دعوة إلى الإضراب في قطاع الإعلام التونسي تكشف فقدان ثقة الجمهور به

شريحة واسعة من التونسيين تشكك في مصداقية وسائل الإعلام المحلية.
الأربعاء 2025/02/26
إعلام دون تأثير

كشف الإعلان عن عزم قطاع الإعلام في تونس اللجوء الى إضراب مدى غياب ثقة الجمهور به وضعف تأثيره على الرأي العام، بغض النظر عن الأسباب الكامنة وراء الإضراب ومطالب الصحافيين الذين يعانون بدورهم من أزمات عديدة.

تونس – أثار إعلان نقابة الصحافيين التونسيين عن عزمها تنفيذ إضراب عام، وتفويض المكتب التنفيذي لاختيار موعده وتنظيم حملة جماعية لجمع القاعدة الصحفية، موجة واسعة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أظهرت التعليقات مدى تراجع ثقة الجمهور بالإعلام وضعف أدائه وتأثيره على الرأي العام.

وأطلقت النقابة نداء للإضراب العام في قطاع الإعلام احتجاجا على “قمع حرية التعبير والتعديات المستمرة على الصحافة التونسية،” غير أن ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي أعربت عن عدم الاهتمام بسير القطاع وسط تساؤلات من قبل العديد من الصحافيين بشأن جدوى الخطوة في وقت ينتظرون فيه أن يتقاضوا أجورهم المتوقفة منذ أشهر، مع تعليقات متهكمة.

وكتب الخبير الإعلامي صلاح الدين دريدي في تعليق على صفحته في فيسبوك:

وقال دريدي في تعليق آخر “أكبر المستفيدين من المرسوم 54 هم ‘الإعلاميون’ الذين حازوا مساندة النقابات الإعلامية وأصبحوا يحملون صفة ‘زملاء’ في المهنة بكل استحقاق.”

وعلق ناشط ساخرا على فيسبوك:

ولا تخرج التعليقات عما درج عليه الرأي العام في السنوات الأخيرة والانتقادات الموجهة إلى الإعلام المحلي، حيث شهد تراجعًا ملحوظًا في مستوى الثقة، وأصبحت شريحة واسعة من التونسيين تشكك في مصداقية وسائل الإعلام المحلية.

ويلاحظ الكثير من التونسيين تزايد الأخبار الزائفة والمضللة، إضافة إلى غياب التدقيق في بعض المعلومات المنشورة. كما أن بعض الصحافيين يتعاملون مع الأخبار بطريقة غير مهنية، وهو ما يزيد من التشكيك في مصداقية المؤسسات الإعلامية.

ويخضع الإعلام في تونس لضغوط مالية تدفع بعض المؤسسات إلى الانحياز لمصالح المعلنين أو رجال الأعمال، وهو ما يؤثر على استقلالية المحتوى الإعلامي.

ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح الإعلام التقليدي يُواجه تحديًا في تقديم محتوى جاد وهادف، ما دفع بعض القنوات والمواقع إلى التركيز على الإثارة والترويج لمواضيع سطحية بهدف زيادة نسب المشاهدة، وهو ما أثر سلبًا على ثقة الجمهور.

ويرى إعلاميون ومثقفون في تونس أن هذه الظاهرة تعبر عن أزمة الإعلام الأساسية المتمثلة في غياب المهنية لحساب المال بسبب قلة احترام بعض الوجوه في قطاع الإعلام، ومعها تيار من الصحافيين، لأخلاقيات المهنة ومواثيق الشرف المهنية والنقابية، وللقوانين المنظمة لقطاع الإعلام.

ويؤكد هؤلاء أن أزمات قطاع الإعلام استفحلت بسبب أخطاء مهنية شارك في ارتكابها عاملون في المؤسسات الإعلامية ومشرفون عليها، منها الانخراط في لعبة المصالح وصراعات اللوبيات. وكان من نتائجها الخلط بين الحريات الصحفية والفلتان الإعلامي والأمني.

ويؤكد متابعون أن الإعلام التونسي يبقى عنصرًا أساسيًا في بناء الديمقراطية، لكن استعادة ثقة الجمهور تتطلب إصلاحات حقيقية تعزز مصداقيته واستقلاليته. فإذا لم يتم التصدي للأسباب التي أدت إلى فقدان الثقة، فقد يزداد تأثير الأخبار الزائفة والمصادر غير الموثوقة، ما يُهدد الاستقرار المجتمعي والسياسي في البلاد.

نقابة الصحافيين ركزت على مواجهة السلطة أكثر من القيام بدور فاعل والبحث عن حلول لأزمة الثقة مع الجمهور التونسي

ويضيف هؤلاء أن تعزيز المهنية والاستقلالية مسألة أساسية إذ يجب فرض معايير مهنية صارمة وتعزيز أخلاقيات الصحافة لضمان الموضوعية والحياد. كما يجب الاستثمار في صحافة التحقق من المعلومات وتوعية المواطنين بضرورة التحقق من الأخبار قبل تصديقها، بالإضافة إلى تعزيز دور الإعلام العمومي ليكون نموذجًا في الاستقلالية والمصداقية، بعيدًا عن الضغوط السياسية والمالية.

غير أن دور نقابة الصحافيين في الفترة الأخيرة خصوصا ركز على مواجهة السلطة في معارك مستمرة أكثر من القيام بالبحث عن حلول لأزمة الثقة مع الجمهور التونسي.

ومن بين المطالب الأساسية التي طالبت بها نقابة الصحافيين التونسيين الإضراب العام في القطاع الإعلامي والضغط لإلغاء المرسوم رقم 54، بالإضافة إلى المطالبة بإطلاق سراح الصحافيين المسجونين ووقف التتبع القضائي بحقهم بموجب هذا المرسوم. كما دعت النقابة إلى تحسين ظروف العمل في الإعلام الخاص، والتطبيق الكامل لقانون الحصول على المعلومات، وتسهيل عمل الصحافيين في جميع الجهات دون تذرع السلطات بطلب التراخيص.

وتمت محاكمة عدد من الصحافيين بتهم مختلفة من بينها ما يتعلق بالمرسوم 54، وفي خطوة اعتبرت من قبل بعض المراقبين بمثابة بوادر “انفراجة نسبية” قررت الجهات القضائية الأسبوع الماضي إطلاق سراح ثلاث من الشخصيات البارزة في ميدان حقوق الإنسان والإعلام.

وتم الإفراج قبل أيام قليلة عن الصحافي محمد بوغلاب، المسجون منذ مارس الماضي، في قضيتين تتعلق إحداهما بالإساءة إلى أستاذة جامعية، والأخرى تتعلق بالتشهير بموظفة رسمية.

وحوكم بوغلاب في قضية “التشهير بموظفة رسمية” خلال حديث في برنامج إعلامي، بالسجن لمدة 8 أشهر، فيما قررت المحكمة تأخير البت في قضية الإساءة إلى أستاذة جامعية حتى 21 أبريل المقبل، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الرسمية التونسية.

ورحبت الجمعية التونسية لمديري الصحف بالإفراج عن بوغلاب وقالت في بيان إنها تأمل أن يكون ما تم تسجيله بارتياح بداية انفراج حقيقي يتوّج بإطلاق سراح بقية الصحافيين والإعلاميين ومختلف من شملتهم بطاقات الإيداع في قضايا الرأي.

وأكدت الجمعية أن القاعدة القانونية العليا هي أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وعليه فإن السجن يظل استثناء والأصل إبقاء المتهم بحالة سراح ما لم يهدد بقاؤه خارج أسوار السجن الأرواح البشرية أو السلم الاجتماعي، مع التأكيد على ضرورة محاسبة كل من أخطأ وعلى وجوب محاربة الفساد في إطار العدل.

وجددت موقفها المبدئي المتمثل في أن محاكمة الصحافيين والإعلاميين أثناء أو بمناسبة مباشرة مهامهم تتم وفق المرسوم 115 دون غيره، وذكرت في الآن نفسه أنها أعدت مع شركائها من الأطراف الممثلة للصحافة والإعلام منذ سنة 2017 مشروع قانون أساسي للصحافة والإعلام وحرية التعبير، والذي قابلته الحكومات المتعاقبة السابقة ولأغراض سياسية معلومة بالتسويف رغم جديته ومواكبته للتطورات الحاصلة بعد ثورة 17 ديسمبر- 14 يناير 2011، وأضافت “يبقى هذا المشروع اليوم أكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى اعتماده حماية للحقوق والحريات وضمانة للمواطن كمتلق للمعلومة.”

5