الحكومة المصرية تتوسع في منافذ بيع السلع لاسترضاء المواطنين قبيل رمضان

القاهرة- توسعت الحكومة المصرية في تنظيم معارض بيع السلع الغذائية بأسعار مخفضة قبل أيام من بدء شهر رمضان، الذي يتزايد فيه استهلاك المواطنين، وهي خطوة اعتادت عليها الحكومة السنوات الماضية، لكن هذه المرة قررت إغراق بعض الشوارع والأسواق بالمنتجات لتأكيد حضورها وسط مواطنين يريدون الشعور بتحسن الوضع المعيشي والتخفيف من حدة المشكلات الاقتصادية التي تعرضوا لها.
وافتتح رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي المعرض الرئيسي الذي تنظمه حكومته باسم “أهلا رمضان” في القاهرة أخيرا، بمشاركة أكثر من 250 شركة، قدمت سلعها بأسعار مخفضة، مشيرا إلى أن انتشار المعارض نتاج للتعاون بين الوزارات المختلفة لتوفير السلع للمواطنين، ودعم الفئات الأكثر فقرا، ما يرسخ للعلاقة مع القطاع الخاص الذي يقدم منتجاته بنسب تخفيض تصل إلى 30 في المئة.

إيهاب منصور: الميزة الأكبر لتحرك الحكومة تتمثل في تقويض الممارسات الاحتكارية
وحسب إحصاءات وزارة التموين المصرية، شهد العام الجاري إقامة 115 معرضا كبيرا لبيع السلع بأسعار مخفضة في مختلف المحافظات قبل بدء شهر رمضان، عبر إنشاء معارض بالمدينة الرئيسية في كل محافظة، وظهور مئات الشوادر بمدن أخرى.
وعلاوة على 1200 ركن بالسلاسل التجارية، و1300 فرع للمجمعات الاستهلاكية، فقد أعلنت وزارة التنمية المحلية بمصر افتتاح أكثر من سبعة آلاف منفذ بالمحافظات المختلفة، بالتنسيق مع وزارة التموين والقطاع الخاص.
وتحولت بعض الشوارع والميادين الكبرى في مصر إلى أماكن لبيع السلع، إلى جانب منافذ موجودة لبيع اللحوم والدواجن وبعض السلع الرئيسية الأخرى، وبدا المشهد معبرا عن أن حضور الحكومة طاغ، وأنها تعمل على تسهيل مهمة وصول المواطنين لمنافذها وتأكيد سعيها لتخفيف العبء عن المواطنين بكل الطرق الممكنة.
لجأت الحكومة المصرية إلى خطاب يشير إلى استعدادها لتبني إجراءات استثنائية أو ما سبق وأن أطلق عليه رئيسها مصطفى مدبولي مؤخرا بـ”اقتصاد الحرب” والاستعداد للسيناريو الأسوأ.
وتهدف الحكومة حاليا إلى تقديم رسائل طمأنة للمواطنين عبر إغراق الأسواق بالسلع، وتأكيد أنها قادرة على توفيرها من دون أن تأخذ إشاراتها السلبية السابقة منحى قاتما يدفع المواطنين لشراء السلع وتخزينها، وتؤكد أن أولوياتها تتمثل في تخفيف الضغوط عن المواطنين وتوجيه جزء من موازنتها العامة لتوفير الغذاء الذي يمكن أن يحقق لها دعما شعبيا تنتظره، في حال كانت أمام مطبات خارجية صعبة.
وضربت الحكومة أكثر من عصفور بحجر واحد، حيث تحقق جزءا مما تقدمه من وعود بشأن تكثيف إجراءاتها لضبط الأسواق، لأن توفير السلع يساعد على انخفاض أسعارها، وهي طريقة أسهل من تكثيف أدوات الرقابة التي تغيب كثيرا، بسبب تفشي الفساد في بعض الأجهزة المحلية وعدم توافر الموظفين الذين يمكنهم الرقابة على مختلفة الأسواق في جميع المحافظات المصرية.
◄ الحكومة تهدف إلى طمأنة المواطنين وتأكيد أنها قادرة على توفير مطالبهم ودون حاجة إلى اللهفة أو تخزين السلع
وتريد حكومة مصطفى مدبولي إرسال إشارة بوجود حالة من الاستقرار الاقتصادي نتيجة الإجراءات التي اتخذتها مؤخرا، مع توفير العملة الصعبة، وتسعى لأن تبني جدارا من الثقة مع مواطنين يرون أن سياساتها كانت سببا في تدهور أوضاعهم المعيشية، وتأكيد أن أوضاع التعبئة العامة التي قد تحتاج إليها في أوقات الأزمات لا تعني تحقيق نجاح في مجالات التعاون بين وزاراتها والقطاع الخاص.
وقال رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي في مجلس النواب إيهاب منصور لـ”العرب” إن ما تقدمه الحكومة من خلال تحمل بعض النفقات اللوجستية لإقامة هذه المعارض والمساهمة في تحمل جزء من تكاليف البيع المباشر وتشجيع المصانع على بيع السلع بأسعار مخفضة هو نوع من تقديم الإسناد الذي يحتاجه المواطنون في هذا التوقيت، لكن ذلك لا يكفي على مستوى قطاع واسع من الفقراء لا يجدون المال لشراء هذه السلع المخفضة.
وشهدت الأسواق المصرية ارتفاعًا في أسعار بعض السلع الغذائية خلال شهر فبراير الجاري، اتساقًا مع نمطها الموسمي الذي يسبق شهر رمضان، ورغم هذه الزيادة انخفض معدل التضخم السنوي العام في الحضر إلى 24 في المئة، وهو أدنى مستوى له منذ ديسمبر من العام 2022، حسب بيانات البنك المركزي المصري.

كريم العمدة: هذه الإجراءات تجد قبولا بين المواطنين، لكن لا تساهم في رفع شعبية الحكومة
وأضاف منصور أن الميزة الأكبر لتحرك الحكومة تتمثل في تقويض الممارسات الاحتكارية التي ساعدت في ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر وبصورة مستمرة السنوات الماضية، وستكون في حاجة أيضا إلى إجراءات رقابية على الأسواق والمجتمعات التي تدشنها، لأن بعض الشركات والتجار يلتزمون بتخفيض الأسعار في الأيام الأولى ثم تشهد ارتفاعا، ومثل هذه التجمعات تستقطب قطاعات من المواطنين في البداية كان يتم النظر إليها باعتبارها تستهدف الفقراء، والآن يمكن القول إن الطبقة الوسطى هي الأكثر إقبالا عليها.
وأشار إلى أن مثل هذه المجمعات، ومع وجود الآلاف منها، لن تكون بديلاً عن إجراءات الحماية الاجتماعية وما أعلنت عنه الحكومة بشأن إقرار حزمة مساعدة اجتماعية قبل شهر رمضان، والمواطنون ينتظرون دائما المساعدات المالية التي تساعدهم على شراء السلع، وليس معروفا إذا كان التوسع في إقامة المجمعات والشوادر بديلاً عن إقرار إجراءات الحماية الاجتماعية الجديدة أم أنها مكملة لها مع التأخر في الإعلان عنها قبل أيام من صرف رواتب الموظفين الحكوميين.
وقال رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي مؤخرا إن حزمة الحماية الاجتماعية تتضمن تدخلات سيتم تنفيذها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة حتى نهاية العام المالي الحالي (نهاية يونيو)، وهي أمور تخص التعامل مع شهر رمضان والأعياد وتستهدف إجراءات محددة، أما بالنسبة إلى زيادة المرتبات والأجور والحد الأدنى لها بالقطاع الحكومي سوف تكون مع بداية العام المالي في شهر يوليو المقبل، وهو ما اعتبره البعض تراجعا عن تطبيقها قبل رمضان وفقا لتصريحات سابقة صدرت عن متحدث رسمي باسم الحكومة.
وتتجه خطوات الحكومة نحو توفير السلع عبر منافذ مخصصة لها، وإن كان ذلك إيجابيا بالنسبة إلى المواطنين، فإنه في جانب آخر له أضرار سلبية على آليات السوق الحر وضمان المنافسة بين التجار، وقد يساهم في إحداث المزيد من الانكماش في معدل نمو القطاع الخاص، ويرى تجار التجزئة الصغار أنه يمثل ضررا مباشراً لهم.
وأكد خبير الاقتصاد السياسي كريم العمدة أن الحكومة انتقلت من مجرد إقامة منافذ بيع السلع إلى إقامة مناطق لوجستية للسلع الغذائية على نطاق واسع، ما يساعدها على تقديم السلع بأسعار مخفضة أسوة بما تقوم به السلاسل التجارية الكبرى، وتتفق مع الشركات والمصانع على تحقيق نسب ربح ضئيلة فوق سعر الجملة ما يضمن لها تحقيق مكاسب جيدة مع انتشارها في المحافظات المختلفة وزيادة الإقبال عليها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن مثل هذه الإجراءات تجد قبولا بين المواطنين، لكن لا تساهم في رفع شعبية الحكومة، لأن المشكلات الاقتصادية قائمة، وتقديم دعم نقدي يتمثل في زيادة المرتبات والحفاظ على قيمة الجنيه وضبط الأسواق وهو أكثر أهمية للمواطنين، ويتعامل من يتوافدون على شراء السلع من هذه المنافذ على أن ما تقوم به الحكومة يأتي في إطار دورها الطبيعي.