ضغوط الأسعار تتحدى نمو سوق الإسكان السعودي

تختبر الأسعار المرتفعة قدرة السعودية على تنفيذ برامجها المتعلقة بتنمية سوق الإسكان والذي من الواضح أنه لا يزال يحتاج إلى ضبط إيقاع بشكل يتيح تحقيق أهداف الحكومة في زيادة تملك المنازل، خاصة في ظل بروز مؤشرات على تقلص عدد المشترين.
الرياض - تواجه السعودية تحديات متزايدة في سوق العقارات السكنية، حيث أدت الأسعار المرتفعة وتكاليف الاقتراض العالية إلى تراجع الإقبال على تملك المنازل، حسب تقييمات نشرته الأربعاء شركة الاستشارات العقارية نايت فرانك.
وذكرت الشركة، استنادا إلى مسح أجرته مؤخرا، وشمل أكثر من ألف أسرة، أن نسبة المشترين لأول مرة الذين يتطلعون لشراء منزل تراجعت إلى 29 في المئة من 40 في المئة خلال عام 2023.
ويعتقد العديد من المشترين أن الأسعار مرتفعة للغاية، وأنهم بحاجة إلى مزيد من الوقت للادخار، ويرغبون في خيارات تمويل أكثر تنوعا، وفقا لتقرير نايت فرانك عن السعودية لعام 2025.
وارتفعت أسعار الشقق في العاصمة الرياض بنحو 11 في المئة إلى ما يعادل نحو 1500 دولار للمتر المربع في عام 2024.
واستثمرت الحكومة بكثافة في بناء المساكن منذ إطلاق أجندة التنويع الاقتصادي مطلع عام 2016، وذلك في إطار سعيها لاستيعاب النمو السكاني المتزايد ورفع معدلات تملك السعوديين للعقارات.
وقدّر خبراء نايت فرانك أن احتياجات السعودية تتطلب بناء 115 ألف منزل كل عام على مدى السنوات الست المقبلة لتلبية الطلب المحلي المتنامي، لكنهم حذّروا من أن المعروض في السوق لا يتطابق مع توقعات المشترين الفعلية.
ووضعت الحكومة هدفا يتمثل في زيادة نسبة تملك المواطنين للمساكن إلى نحو 70 في المئة بحلول عام 2030، مقارنة بنسبة 63.7 في المئة حاليا.
ويسهم هذا الهدف، بالإضافة إلى زيادة تكوين أسر جديدة، في تحفيز الطلب على شراء العقارات السكنية، حيث تبلغ نسبة من تقل أعمارهم عن 20 عاما حوالي 45 في المئة من المواطنين السعوديين.
ومن المرجح أن يصل الطلب على المساكن إلى 825 ألف وحدة، منها حوالي 35 في المئة بالعاصمة الرياض مع استمرار القدرة على تحمل التكاليف كعامل أساسي في السوق، وفق تقديرات شركة الأبحاث البريطانية.
وقال فيصل دوراني، رئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط لدى نايت فرانك، خلال مقابلة أجرتها مع وكالة بلومبيرغ في السعودية إن “جوهر المسألة يكمن في عدم التوافق بين توقعات المشترين والأسعار الحالية أو الواقع في السوق.”
وبرز سوق العقارات السعودية كأحد المجالات الأكثر نشاطا خلال السنوات الماضية مدفوعا بانتعاش الناتج المحلي الإجمالي الكلي في أكبر اقتصادات المنطقة العربية، وفي ظل سياسة فتح الأبواب أمام النساء للمشاركة في النهوض بمؤشرات النمو.
وتراهن الحكومة على زيادة إسهام العقارات في القيمة المضافة، وتفكيك العقبات والتحديات لتحقيق نسبة تملك مهمة وتغطية الطلب على الإسكان ميسور التكلفة، ما يحقق فورة اقتصادية في ظل المساعي إلى تنويع مصادر التمويل.
ولذلك أنشأت في العام 2018 شركة لإعادة التمويل بهدف ضخ حوالي 13.33 مليار دولار في قطاع الإسكان حتى العام 2024.
كما ترجمت خطتها لدعم هذا القطاع بإصدارها في شهر أكتوبر 2020 تحفيزات وإعفاءات ضريبية جديدة، في مبادرة تعكس حرص البلد الخليجي على إسهامه في دفع الاقتصاد على أسس أقوى وأكثر استدامة.
وأسس صندوق الثروة السيادية البالغ أصوله 925 مليار دولار في عام 2022 الشركة الوطنية لخدمات التسجيل العيني للعقار “السجل العقاري”، التي ستعمل من خلال منصة رقمية متكاملة.
وتظل القدرة على تحمل التكاليف مصدر قلق رئيسي، كون ميزانيات أصحاب الدخل المنخفض والمتوسط لا تغطي متوسط أسعار المنازل، حسب نايت فرانك.
وقد يتمكن أصحاب الدخل المرتفع، بناء على تقييمات شركة الأبحاث، من تحمل أسعار المساكن الجديدة، لكن هذه الفئة من السكان السعوديين تظل صغيرة نسبيا.
وتشمل قائمة المطورين الذين يساهمون في زيادة المعروض مجموعة روشن، المدعومة من صندوق الثروة، ودار غلوبال التي أعلنت مؤخرا عن خطط لبناء مشاريع فاخرة جديدة بالتعاون مع منظمة ترامب في العاصمة الرياض.
وأسندت إلى شركة أن.أتش.سي، الوطنية للإسكان سابقا، والتي تمثل الذراع التنفيذي والاستثماري لوزارة الإسكان، مهمة بناء عقارات بأسعار أكثر ملاءمة.
ويعتقد دوراني أن ثمة خطر حقيقي “يتمثل في فائض المعروض من المساكن الفاخرة بالسوق السعودية خلال السنوات الخمس المقبلة، ما لم يتم تحديد مصادر جديدة للطلب أو استقطابها، وعلى وجه الخصوص، الطلب من المشترين الدوليين.”
وتتوقع نايت فرانك أن يؤدي التغيير المرتقب في قوانين تملك الأجانب إلى تمهيد الطريق أمام تدفق الاستثمارات من الخارج في بعض المنازل الفاخرة الجديدة لدى السعودية.
وفي الوقت الحالي، يمكن للأجانب الحصول على إقامة طويلة الأجل في البلد من خلال استثمار حوالي 1.1 مليون دولار في العقارات السكنية.
كما أن التخفيف الأخير للقواعد المتعلقة بالاستثمار العقاري الأجنبي في المدينتين المقدستين، مكة والمدينة المنورة، يشكل أقوى إشارة حتى الآن إلى احتمال المزيد من التيسير في المستقبل، حسب دوراني.
ويرى خبراء نايت فرانك أنه على الرغم من أن المدينتين استقطبتا اهتماما كبيرا في ما يتعلق بملكية العقارات، إلا أن العاصمة الرياض تظل الوجهة الأكثر طلباً للعيش في أكبر اقتصادات المنطقة العربية.
ومع ذلك، شهدت السعودية كذلك أسرع وتيرة لنمو الأسعار، فقد ارتفعت كلفة الفيلا في الرياض بأكثر من 6 في المئة إلى نحو 1400 دولار للمتر المربع خلال العام الماضي.
وفي خضم ذلك، تشهد العاصمة الرياض تحولا نحو الطلب على الإيجار مقابل التملك مع تزايد انتقال العمالة الأجنبية وهجرة الشباب السعوديين من مناطق أخرى داخل السعودية.
وقال دوراني إن “تركيزهم (المستهلكين) ليس على شراء منزل، بل على الإيجار، وهو ما يشهد نقصاً في المعروض.”
ويرى أن سوق البناء بغرض التأجير “توفر” فرص نمو هائلة للمطورين، وقال إن “توفير خيارات شراء أكثر بأسعار معقولة سيكون عاملاً حاسماً في تلبية الطلب.”
وشدد على أن التحدي لا يتعلق بعدم وجود الطلب في السوق السعودية، بل “أننا لا نبني حالياً المنتج الذي يتوافق مع الطلب الحالي.”