الحكومة المصرية تستبق رمضان بتعزيز الحماية الاجتماعية

القاهرة - استبق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي شهر رمضان، ووافق على خطة الحكومة لزيادة مظلة الحماية الاجتماعية لتأكيد انحيازه للبسطاء ودعم العلاقة معهم، على أمل امتصاص غضب الشارع في خضم ارتفاع غلاء المعيشة والزيادات المتلاحقة في الأسعار، بالتوازي مع تقلبات إقليمية قد تكون غير مؤتمنة.
ركزت خطة الحكومة على تسريع ترضية البسطاء ماليا من خلال زيادة قيمة معاش تكافل وكرامة بقيمة 300 جنيه (الدولار= 51 جنيها) لكل مستفيد خلال شهر رمضان، مع زيادة دائمة بنسبة 25 في المئة بداية من شهر أبريل المقبل، وتستفيد منها 5.2 مليون أسرة تمثل حوالي 22 مليون شخص يتحصلون شهريا على إعانات مالية من وزارة التضامن الاجتماعي.
وتقررت زيادة قيمة الدعم التمويني بداية من شهر رمضان حتى يونيو المقبل لنحو 10 ملايين أسرة بقيمة تتراوح بين 125 و250 جنيها، بواقع 125 جنيها للبطاقة التموينية التي تضم ثلاثة أفراد، و250 جنيها للبطاقة التي تضم أربعة أفراد، وتوفير اعتمادات مالية لإنهاء العمليات الجراحية لنحو 60 ألف حالة مرضية من البسطاء المدرجين على قوائم الانتظار.
وأعلنت الحكومة تدشين صندوق بقيمة عشرة مليارات جنيه يوجه لصالح تمكين الأسر البسيطة المتقدمة بطلبات انضمام للحصول على إعانات مالية شهرية ضمن برنامج تكافل وكرامة، بحيث يتم الصرف لأي أسرة غير مدرجة وتستحق، مع توفير تمويل لحصول العمالة غير المنتظمة بقيمة 1500 جنيه بواقع مرة كل شهرين.
وقررت الحكومة تأجيل الزيادات المقررة للموظفين لتكون بداية من يوليو المقبل، ويزيد الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه، والمعاشات بنسبة 15 في المئة، مع تخصيص ألف جنيه علاوة غلاء معيشة لكل الموظفين بخلاف تلك الزيادة، كمظلة حماية اجتماعية للعاملين بالدولة.
وتؤكد تلك القرارات أن الرئيس السيسي يتمسك بالتعامل مع الشريحة الفقيرة بحسابات دقيقة عبر الاستمرار في توسيع إجراءات الحماية الاجتماعية لهم وترضيتهم على فترات متقاربة لتنحيتهم عن غضب الشارع من غلاء الأسعار، بحيث يظلون تحت أعين الحكومة دائما، وإن ضحت بمخصصات مالية في ذروة الأزمة الاقتصادية.
وتعتقد دوائر سياسية في القاهرة أن مظلة الحماية الاجتماعية الجديدة محاولة لاستمرار تكريس الاستقرار وعدم إثارة منغصات سياسية في توقيت حرج تحتاج فيه الدولة إلى تثبيت التكاتف خلفها لمواجهة التهديدات المرتبطة بملف تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر، بحيث يتفرغ النظام لتلك التحديات دون مخاوف من تماسك الداخل.
وتعوّل السلطة في مصر على الفقراء ومتوسطي الدخل في مواجهة التحديات، بحكم أنهما يمثلان الكتلة الشعبية الأكبر، بالتالي لا ترغب السلطة في تفتيت فئة موثوق في دعمها، أو تؤثر الأعباء المعيشية على توجهاتها وعلاقتها برأس السلطة.
ويرى معارضون أن الزيادات الجديدة لن تحد من الغلاء أو توفر الحياة الكريمة للبسطاء، وواقعيا تسيّر تلك الشريحة الكثير من أمورها من مساعدات الحكومة، في صورة مبالغ مالية شهرية تتحصل عليها، أو سلع أساسية بمبالغ رمزية تشتريها من منافذ الحكومة، والتي تركز على توفير سلة غذاء بأسعار معقولة لها.
ويعبّر هذا التوجه عن تراجع ضمني من جانب الحكومة عن تطبيق الدعم النقدي وإلغاء الدعم العيني الخاص بالسلع التموينية، كما كانت تخطط تنفيذا لروشتة صندوق النقد الدولي، خشية غضب تلك الشريحة، والتي اعتادت التعاطي مع الرئيسي السيسي باعتباره المنقذ، كلما جارت الحكومة عليها.
فسّر إكرام بدرالدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، المساعدات العاجلة بأن الحكومة بعثت برسالة طمأنة للبسطاء تؤكد عدم تخليها عنهم، وللشارع تفيد بأن الدولة قوية وقادرة على تحسين الأوضاع المعيشية وأن الظرف الاقتصادي ليس بهذا السوء.
وأضاف بدرالدين في تصريح لـ”العرب” أن توقيت مظلة الحماية الاجتماعية الجديدة يحمل دلالة تؤكد أن النظام ليس منفصلا عن الشارع، لتثبيت تماسك الجبهة الداخلية أمام اتساع دائرة التحديات الخارجية، لأن وجود رضاء عند الكتلة الشعبية الأكبر وسط التقلبات الإقليمية ضمانة حقيقية لتعزيز الاستقرار.
ولم يعد النظام المصري يخشى كثيرا من تأثير المعارضة على تحريك الشارع، لأنها بلا تأثير أو أرضية شعبية كبيرة، لكن هناك شواهد تؤكد أن زيادة الضغط على المواطنين، وتحميلهم فوق طاقاتهم، يصعب التبنؤ بعواقبها، ومهما كانت هناك خسائر اقتصادية بفواتير إضافية لمظلة الحماية الاجتماعية فالخسائر السياسية أشد.
ولا تخلو الترضيات المالية لمن يتحصلون عليها بعد أيام أو خلال يوليو المقبل، من وجود توجه لدى السلطة لإحياء الأمل عند الناس بأن الظروف الاقتصادية قابلة للتحسن، ولم يكن لتصل تلك الرسالة سوى بإجراءات عملية تقوم خلالها الحكومة بتحمل فاتورة إضافية تجعل المواطن يشعر ببارقة أمل في الغد.
ويشير مراقبون إلى أن تلك الخطوة وإن كانت إيجابية، فهي غير كافية أمام موجات الغلاء المتصاعدة، والشيء المفيد أن النظام لديه قناعة بأن تخفيف الضغوط الاجتماعية أقرب الطرق لتحقيق الهدوء السياسي، وهذا في حد ذاته ثقافة مفقودة من جانب الحكومة التي لا تراعي أن النسبة الأكبر من المصريين فقراء.
واستقبلت شريحة من المواطنين قرارات الحماية الاجتماعية بحالة من الرضا جراء تزامنها مع حلول شهر رمضان، الذي يحتاج إلى متطلبات معيشية مضاعفة، لكن هناك فئة ترى أن تقديم منح أشبه بمساعدات خيرية لن يحد من صعوبات المعيشة، ولا بديل عن حلول بعيدة عن القرارات التي تستهدف تخدير الشارع.
وعبّرت شريحة ثالثة عن مخاوفها من أن تكون القرارات الأخيرة مقدمة لموجة غلاء تخطط لها الحكومة، حيث اعتادت أن تأخذ باليد اليسرى ما تمنحه باليمنى، وذلك نتاج ميراث طويل من تهاوي الثقة في الحكومة.
لكن مصادر حكومية أكدت لـ”العرب” أن قرارات زيادة المساعدات المالية للبسطاء لن تتبعها موجة غلاء أو قرارات صعبة من جانب الحكومة، وستكون هناك مراجعات لتسعيرة بعض الخدمات والسلع مع بداية العام المالي الجديد في يوليو المقبل.
ويعبّر هذا التوجه عن تعامل النظام الحاكم مع تثبيت الاستقرار الأمني والسياسي كأولوية قصوى، لأن الحكومة إذا تهورت في هذا التوقيت سوف تتحمل السلطة وحدها الارتدادات العكسية، وقد تصطدم بتوترات يصعب ترويضها في ظل تحديات تتطلب تجييش الرأي العام خلف مؤسسات الدولة، مهما كانت التكلفة الاقتصادية.