مصر تسعى للتحول إلى مركز إقليمي للتكنولوجيا والابتكار

تراود مصر رغبة قوية في أن تصبح مركزا إقليميا للتكنولوجيا والابتكار، عبر مشروع يشمل جميع الجهات ذات الصلة، بما في ذلك الجامعات ومراكز البحث والتطوير ووحدات تسويق التكنولوجيا وحاضنات ومسرعات الابتكار وشركات التكنولوجيا المتقدمة، ما يفرز تنافسية أقوى تعزز نشاط القطاع والاقتصاد.
القاهرة - انتقلت طموحات مصر إلى حدود جديدة بعدما أظهرت إصرارًا على بناء نواة لتطوير التكنولوجيا والتحول تدريجيًا إلى مركز إقليمي لها عبر مشروع “وادي ابتكار النيل” الذي أعلنت عنه جامعة النيل في شراكة بين القطاعين العام والخاص.
ومن المقرر أن يتم تمويل المشروع من خلال استثمار رأس المال الأولي، وإنشاء صندوق وقف، وشراكات استراتيجية مع رواد التكنولوجيا العالميين.
ويطمح المشروع نحو توفير 52 ألف فرصة عمل خلال عشر سنوات واحتضان 200 شركة تكنولوجية، ما يجعله من أكبر المبادرات في مجال ريادة الأعمال والتكنولوجيا المتقدمة في مصر.
وجرى تصميم خطة “وادي ابتكار النيل” لتحقيق أهداف طموحة، تشمل تسريع إنشاء 400 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا، والمساهمة في الناتج المحلي الاجمالي للبلاد بنحو 1.2 مليار دولار بحلول العام العاشر.
وتطرح هذه الخطوة تساؤلات حول قدرة مصر على تنفيذ هذه الرؤية في ظل منافسة شرسة من كل من الإمارات والسعودية، حيث خطت كلاهما خطوات واسعة في هذا المجال خلال السنوات الماضية.
ويعد الاقتصاد القائم على الابتكار والتكنولوجيا أحد المحركات الرئيسية للنمو في القرن الواحد والعشرين، وتعتمد دول متقدمة على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية لجذب الاستثمارات وخلق وظائف جديدة.
وتسعى مصر من خلال “وادي ابتكار النيل” إلى تعزيز هذا التوجه وإنشاء بيئة متكاملة تحتضن الشركات الناشئة والمبتكرين، بما يسهم في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ويقلل من الاعتماد على القطاعات التقليدية.
وتخطط الحكومة لتطوير قطاع التكنولوجيا والابتكار لتنويع مصادر الدخل القومي بعيدا عن القطاعات التقليدية مثل الزراعة والسياحة، ولأجل استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة في مجال التكنولوجيا.
وتهدف من وراء ذلك توفير فرص عمل للشباب المصري المؤهل في مجالات البرمجة والذكاء الاصطناعي، وتحسين تصنيف مصر في المؤشرات الدولية المتعلقة بالابتكار وريادة الأعمال، إلى جانب دعم التحول الرقمي الحكومي وتطوير البنية التحتية التكنولوجية.
ولم تكن مصر الدولة العربية الوحيدة التي وضعت الابتكار والتكنولوجيا في مقدمة أولوياتها الاقتصادية، فهناك الإمارات والسعودية تقعان في طليعة الدول التي استثمرت بشكل مكثف في هذا المجال.
وأطلقت دولة الإمارات مبادرة دبي للمستقبل التي تتضمن مشاريع مثل مسرعات دبي المستقبل، وتعمل على استقطاب المواهب العالمية في التكنولوجيا، وتدير مدينة دبي للإنترنت التي تحتضن أكثر من 1600 شركة تقنية عالمية، من بينها جوجل ومايكروسوفت وأمازون.
ويمتلك البلد الخليجي واحة دبي للسيليكون، وهي منطقة اقتصادية متخصصة في الابتكار والتكنولوجيا، بخلاف الجهود غير المسبوقة في إمارة أبوظبي بهذا المجال.
وأطلقت السعودية مشروع نيوم الذي يهدف إلى أن يكون مركزا عالميًا للابتكار والذكاء الاصطناعي، واستثمرت في شركات كبرى مثل لوسيد موتورز وأوبر، ضمن رؤية 2030، وكذا تحتضن مدينة الملك عبدالله الاقتصادية العديد من المشاريع المتخصصة في التكنولوجيا.
أبرز أهداف مشروع وادي ابتكار النيل
• 200 شركة تكنولوجية سيتم احتضانها
• 52 ألف فرصة عمل جديدة خلال عشر سنوات
ودخول مصر إلى هذا المجال يضعها في منافسة مباشرة مع هذه الدول التي تمتلك بالفعل بنية تحتية قوية وشراكات عالمية متقدمة، ما يجعل تحقيق أهداف “وادي ابتكار النيل” تحديًا كبيرًا.
ورغم الطموح الكبير في أن تصبح مركزًا إقليميًا للابتكار، إلا أن هناك العديد من العقبات التي قد تواجه تنفيذ هذه الرؤية، أبرزها ضعف البنية التحتية التكنولوجية.
ولا تزال البلاد بحاجة إلى تطوير أكبر في شبكات الإنترنت والاتصالات، لضمان بيئة مناسبة لازدهار الشركات التكنولوجية، بجانب ضعف الاعتماد على الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي مقارنة بالدول المنافسة.
وقال رئيس شعبة البرمجيات بجمعية اتصال لتكنولوجيا المعلومات في مصر محمد سعيد إن “المشاريع الناشئة تحتاج إلى استثمارات ضخمة لضمان استمراريتها، ما يتطلب سياسات تحفيزية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية للمشروع الجديد.”
وأضاف في تصريح لـ”العرب” إنه “مقارنة بالإمارات والسعودية، فإن حجم الاستثمارات الأجنبية في قطاع التكنولوجيا بمصر لا يزال محدودا.”
وأوضح أنه رغم وجود جامعات قوية بالبلاد، لكن مخرجات التعليم في بعض المجالات التكنولوجية بحاجة إلى تحديث لمواكبة متطلبات السوق العالمية، والسوق تعاني من قلة البرامج التدريبية التي تؤهل الشباب للعمل في مجالات الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي.
وتحتاج بيئة ريادة الأعمال في مصر إلى تشريعات تدعم الابتكار، وتوفر حوافز ضريبية للمستثمرين، وكذا تسهيل إجراءات تأسيس الشركات الناشئة، حيث لا تزال بعض العوائق الإدارية تؤثر على سرعة إنجاز المشروعات، وهي عناصر تضعها السلطات نصب أعينها.
وتعاني السوق المصرية من هجرة العقول، حيث يفضل الكثير من المبرمجين السفر إلى الدول التي توفر رواتب أعلى وبيئة عمل أكثر تطورا أو العمل في مصر أون لاين وتقاضي رواتب من الشركات الأجنبية بالعملات الصعبة، ويتطلب جذب هذه العقول إلى مصر تحسين أوضاع العمل وزيادة الرواتب في القطاع التكنولوجي.
وأكدت عضو جمعية رجال الأعمال المصريين نيفين عبدالخالق أنه لضمان نجاح المشروع وتحقيق رؤية مصر كمركز إقليمي للتكنولوجيا، لا بد من اتخاذ خطوات مدروسة تضمن تحقيق الأهداف المرجوة، أبرزها الاستثمار في البنية التحتية الرقمية.
وذكرت لـ”العرب” أنه ينبغي كذلك تطوير شبكات الإنترنت وتحسين سرعات الاتصال، ودعم مراكز البيانات والتوسع في تقنيات الحوسبة السحابية وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر مع تقديم حوافز ضريبية للشركات الناشئة والمستثمرين الأجانب، وإبرام شراكات استراتيجية مع شركات التكنولوجيا العالمية.
وطالبت بإصلاح منظومة التعليم والتدريب وتحديث المناهج الجامعية لتواكب التطورات العالمية في التكنولوجيا مع توفير برامج تدريب متخصصة في مجالات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، وتحفيز المواهب المحلية ومنع هجرة العقول.
ورغم التحديات التي تواجه مشروع “وادي ابتكار النيل”، إلا أن مصر تمتلك الكثير من المقومات الرئيسية التي تؤهلها للنجاح، مثل حجم السوق المحلية الكبيرة، وتوافر العمالة الماهرة، والاهتمام المتزايد من الحكومة بدعم التحول الرقمي.
ويعتمد نجاح “وادي ابتكار النيل” على مدى قدرة مصر على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة بسرعة، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة، وتحقيق تكامل بين الجامعات، الشركات الناشئة، والحكومة لضمان تحول البلاد إلى مركز إقليمي حقيقي للابتكار والتكنولوجيا.
وفي ظل المنافسة الإقليمية القوية، لن يكون الطريق سهلا، ومع التخطيط الجيد والتنفيذ الفعال يمكن لمصر أن تحقق مكانة متقدمة لتصبح جزءًا من مستقبل الاقتصاد الرقمي.