتركة كجزء من الحرب ضد الإرهاب. وأكّدت الخارجية العراقية في بيانها التزام الحكومة الاتحادية “بالعلاقات القوية مع الجارة تركيا”.

واتخذ الترحيب في كردستان العراق بخطوة أوجلان بعدا أكبر كون أكراد البلاد أكثر تشابكا مع الصراع بين تركيا وحزب العمال بحكم العامل القومي وأيضا بسبب معاناتهم المباشرة أمنيا واقتصاديا وتنمويا من تداعيات ذلك الصراع المزمن.

وأعرب المرجع الكردي زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني عن أمله بأن تكون دعوة أوجلان للسلام، “بداية لوضع العملية السلمية في مسارها“.

وعبْر بيان رسمي قال بارزاني “نؤكد موقفنا الثابت إزاء عملية السلام والتسوية في تركيا، ونعلن دعمنا الكامل للعملية بكل ما يمكن من منطلق رؤيتنا بأن السلام هو السبيل الصحيح الوحيد لحل الخلافات.

وأضاف “نأمل بأن تكون رسالة السيد أوجلان بداية لوضع عملية السلام في مسارها والتوصل إلى نتيجة تصب في مصلحة جميع الأطراف“.

كما رحب رئيس إقليم كردستان  نيجيرفان بارزاني من جهته بدعوة زعيم حزب العمال داعيا إلى “الالتزام بالدعوة وتنفيذها،” ومبديا استعداد الإقليم لتقديم كل الدعم لعملية السلام والقيام بدور المساعد لها والتعاون في إنجازها.

وأصدر رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني من جهته بيانا أكد فيه دعمه للحلول السلمية في المنطقة. وقال في بيانه “نعرب عن ترحيبنا وتأييدنا لأيّ محاولة هادفة لحل المشاكل في المنطقة بالسبل السلمية،” مؤكّدا أن إقليم كردستان “كان على الدوام عاملا محوريا للسلام والاستقرار في المنطقة،” ومضيفا “نؤكد من هذا المنطلق استعدادنا لتقديم كل أشكال التعاون والاضطلاع بأيّ دور في سبيل إنجاح عملية السلام في تركيا.”

وكان لافتا ضمن مواقف القيادات الكردية العراقية من دعوة أوجلان، موقف الاتحاد الوطني الكردستاني ممثلا برئيسه بافل طالباني من الدعوة ذاتها.

ويكتسي ملف حزب العمال حساسية خاصة للاتحاد الوطني الذي يقيم علاقات متينة مع الحزب جعلته موضع اتهام من قبل تركيا باحتضان مقاتليه في مناطق نفوذه ومساعدته في حربه ضدّ القوات التركية.

وخضع الاتحاد بسبب ذلك لضغوط تركية وصلت حدّ التهديد باستخدام القوة العسكرية ضدّه. ولهذا السبب جاءت دعوة أوجلان للسلام بمثابة سُلّم لحزب طالباني للنزول من الشجرة الشاهقة التي اعتلاها.

ورحب رئيس الاتحاد بدعوة زعيم حزب العمال الكردستاني واصفا إياها بـ”الرسالة المسؤولة والمطلوبة في المرحلة الحالية.”

وقال في بيان “إن الرسالة تأتي بهدف توحيد صفوف الكرد والبحث عن حل سلمي للمشكلات وفق مبدأ الشراكة لبناء مستقبل مشرق وآمن لشعب كردستان.” وأكد أن حزبه “يعتبر هذه الرسالة خطوة هامة لبداية مرحلة جديدة نحو تعزيز التلاحم والأخوة بين الكرد والترك،” مشيرا إلى “أهمية عدم إهدار هذه الفرصة التاريخية.”

3