موجة إضرابات في تونس: هل وصل اتحاد الشغل إلى نقطة الصدام الشامل مع قيس سعيد

تونس – تعيش تونس على وقع تلويح النقابات بتنفيذ سلسلة من الإضرابات في قطاعات حيوية مثل البريد والتعليم والبلديات، في مؤشر واضح على أن الاتحاد العام التونسي للشغل قد اختار التصعيد مع الرئيس قيس سعيد ما قد يؤدي إلى صدام شامل، في وقت تعيش فيه البلاد وضعا ماليا صعبا ولا تتحمل أي خسائر جديدة تحت وقع الإضرابات.
وترى أوساط سياسية تونسية أن الإضراب في قطاعات مهمة، وإن كان يحمل مطالب اجتماعية في الظاهر، يتجاوز ذلك إلى كونه رسالة تحد موجهة إلى الرئيس سعيد، الذي رفض ضغوط قيادة اتحاد الشغل من أجل لعب دور سياسي للاتحاد على شاكلة ما كان يجري في مرحلة ما بعد الثورة حين كان الاتحاد يتحكم في التوجهات العامة والتعيينات الحكومية.
ويعرف قادة الاتحاد أن الرئيس التونسي لا يقبل بأي حوار تحت الضغط فما بالك إذا تعلق الأمر بمحاولة وضع كمين لتوتير علاقة السلطة والرئيس سعيد بالشعب في ظرف اقتصادي حساس.
وتشير هذه الأوساط إلى أن التحركات النقابية المتزامنة تهدف إلى استثمار المزاج الشعبي في إرباك الوضع الاجتماعي وإثارة غضب الناس ضد السلطة، خاصة أن الإضرابات تأتي قبيل حلول شهر رمضان؛ أي في وقت تثار فيه عادة مخاوف بشأن توفير السلع ومشكلة الأسعار واستمرار المعركة مع المحتكرين وندرة بعض السلع الناجمة عن صعوبة التوريد.
ويتأكد هدف إرباك الوضع خاصة من خلال إضراب قطاع البريد الثلاثاء والأربعاء ليتزامن مع رواتب عشرات الآلاف من الموظفين ومعاشات المتقاعدين من القطاعين العام والخاص، التي ينتظرها المعنيون بالأمر لتوفير حاجيات أسرهم قبل بدء شهر الصيام، وهو ما يعرف في تونس بـاسم “قضْيَة (مؤونة) رمضان”.
ويحاول اتحاد الشغل تطويق أزمته الداخلية الحادة بالتصعيد مع السلطة، في وقت يحذر فيه مراقبون من أن مناكفة السلطة في الوضع الحالي ليست في صالح الاتحاد وقيادته.
واعتبر المحلل السياسي التونسي نبيل الرابحي أن “الاتحاد العام التونسي للشغل بصدد تصدير أزمته الداخلية نحو الحكومة والوضع في البلاد.”
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “اتحاد الشغل يعيش الآن أسوأ حالاته ويريد العودة إلى السلطة، لكن السلطة اختارت أن تتجاهله،” معتبرا أن “التزامن في تنفيذ عدد من الإضرابات ليس عملا بريئا.”
ويعيش اتحاد الشغل على وقع خلافات داخلية تظهر خاصة في الصراع بين القيادات حول موضوع القيادة، أو من خلال بيانات ومواقف لنقابات قطاعية تتبرأ من مواقف القيادة النقابية وتتهمها بالعجز عن التحرك والتسبب في خسارة الاتحاد للدور المحوري الذي كان قد اضطلع به قبل 25 يوليو 2025.
وكان خمسة أعضاء من المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل، وهم أنور بن قدور والطاهر المزي وصلاح الدين السالمي وعثمان الجلولي ومنعم عميرة، قد أعلنوا في 14 ديسمبر من العام الماضي إثر اجتماع نقابي عام الدخول في اعتصام مفتوح بداية من 25 ديسمبر من السنة الماضية رفضا للوضعية التي آلت إليها المنظمة ومطالبةً بتقديم المؤتمر الوطني من 2027 إلى 2025. وتم رفع الاعتصام قبل أيام قليلة.
وعقد اتحاد الشغل مؤتمرا استثنائيا في يوليو 2021 صادق فيه على تنقيح الفصل 20 من النظام الأساسي، والذي تم بمقتضاه فسح المجال أمام أعضاء المكتب التنفيذي الوطني للترشح لأكثر من دورتين متتاليتين، وهو ما أثار انتقادات واسعة وأعطى دفعا قويا للمعارضة النقابية.
واعتبر الخبير المصرفي والمالي محمد صالح الجنادي أن “دور اتحاد الشغل يقتصر على المجال النقابي والمطلبية الاجتماعية، في وقت يعيش فيه خلافات داخلية بين النقابات القديمة والجديدة.”
وأشار الجنادي في تصريح لـ”العرب” إلى أن ” التصعيد بواسطة الإضرابات يعني إيقاف نشاط مؤسسات الدولة.”
وتعاظمت في الفترة الأخيرة بوادر الغضب بين قيادات من الاتحاد وأمينه العام نورالدين الطبوبي الذي حمّلوه مسؤولية القطيعة بين المنظمة والسلطات التونسية من خلال التعامل السلبي معها، ما جعل دور المنظمة مهمّشا بعد أن كانت طرفا رئيسيا في المشهد قبل سنوات.
ومنذ ما يزيد على سنتين تقلّص دور المنظمة النقابية بعد أن خصّص لها الرئيس سعيد إطارا واضحا تنشط فيه لا يتجاوز الدور النقابي مع عدم الاقتراب من المربّع السياسي، خلافا لما كانت تتمتع به سابقا من مشاركة في صنع القرار السياسي والتدخل للعب دور الوساطة في الأزمات والتفاوض مع السلطة بصبغة سياسية.
ولا تخفي قيادة الاتحاد اقتناعها بأن سلسلة التحركات الاجتماعية التي تنوي تنفيذها تهدف إلى تقوية الصف الداخلي وتجاوز الخلافات.
واعتبر الأمين العام المساعد للاتحاد سامي الطاهري في تصريحات له قبل أسبوع أنّ المفاوضات الاجتماعية مهمة لإرجاع الحوار الاجتماعي والحق النقابي، كما تمثل فرصة لتوحيد النقابيين في ميدان النضال ولتأجيل الخلافات.
وحول جاهزية الاتحاد للانطلاق في المفاوضات الاجتماعية في خضم الأزمة الداخلية التي يعيشها، قال الطاهري “لعل هذه المفاوضات تؤجل الخلافات وتكون عامل قوة للدفاع عن العمال،” مضيفا أن “المفاوضات يجب أن تحسم في أذهان النقابيين ولا نقبل بإقصاء الاتحاد من دوره الاجتماعي.”