قلق تونسي من تأثير تلكؤ البنوك في خفض الفائدة على سوق الإسكان

تونس- بدت أوساط اقتصادية تونسية قلقة من التفاف القطاع المصرفي على قانون خفض الفائدة الذي أصدرته الحكومة مؤخرا من أجل السيطرة على التضخم، الأمر الذي قد يتسبب في مشكلة أكبر لسوق الإسكان المتعثرة أصلا.
وأكّد الخبير المختص في المخاطر المالية مراد الحطاب أن عدم استجابة البنوك طيلة أشهر طويلة لقرار خفض الفائدة على القروض ينبئ ببوادر أزمة كبرى في قطاع العقارات تهدّد المطوّرين والمشترين على حد سواء.
وأوضح في تصريحات لوكالة الأنباء التونسية الرسمية أن تطبيق الفصل 412 من المجلة التّجارية، الذي أقرّ خفض الفائدة للقروض، يشكل خطوة مفصلية في مسار إصلاح القوانين المالية والمصرفية في البلاد.
وأشار إلى أن سنّ القانون تم استنادا إلى المقاييس المعتمدة دوليا، باعتبار أنّ القروض طويلة الأجل يجب أن تكون بنسب فائدة ثابتة حماية للمتعاملين من تقلبات أسعار الفائدة.
وشدد على أن “الالتفاف الواضح على القانون، في هذا الإطار، يحرمهم (المقترضون) من الحقّ في الحصول على السكن اللائق.”
وتتفاقم معاناة التونسيين مع ارتفاع أسعار العقارات على إيقاع الركود في المبيعات، حيث باتوا يواجهون خيارات أكثر صعوبة أو تكاد تكون معدومة بالأساس في سوق يكافح من أجل تعديل بوصلته دون وجود دعم ملموس من الدولة.
وتعوّل تونس على القطاع الخاص لتنشيط سوق الإسكان المتعثر عبر إستراتيجية طموحة تمتد لعشر سنوات، وتأخذ في الاعتبار التحديات الجاثمة على هذه الصناعة، والتي يتوجّب تذليل العقبات أمامها لجعلها مساهما مهمّا في التنمية.
ويتطلع البلد، الذي مر بسلسلة من الأزمات منذ 2011 إلى إحداث اختراق في جدار هذه المشكلة المزمنة من بوابة تغيير ديناميكية سوق الإسكان بمشاريع جديدة علها تسد جزءا من الفجوة الكبيرة في ظل النمو الديموغرافي للبلاد.
وفشلت الحكومات المتعاقبة منذ 2011 في حل الأزمة أو على الأقل الحد من مشاكل الإسكان على اعتبار أن سوق العقارات ظل رهينا للمضاربات وارتفاع التكاليف وعدم قدرة الكثيرين على تحمل أعباء إضافية لتدهور قدراتهم الشرائية ممّا حد من زخم التملك.
لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك الحد فقط، بل يبدو أن تضخم أسعار الاستهلاك والفائدة المرتفعة، التي توظفها البنوك على القروض السكنية كانت أحد الأسباب الأساسية لخمول القطاع، وبالتالي عزوف الناس عن التفكير أساسا في مسألة الشراء.
وتظهر التقديرات أن ربع الأسر من بين 3 ملايين عائلة لا تملك مسكنا، أي ما يعادل نحو 750 ألف أسرة في بلد يبلغ تعداد سكانه 12 مليون نسمة، مما دفع الخبراء مرارا إلى التأكيد على أن هذا المأزق يتطلب رؤية لتنشيط العقارات والبناء والقيام بإصلاحات شاملة.
وبحسب الحطاب، ثمة عدة مؤشرات تبيّن أن بنوكا تستعد لإلغاء برامج حكومية من خطط إقراضها، تهدف إلى حلّ مشكل السكن، وذلك على غرار برنامج “المسكن الأول”.
وتتعلل هذه البنوك بإمكانية أن يتسبب ذلك في تقليص أرباحها، لدرجة أن بعضها خفض من سنوات اقتطاع القروض لتحددها عند 15 سنة بدل 20 سنة كما كان معمولا به سابقا.
نسب الفوائد الموظفة على القروض بين 10.86 في المئة كمعدل نسبة فائدة فعلية و10.03 في المئة كحد أقصى لنسبة الفائدة المرتفعة التي تقابلها وفق بيانات وزارة المالية
ويحذر الخبير التونسي من أن هذه المناورات من شأنها إجهاض تكريس الدّور الاجتماعي للدولة لصالح الشرائح الاجتماعية المتوسطة ومحدودة الدخل.
ويعني ذلك بعابرة أخرى أن كارتيل البنوك يتحدى الدولة، خاصة وأنه يعاب عليه تقاعسه في المساهمة بالتنمية على النحو الأمثل، وأنه يبحث عن جني الإيرادات بالطرق السهلة.
وفي ضوء ذلك، دعا الحطّاب إلى تحميل المسؤوليات في ظلّ عدم تطبيق القانون بما يعني السعي لإجهاضه، من جهة، وباعتبار عدم الانخراط في تنفيذ السياسات التنموية للبلاد، من جهة أخرى.
ووفق التقديرات، فإن قائم القروض السكنية، بمعنى المستحقات الباقي سدادها للبنوك التونسية من قبل الأسر، يصل إلى 12.9 مليار دينار (4.1 مليار دولار) بنهاية الربع الثالث من العام الماضي.
في المقابل، ناهز قائم قروض تحسين المسكن 10.8 مليار دينار (3.43 مليار دولار) في نفس الفترة المذكورة، بحسب آخر البيانات الصادرة عن البنك المركزي في مذكرته المنشورة في شهر أكتوبر الماضي.
وتتراوح نسب الفوائد الموظفة على هذه القروض بين 10.86 في المئة كمعدل نسبة فائدة فعلية و10.03 في المئة كحد أقصى لنسبة الفائدة المرتفعة التي تقابلها وفق بيانات وزارة المالية وهي تعد عالية للغاية، وفق الحطاب.
وعلى هذا الأساس، يعتقد الخبير أن عدم إصلاح منظومة تمويل القطاع ككل يتسبب بشكل مؤكد في أزمة سكن قد تربك الاقتصاد ككل نظرا إلى ارتباط العديد من القطاعات بصناعة العقارات، فضلا عن توفيره للآلاف من فرص العمل.