البنية التحتية المغربية على خط السرعة الفائقة

في ظل السيناريوهات الاقتصادية القاتمة في شمال أفريقيا، يبرز المغرب بفضل البنية التحتية التي تسير على خط السرعة الفائقة، ويعزى ذلك إلى عوامل إستراتيجية، إذ يبدو أكثر قدرة على مواجهة الصدمات مع تركيزه على الاستفادة من فرص النمو مع مراعاة الثبات في قيادة مسار التنمية الشاملة.
الرباط- تشهد البنية التحتية المغربية تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة، حيث تم التركيز على تحسين مختلف القطاعات مثل النقل، والطاقة والصناعة والاتصالات والمرافق العامة الحيوية، بفضل الإستراتيجيات المتبعة بقيادة العاهل المغربي الملك محمد السادس.
وتعكس هذه الحالة الرؤية المستقبلية للسلطات لتحسين مستوى حياة المواطنين، وتعزيز القدرة التنافسية للبلد على الصعيدين الإقليمي والدولي، بينما تمر دول شمال أفريقيا الأخرى بتقلبات كثيرة، خاصة على المستوى الاقتصادي.
ورغم أنه ثمة بعض التحديات، لكن البلد مستمر في القيام بنهضة على كافة الواجهات لضمان تحسين القدرة التنافسية للبلاد في مجالات عديدة وعقد الشراكات الدولية، مع الاهتمام بتوسيع البنية التحتية لتلبية احتياجات النمو الديموغرافي مستقبلا.
وذكر البنك الدولي في أحدث تقاريره مؤخرا أنه “رغم التقاء الصدمات الشديدة والجائحة والجفاف المطول والتضخم وزلزال الحوز، لكن المغرب أظهر مرونة اقتصادية ملحوظة بفضل إطار السياسة الاقتصادية الكلية القوية والاستجابة الحكومية الاستباقية.”
ويعزو فرانسيس غيليس الباحث في مركز برشلونة للبحوث الدولية وزميل زائر في جامعة كينغس كوليدج لندن ذلك لكون المغرب يمتلك مؤسسات قوية وعلى وجه الخصوص، لديه بنك مركزي كفء للغاية يديره عبداللطيف الجواهري، منذ أكثر من عشرين عاما.
وقال خلال بودكاست على منصة “عرب دايجست”، إن “هذه الاستمرارية بين أشخاص مثله (الجواهري)، والذين يتمتعون بالكفاءة ويشغلون وظائفهم منذ فترة طويلة، تشكل نقطة أساسية عندما يتعلق الأمر بالسياسة الاقتصادية بشكل عام.”
ويبدو المركزي أحد الأمثلة، فبعض الشركات الكبرى كمجموعة الفوسفات (أو.سي.بي) لا يزال يقودها نفس الرجل مصطفى التراب “الكفء للغاية”، على مدار عقدين، حيث أصبحت الشركة لاعبا دوليا نشيطا.
وطور التراب أو.سي.بي بعدة طرق. أولا، أنشأ فروعا مع بعض الشركات والشركاء الدوليين في المغرب، والتي لا يتعين عليها اتباع قواعد الخدمة المدنية. وبعبارة أخرى، جعلها أكثر رشاقة، رغم أن مجلس إدارة الشركة يجب أن يقدم حسابات كل عام للحكومة.
كما بذلت جهدا كبيرا للانتقال من شركة تصدر في الغالب الفوسفات الخام، إلى منتجة للأسمدة، إذ أكثر من نصف صادراتها الآن عبارة عن أسمدة، وهو تغيير قال عنه غيليس إنه “ضخم.”
وعلاوة على ذلك، انتقلت الشركة إلى دول مثل البرازيل وأماكن أخرى وبعض دول أفريقيا، فقد كانت القارة محور السياسة الخارجية والاقتصادية منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش سنة 1999.
وأنشأت أو.سي.بي مصانع للأسمدة ومختبرات لتحليل التربة لمعرفة نوع الأسمدة التي ينبغي استخدامها، كما طورت محطات تحلية المياه، لأن شمال البلاد يعاني من الجفاف.
وفي كل الأحوال فإن تغير المناخ، مهما كان ما يفعله المغاربة بالكهرباء الخضراء، يشكل مشكلة، لذا فقد تحرك المسؤولون بالفعل على الجبهة الصناعية، وفق غيليس.
والشيء الآخر المثير للاهتمام، هو أن الشركة أنشأت جامعتين على الأقل، واحدة للتقنية والعلوم في بن جرير، مركز منطقة التعدين وسط البلد، والأخرى في الرباط، جامعة محمد السادس وهي أكثر تخصصا في العلوم الإنسانية والاقتصاد والعلوم السياسية.
وهذه الجامعات أو شركات أخرى تتم في إطار مشاريع مشتركة مع أمثال معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وبوليتكنيك باريس والعديد من الجامعات الأخرى في العالم. وقال غيليس “هذا أعطى المغرب قائمة بمؤسسات التعليم العالي عالية الأداء والمتقدمة للغاية.”
ومع ذلك، هذا لا يتجاهل حقيقة مفادها أن عدد الأشخاص في النظام التعليمي غير كاف، ولكن المغرب تغير بشكل هائل خلال ربع قرن بالاستحواذ على هذه المؤسسات حيث عدد من المعلمين أجانب.
ويوضح غيليس في حديثه أنه “في ظل الملك محمد السادس لديك موظفون مدنيون كبار أكثر كفاءة، وعندما ينجحون، فإنهم يظلون على المسار لمدة عشرين عاما أو أكثر، وهو أمر جيد إذا كان الرجل المناسب في المكان المناسب.”
وينعكس هذا الوضع أيضا عبر القرارات الرئيسية والسلطة التي تقع في أيدي الملك محمد السادس ومستشاريه رغم تغير الحكومات التي بيدها السلطة التنفيذية في ترجمة السياسات العامة للدولة.
وقال غيليس “كانت هذه سمة من سمات السياسة المغربية دائما، أيا كانت الادعاءات بشأن الديمقراطية، وقد ضمنت الاستمرارية.”
وأضاف “لم يغرق المغرب في أي حروب، أيا كانت التوترات مع الجزائر، ولقد انفتح على معاهدات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، ولديه روابط قوية مع أفريقيا وآسيا، وبالطبع الاتحاد الأوروبي.”
وتابع “لذا فهناك إمكانية للتنبؤ بشأن السياسة الكلية المغربية، ولكن أيضا التوجه الاقتصادي واسع النطاق للانضمام إلى العولمة، وهذا لا يعني أنه لا توجد مشاكل.”
ويبدو المغاربة منسجمين جيدا مع الصينيين والهنود والبرازيليين والأميركيين، حيث إنهم، بطريقة ما، على وئام بالفعل مع إدارة دونالد ترامب الجديدة.
وكان ترامب في إدارته الأولى قد اعترف بسيادة المغرب على الصحراء، كما فعل الإسبان والفرنسيون، باعتبارهم شركاء تجاريين رئيسيين، الآن أيضا.
وأوضح غيليس أن الناس يأتون إلى المغرب من الخارج لإلقاء المؤتمرات، “وهناك تبادل مستمر، ليس فقط مع أوروبا، وليس فقط مع العالم الأنجلو ساكسوني، ولكن مع أفريقيا، والبرازيل، والصين التي تبني مصنعا جديدا لصنع البطاريات، ومع الهند.”
وتبرز معالم التطوير في شبكة النقل، من خلال مشروع البراق وهو خدمة سكك حديدية عالية السرعة بين الدار البيضاء وطنجة، وهي الأولى من نوعها في القارة الأفريقية، فضلا عن مشاريع تطوير البنية التحية السياحية وغيرها.
والنخبة المغربية اليوم أكثر انفتاحا مما كانت عليه عندما زارها غيليس لأول مرة كصحافي في 1977. ومع ذلك، فهي ليست منفتحة بما فيه الكفاية.
وبالنسبة للباحث الأوروبي فإن ثمة سببين لذلك، الأول يتعلق بتركيز الثروة لدى عائلات معينة، ما يتطلب كسر هذا الطوق، وبطريقة ما، إنه “نادٍ يصعب للغاية الدخول إليه،” أما الثاني فيتعلق بقضية الأمية التي تبلغ 25 في المئة من سكان تعدادهم 37 مليون نسمة.
وتظهر التقديرات أن الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما، أي 6 ملايين شخص، فإن 1.9 مليون من هؤلاء لا يعملون ولا يتلقون تدريبا أو تعليمًا، وهذا يمثل ثلث الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما.
ويعتقد غيليس أن التحدي الحقيقي، باعتبار أن هذه المشكلة ظلت لفترة طويلة، يمتثل في كون الدولة لا يمكنها التخلي عن موهبة ثلث شبابها مع تقدم المغرب إلى الأمام.
وفي خضم ذلك، يبقى جزء من الأرياف عالقا في نظام قديم رغم أن المسؤولين المغاربة يدركون هذه الحقيقة، وقد ذكرها الملك محمد السادس أكثر من مرة في خطاباته، ولكن الأمور لا تتحرك بالسرعة الكافية.
ورغم أن البلاد تعاني من الفقر، إلا أنها تبدو حديثة، حيث تغيرت بشكل هائل خلال ثلاثين عاما، ويظهر ذلك في مدن أغادير ومراكش وطنجة والرباط والدار البيضاء، ولكن غيليس يقول “أظن أن المغرب يحتاج إلى خطة مارشال عندما يتعلق الأمر بالتدريب والتعليم.”