تغيير "استقلالية" البنك المركزي التونسي لضمان دعمه مسار التنمية

تونس- دعا الرئيس التونسي قيس سعيد السبت إلى مراجعة قانون البنك المركزي في مسعى رسمي لحل مشكلة التعارض بين استقلالية البنك المركزي ودوره في إسناد مسار التنمية الذي تشتغل عليه الحكومة ضمن مقاربة الاعتماد على التمويلات الداخلية والحد من التداين الخارجي.
ويرى مراقبون أن ما يهم الحكومة هو تعاون البنك المركزي لتسهيل الحصول على قروض داخلية بدلا من وضع عقبات أمامها تحت مسميات مختلفة، معتبرين أن استقلالية البنك المركزي ارتبطت بفترة سابقة سيطرت عليها الصراعات السياسية وتعدد مصادر القرار وغموض مجالات الإنفاق، لكن الآن هناك جهات واضحة يتعامل معها البنك المركزي ولم يعد الأمر يحتاج إلى اشتراطات أو عراقيل طالما أن الهدف يتمثل في ضخ تمويلات لازمة لإنعاش الاقتصاد.
وقال المحلل السياسي التونسي المنذر ثابت إن السبب الرئيسي وراء دعوة قيس سعيد لتغيير قانون البنك المركزي هو “مطلب النجاعة في السياسات المالية”. وأضاف ثابت في تصريح لـ”العرب” أن “الرئيس سعيد أراد أن تُمنح السلطة التنفيذية الأداة المالية لمواكبة الإصلاحات الاقتصادية، وأن يكون البنك المركزي أداة من أدوات التنمية،” لافتا إلى أن تغيير قانون البنك المركزي “قرار سياسي له مشروعيته في مستوى دفع الاستثمار.” وتحتاج الحكومة التونسية إلى شراكة واضحة مع البنك المركزي لإنجاح خيار الاعتماد على الذات.
وجاء اعتماد الحكومة بشكل متزايد على القطاع المالي المحلي، لاسيما البنوك، لتمويل عجز الميزانية نظرا إلى تعثر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على مبلغ بقيمة 1.9 مليار دولار، وندرة مصادر التمويلات الخارجية الأخرى.
وفي العام الماضي، قال سعيد إن البنك يجب أن يقرض مباشرة خزينة الدولة لتجنب القروض المكلفة من خلال البنوك.
وعقب ذلك، وافق البرلمان في ديسمبر على قانون يسمح للبنك المركزي بتوفير 2.2 مليار دولار لتمويل مباشر لميزانية 2025 لسداد الديون العاجلة، وهي المرة الثانية في أقل من عام التي تلجأ فيها الحكومة إلى البنك للحصول على أموال.
وقال المحلل السياسي التونسي خليفة الشيباني “بعد 2011 هناك خلط بشأن استقلالية المؤسسات وتم استنساخ بعض التجارب الخارجية،” مشددا على أن “البنك المركزي هو إحدى مؤسسات الدولة ورافد اقتصادي مهم، والرئيس سعيد راهن على استعاد البنك لدوره.”
وأكد الشيباني لـ”العرب” أن “ما قاله الرئيس سعيد يؤكد على الدور المحوري للبنك المركزي، وهو تصحيح لمسار أحد المكونات الهامة لمعاضدة مجهودات الدولة لتحسين الأوضاع الاقتصادية وحتى يتماهى مع برامج الدولة وخططها.” وفي ظل تمسك البنك بالاستقلالية بما هي النأي بالنفس عن خطط الحكومة، تتحرك الحكومة والبرلمان لتعديل المعادلة وأن تكون الاستقلالية داعمة للتنمية وليست خصما للدولة.
وفي أكتوبر من العام الماضي، قدم عشرات من نواب البرلمان التونسي مشروع قانون يجرد البنك المركزي من الحصرية في تحديد أسعار الفائدة.
وبموجب مشروع القانون لن يكون للبنك المركزي السلطة الحصرية في تعديل أسعار الفائدة أو سياسة الصرف الأجنبي، ويجب ألا يتخذ مثل هذا الإجراء إلا بالتشاور مع الحكومة، ولكن سيُسمح له بتمويل الخزينة بشكل مباشر.
كما ذكر مشروع القانون أنه لن يُسمح للبنك المركزي بتوقيع اتفاقيات مع جهات رقابية أجنبية إلا بموافقة رئيس البلاد.
ومنذ عام 2016، كان للبنك المركزي سلطة مطلقة في التحكم في السياسة النقدية والاحتياطيات والذهب.
لكن سعيد قال في لقاء مع المحافظ زهير النوري إنه آن الأوان لمراجعة قانون 2016. وأضاف “نريد بنكا مركزيا تونسيا وليس كما أراده آخرون بناء على إملاءات من وراء البحار“.
وقال سعيد إنّ شكاوى كثيرة تصله بشأن رفع أسعار الفائدة.
وأبقى البنك المركزي نسبة الفائدة الرئيسية دون تغيير عند 8 في المئة منذ 2023 محذّرا من مخاطر ضغوط تضخمية.
ويأتي التغيير الكبير المحتمل في قانون البنك المركزي في الوقت الذي تواجه فيه المالية العامة أزمة حادة.
وتتجه الحكومة بشكل متزايد إلى التمويل المحلي وسط صعوبات في الحصول على التمويل الخارجي.
وتتوقّع ميزانية 2025 ارتفاع الاقتراض المحلي إلى سبعة مليارات دولار من 3.5 مليار دولار في عام 2024 بينما تنخفض القروض الخارجية إلى 1.98 مليار دولار من 5.32 مليار دولار.