التحالف مع الحركة الشعبية يمنح قوات الدعم السريع فرصة استعادة توازنها

التحالف المفاجئ يربك الجيش السوداني وحلفاءه الإسلاميين.
الثلاثاء 2025/02/25
أعداء الأمس، رفاق اليوم

يحقق التقارب المسجل بين "أعداء الأمس القريب" قوات الدعم السريع والحركة الشعبية قطاع الشمال، مزايا كبيرة للطرفين؛ فالحركة الشعبية حصلت على ضمانات مستقبلية بشأن ما كانت تحارب من أجله وهو دولة سودانية علمانية، فيما حصلت قوات الدعم السريع على رافد مهم من شأنه أن يعزز وضعها الميداني الذي تراجع بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة.

نيروبي - يشكل التحالف المفاجئ بين قوات الدعم السريع والحركة الشعبية قطاع الشمال نقطة تحول كبرى في المشهد السوداني، ستكون له ارتداداته على الوضع السياسي ولاسيما الميداني، بالنظر لسيطرة الحركة المسلحة على مساحات جغرافية واسعة في البلاد وعلى منافذ حدودية، فضلا عن مقاتلين خبروا القتال لعقود.

ويشهد السودان منذ أبريل 2023 حربا بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، ما خلف عشرات الآلاف من القتلى وشرد أكثر من 12 مليون شخص، وأدى إلى انتهاكات جسيمة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان.

وحتى الأسبوع الماضي كانت الحركة الشعبية تقاتل القوتين المتصارعتين في جنوب البلاد، وعلى نحو غير متوقع ظهر قائد الحركة عبدالعزيز الحلو في نيروبي الأسبوع الماضي، ليوقع السبت مع قوات الدعم السريع وعدد من القوى السياسية والحركات المسلحة على ميثاق سياسي استجاب لمعظم مطالب الحركة المسلحة.

ونص الميثاق على بناء دولة علمانية ديمقراطية لامركزية، قائمة على الحرية والمساواة والعدالة. كما أشار إلى مبدأ الوحدة الطوعية لشعوبها وأقاليمها. وصون سيادة البلد الوطنية وتنوعه الثقافي.

 وأعلن الميثاق حظر تأسيس أي حزب أو تنظيم سياسي على أساس ديني أو قيام أي حزب سياسي أو تنظيم سياسي بالدعاية السياسية على أساس ديني أو عنصري.

مارك لافيرن: مقاتلو الحلو يمكنهم أن يقدموا لحميدتيمساعدة يحتاج إليها
مارك لافيرن: مقاتلو الحلو يمكنهم أن يقدموا لحميدتيمساعدة يحتاج إليها

وأشار الميثاق إلى حق تقرير المصير في حالة عدم النص على العلمانية، التي تفصل الدين عن الدولة، في الدستور الانتقالي والدستور الدائم المستقبلي. وشدد الميثاق على المواطنة المتساوية والهوية السودانية.

وإلى جانب الدعم السريع والحركة الشعبية وقعت على الميثاق حركة العدل والمساواة – جناح سليمان صندل وتجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر وقيادات الجبهة الثورية ورئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر ورئيس القطاع السياسي بالحزب الاتحادي الأصل إبراهيم الميرغني.

وعقب التوقيع على الميثاق التأسيسي عقد المجلس السياسي والقيادي للحركة الشعبية يومي السبت والأحد اجتماعا في العاصمة الكينية نيروبي. ووفقا لتعميم صحفي أصدرته الحركة فإن المجلس السياسي والقيادي تلقى تنويراً من وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، حول تأسيس التحالف ووثيقتي الميثاق ودستور حكومة السلام الانتقالية.

وثمن المجلس السياسي والقيادي للحركة الشعبية جهود وفدها الذي شارك في اجتماعات نيروبي بين القوى السياسية والمدنية وقوى الكفاح المسلح الموقعة على الميثاق والدعم السريع.

ويرى محللون أن انضمام الحركة الشعبية إلى قوات الدعم السريع قد يزيد من قوة الأخيرة بشكل كبير. كما يمكن لهذا التحالف الجديد أن يوفر منفذا حدوديا رئيسيا نحو دول شرق أفريقيا الداعمة لقوات الدعم السريع.

وقد سيطرت قوات الدعم السريع على إقليم دارفور بكامله تقريبا، لكنها غير قادرة على ترسيخ سيطرتها هناك، ويبدو أنها على وشك خسارة العاصمة الخرطوم بكاملها أمام الجيش السوداني.

وقال مارك لافيرن الأستاذ في جامعة تور الفرنسية إن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “في حالة تراجع.” وأضاف المتخصص في الشأن السوداني “يمكن لمقاتلي الحلو المحترفين أن يقدموا له مساعدة يحتاج إليها.”

ووفقا للصحافي السوداني مصطفى سري تسيطر المجموعتان معا على ما يصل إلى “65 في المئة من السودان.” وأوضح سري أن أفضل ما يخدم مصالحهما المشتركة هو دمج “القوات العسكرية والمناطق الشاسعة التي تسيطران عليها.”

ويسيطر الحلو على جزء كبير من ولاية جنوب كردفان من معقله في جبال النوبة، بالإضافة إلى جيوب في ولاية النيل الأزرق المتاخمة لإثيوبيا. ويمتلك فصيله وقوات الدعم السريع معا منفذا حدوديا مع ليبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا.

وأوضح لافيرن أن “جميع الدول المحيطة بالسودان، باستثناء مصر، مؤيدة لقوات الدعم السريع.” ويرى محللون أن الحلو الذي لم يكن مقربا في السابق من دقلو، لا بد أنه تلقى شيئا في المقابل.

وقال كاميرون هدسون، كبير المحاضرين في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، “يمكننا الافتراض أن تحركه أتى بجزء منه، من أجل أن يجنب المناطق التي يسيطر عليها أعمال العنف في المستقبل، وتحسين وصول المساعدات إلى هذه المناطق وضمان دور مستقبلي له.”

انضمام الحركة الشعبية إلى قوات الدعم السريع قد يزيد من قوة الأخيرة بشكل كبير. كما يمكن لهذا التحالف الجديد أن يوفر منفذا حدوديا رئيسيا نحو دول شرق أفريقيا الداعمة لقوات الدعم السريع

وأُعلنت المجاعة رسميا في أجزاء من جبال النوبة في ديسمبر. وقبل ذلك بأشهر عدة حذرت الحركة الشعبية قطاع الشمال من مجاعة جماعية تهدد السكان، بمن في ذلك 700 ألف شخص فروا إلى الجبال منذ بدء الحرب.

ووصول المساعدات الإنسانية إلى هناك ضئيل، مع أن الحركة الشعبية تسيطر على أجزاء من الحدود مع حليفها جنوب السودان، بالإضافة إلى مطار يبعد 125 كيلومترا من الحدود.

وأربك التحالف بين قوات الدعم السريع والحركة الشعبية الجيش وحلفاءه من الإسلاميين، الذين سارعوا إلى الترويج لاستقالات داخل الحركة الشعبية، لكن المتحدث الرسمي باسم الحركة نفى الأمر وأكد أن هناك التفافا على القيادة الحالية وتأييدا لجميع خطواتها، خصوصا وأنه جرت الاستجابة لمعظم مطالب الحركة في علاقة بعلمانية الدولة السودانية.

وقالت مصادر في نيروبي لوكالة فرانس برس إن المطلب الرئيسي للحلو هو التزام الميثاق بسودان علماني، بعد عقود من النضال ضد الهيمنة العربية والإسلامية للخرطوم.

وقبيل توقيع الميثاق التأسيسي، قال قائد الحركة الشعبية إن حرب 15 أبريل بين الجيش وقوات الدعم السريع نبهت الرأي العام السوداني إلى وجود مشكلة كبيرة؛ لأنها انتقلت من الأطراف إلى المركز، ونبهت الغافلين إلى وجود مشكلة كبيرة.

وأضاف الحلو “الحرب في السودان نتيجة طبيعية للصراع بين المركز والهامش؛ لأن المركز استأثر بالسلطة والوجاهة والتفوق الاجتماعي وحرم الهامش من كل شيء.”

وأردف “عندما حمل الزرقة السلاح في دارفور وطالبوا بالسلطة والثروة جرى تصنيفهم أنهم أعداء العروبة وخروج على طاعة الحاكم المسلم.” وزاد قائلا “الرفيق حميدتي شال السلاح، وقال للجماعة أدونا حقوق دارفور من السلطة والثروة، ونظروا ثم جردهم من كل أوراقهم التي تستخدم في تهميش واستبعاد الآخر مهما كان.”

وزاد “الرفيق حميدتي جرد المركز من كل أسلحته، ونادى بالمساواة والعدالة.” وأضاف الحلو “لم تجد النخبة الحاكمة في الخرطوم طريقة للتعامل مع حميدتي، وقالوا هذا أجنبي يجب ضربه. في نهاية المطاف نحن سودانيون تجمعنا أرض السودان.”

 

اقرأ أيضا:

      • السودان على حافة التقسيم

2