معارض الكتاب ليست مجرد واجهات جميلة للحوارات النخبوية

لإصلاح واقع الكتاب العربي يجب فتح حوارات جدية ومعمقة في الإشكاليات الأكثر تأثيرا على حركة النشر والقراءة.
الأحد 2025/02/23
معارض الكتب مساحات شعبية

تقام في العديد من العواصم والمدن العربية معارض سنوية للكتاب، ويحتفى بها على أنها من أهم النشاطات التي تقام من أجل نشر الثقافة ودعم قطاع النشر وانتشار الكتاب والتشجيع على القراءة.

لا شك أن كل هذه الأهداف مجتمعة هي أهداف تستحق أن تقام من أجلها نشاطات دورية كهذه هذا إذا أضفنا إليها العامل الاقتصادي، وهو عامل في غاية الأهمية من خلال الصفقات وعمليات البيع والشراء التي تعود بمردود مادي للجهات المنظمة من خلال إيجار مساحات العرض وللعارضين والمشاركين من دور النشر الذين يجدون في معارض الكتب فرصة مهمة لكي يسترجعوا بعض ما أنفقوه على الطباعة والنشر وإيجار دكاكين وقاعات العرض في كل بلد.

لكن ومع كل معرض للكتاب تتجدد العديد من الأسئلة التي لا تجد لها جوابا فيتم تدويرها إلى الدورة التالية، ولا تجد جوابا أيضا وهكذا.

فقبل كل شيء نجد أن فعاليات مهمة كهذه تفتقد بشكل شبه كلي إلى الإحصائيات الدقيقة المصاحبة لكل معرض، ومن ذلك شبه غياب إحصائيات تتعلق بعدد دور النشر وعدد الكتب المشاركة وعدد الكتب الخاضعة للتخفيض في السعر وما هي المبالغ التي تم جمعها، أي ما هو المردود المالي للمعرض، بما في ذلك مردود كل دار نشر في موازاة عدد النسخ المباعة من كل كتاب.

◄ هنالك علاقة إشكالية ما بين الكاتب والناشر، وهي علاقة ملتبسة وفيها الكثير من التعقيدات إلى درجة أنه لا يكاد يوجد كاتب أو مؤلف لا يشكو من جشع هذا الناشر أو ذلك

هذه المعلومات المفقودة تفضي إلى عدم معرفة أي الكتب هي الأكثر مبيعا في تلك الدورة، وهو سؤال حيوي جدا يعطي تصورا لنوع الكتب التي تجد إقبالا أكثر من غيرها، وبالتالي يتكون تصور عن اهتمامات القراء.

في موازاة ذلك لا بد وفي سط الصخب الاحتفالي من إدراك حقيقة مهمة، تتمثل في العزوف الملحوظ عن اقتناء الكتاب وتدني الاهتمام بالقراءة، وذلك بسبب عوامل وأسباب كثيرة معلوم أغلبها، وأهمها التدفق الرقمي واستحواذ وسائل التواصل الاجتماعي على أغلب أوقات الجيل والانشغال في المشاهدة عبر الوسائط المتاحة وخاصة من خلال الهواتف النقالة.

بالطبع سوف تحيلنا هذه الحقيقة إلى حقيقة أخرى، تتمثل في عدم وجود إحصائية دقيقة لعدد الكتاب المباعة وما هي الموضوعات الأكثر طلبا عليها. المتداول من خلال “تقرير التنمية الثقافية” الذي تصدره منظمة اليونسكو فإن عدد كتب الثقافة العامة التي تنشر سنويا في العالم العربي لا يتجاوز الـ5000 عنوانا. أما في أميركا، على سبيل المثال، فيصدر سنويا نحو 300 ألف كتاب.

وبحسب بعض الإحصائيات تصل معدلات القراءة في أميركا إلى 11 كتابا للفرد سنويا وفي بريطانيا إلى سبعة كتب، ما يظهر مدى التدني الذي وصلت له معدلات القراءة في الوطن العربي أن نصيب كل مليون عربي لا يتجاوز ثلاثين كتابا، مقابل 854 كتابا لكل مليون أوروبي، أي أن معدل قراءة الشخص العربي ربع صفحة في السنة مقابل معدل قراءة كبير للفرد الأميركي الذي يصل إلى 11 كتابا في العام الواحد كمعدل.

وأما إذا انتقلنا إلى الاستثمار في صناعة النشر، فنجد أن مداولات سوق الكتاب العربية بيعا وشراء لا تتعدى الأربعة ملايين دولار أميركي سنويا، في حين يصل هذا الرقم في دول الاتحاد الأوربي على سبيل المثال لا الحصر إلى حدود 12 مليار دولار.

◄ هنالك فئة من الناشرين لا علاقة لهم أصلا بالمهنة، وهم يتعاملون معها مثل أية سلعة استهلاكية في دكان

هذه المؤشرات غير المشجعة يفترض أن تدفع المعنيين بصناعة النشر وسوق الكتاب إلى أن يقوموا بخطوات فاعلة للخروج من هذا الواقع إذا كان الهدف هو الارتقاء بالكتاب وصناعة النشر والتشجيع على القراءة.

تحول معرض الكتاب إلى نشاط نخبوي يتحدث فيه المؤلفون والمثقفون إلى بعضهم البعض وعن تجاربهم في الكتابة، رغم أن ذلك يعزز الحوار الثقافي إلا أنه لا يحمل في طياته إجراءات من الممكن أن تؤثر إيجابيا في سوق الكتاب، فالهدف الأساس هو تشجيع عموم المجتمع على القراءة، ولهذا سوف يبرز السؤال كيف يمكن تحقيق ذلك؟

لا شك أن هنالك مستويات متعددة يمكن التحرك من خلالها ومنها سياسات النشر التي تشجع القارئ على الاقتراب من الكتاب، وبالتالي القيام بشرائه إضافة إلى أهمية إيجاد سياسات تتعلق بالنشر المدعوم الذي يمكن أن تقوم به مؤسسات راعية يمكن أن تساهم في انتشار الكتاب وزيادة ساعات القراءة، ذلك أن الكتاب معتدل الثمن وذا قيمة ثقافية جيدة يصبح أمرا مشجعا أن يتم اقتناءه من قبل القارئ الذي لا يستطيع شراء الكتب غالية الأسعار.

إن الملاحظ في عموم معارض الكتب هو العكس مما ذهبنا إليه، وهو الارتفاع المضطرد في أسعار الكتب، مما يعقد مسألة الشراء ويوجد حاجزا إضافيا بين القارئ والناشر، وهو ما يجب التوقف عنده ودراسته بعناية تحت عنوان لماذا ترتفع أسعار الكتب؟ فكم ندوة في معارض الكتب أقيمت تحت هذا الشعار؟ سوف نترك الإجابة لإدارات المعارض نفسها.

بالطبع يتذرع الناشرون بالعديد من الأسباب التي تجعلهم يرفعون أسعار الكتب، ومنها تكاليف الطباعة والإيجارات والضرائب والشحن وما إلى ذلك وهو مفهوم ومتوقع.

على الجانب الآخر هنالك علاقة إشكالية ما بين الكاتب والناشر، وهي علاقة ملتبسة وفيها الكثير من التعقيدات إلى درجة أنه لا يكاد يوجد كاتب أو مؤلف لا يشكو من جشع هذا الناشر أو ذلك، أو أن لديه تذكارا سيئا مع ناشر ما.

واقعيا، هنالك فئة من الناشرين لا علاقة لهم أصلا بالمهنة، وهم يتعاملون معها مثل أية سلعة استهلاكية في دكان، وهذا النوع من الباعة لا هدف لهم سوى جني الأرباح، وتتفاقم الحالة الفوضوية في استغلال جهد الكاتب أو المؤلف وعدم وجود سياقات عمل وتشريعات تحميه، إذ تسمع كثيرا من المؤلفين والكتاب أنهم لا يعلمون كم بيع من كتبهم وكم هي حصتهم من المباع، ومنهم من لم يتم منحة بضعة نسخ من كتابه على سبيل الإهداء بينما تجد في بلدان أخرى غير العالم العربي أن المؤلف والكاتب يعيش من مبيعات كتبه.

هذه المعطيات تحتاج إلى أن تتم العناية بها بشكل جاد في معارض الكتب بوصفها أوسع الملتقيات التي تضم الناشرين والمؤلفين والقراء، مما تستوجب حوارات جدية ومعمقة في الإشكاليات الأكثر تأثيرا على حركة النشر وتطوير هذا القطاع وتطوير صناعة الكتاب إلى مستويات تتعدى الاجتهادات والمحاولات الفردية، ولكي لا تتحول معارض الكتب إلى واجهات وديكورات جميلة مفرغة من المحتوى الفعال والإيجابي الذي يطور صناعة النشر، ويشجع قطاع النشر ويستقطب المزيد من القراء والجمهور.

 

اقرأ أيضا:

        • هل يأكل ناشرو اليوم ويشربون من جماجم المؤلفين

9