تعديلات دستورية تعيد توزيع السلطة بين الجيش السوداني والموالين

أصوات سودانية تحذر من أن التنازع على الشرعية قد يعقد جهود وقف الحرب.
السبت 2025/02/22
كتل منقسمة

بورتسودان (السودان) - كشفت تسريبات عن أن التعديلات الدستورية التي أجازتها حكومة بورتسودان الموالية للجيش حرصت على حذف أي إشارة إلى المكون المدني أو قوات الدعم السريع، فيما حرصت على تعزيز صلاحيات المؤسسة العسكرية والموالين لها، وهو الأمر الذي يرفضه المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي اللذان لطالما دعيا إلى انتقال ديمقراطي مدني في السودان.

وتمثل التغييرات التي اتفق عليها في وقت متأخر الأربعاء أول تعديلات شاملة على الوثيقة الدستورية السودانية منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، وتأتي بعد قول قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان إنه يستعد لتشكيل حكومة في وقت الحرب.

وتأتي هذه التعديلات أيضا في وقت تجري فيه قوات الدعم السريع محادثات في العاصمة الكينية نيروبي قبل التوقيع على ميثاق سياسي من شأنه أن يمهد الطريق أمام تشكيل “حكومة السلام والوحدة” الخاصة بها.

وتحذر أصوات سودانية من أن التنازع على الشرعية الجاري حاليا من شأنه أن يعقد جهود وقف الحرب، والتي لم تحرز أي تقدم.

إزالة كل الإشارات إلى قوات الدعم السريع وقوى إعلان الحرية والتغيير، بالإضافة إلى إزالة المدنيين من مجلس السيادة

وأحدث الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع انقساما في السودان فضلا عن أزمة إنسانية هائلة، وجر قوى إقليمية إلى الصراع. وتعثرت الجهود الدبلوماسية لحل هذه الأزمة.

ومُني الجيش بخسائر عسكرية لفترة طويلة قبل أن يحقق مكاسب في الآونة الأخيرة في العاصمة الخرطوم ووسط السودان، بالتزامن مع حديث عن تلقيه دعما كبيرا من روسيا وإيران.

وتعود الوثيقة الدستورية التي أدخلت عليها حكومة بورتسودان إلى عام 2019 عندما وقع عليها الجيش وقوات الدعم السريع وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير المدني بعد فترة وجيزة من الإطاحة بنظام الرئيس عمر حسن البشير خلال انتفاضة شعبية.

وكان من المفترض أن يؤدي ذلك إلى حكم مدني بالكامل بعد الانتخابات، مع منح الجماعات المتمردة السابقة أيضا مناصب حكومية. لكن الجيش نفذ انقلابا في عام 2021، وعين مدنيين جددا في مجلس السيادة الانتقالي والحكومة اللذين يتمتعان بالسلطة الرسمية لأن البرلمان لم يتم تشكيله قط.

وتحت ضغوط داخلية وخارجية كان من المفترض أن يستعيد المكون المدني زمام الأمور، قبل أن يعمد فلول النظام السابق إلى تحريض الجيش على شن حرب على قوات الدعم السريع على أمل خلط الأوراق وعودة تصدرهم المشهد.

وفي البداية حققت قوات الدعم السريع في الحرب تقدما سريعا ولا تزال إلى اليوم تسيطر على مساحات شاسعة من البلاد، لاسيما في الغرب.

وذكر مصدران سودانيان طلبا عدم نشر اسميهما أن التعديلات على الوثيقة الدستورية تتضمن إزالة كل الإشارات إلى قوات الدعم السريع وقوى إعلان الحرية والتغيير، بالإضافة إلى إزالة المدنيين من مجلس السيادة الانتقالي الحاكم.

وسيضم المجلس تسعة أعضاء، وهم ستة ضباط تعينهم قيادة الجيش وثلاثة من قادة الحركات المسلحة الموالية للجيش.

الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع أحدث انقساما في السودان فضلا عن أزمة إنسانية هائلة، وجر قوى إقليمية إلى الصراع.

وقال المصدران إن التعديلات تمنح البرهان، بصفته رئيسا لمجلس السيادة، سلطة تعيين رئيس وزراء مدني وإقالته. وستحتفظ الحركات المسلحة، التي يعتمد عليها الجيش في الدعم العسكري، ببعض المقاعد في الحكومة المستقبلية.

ومن بين التعديلات التي أدخلت على الوثيقة أن تكون الفترة الانتقالية تسعة وثلاثين شهراً تبدأ من تاريخ التوقيع على الوثيقة.

ويرى مراقبون أن التعديلات الدستورية التي أجازتها الحكومة لا تعدو كونها إعادة توزيع جديد للسلطة بين الجيش والموالين له، مشككين في أن تلقى أي قبول من المجتمع الدولي.

ويشير المراقبون إلى أن حالة التشظي التي تعانيها القوى المدنية في السودان تغذي نوازع طرفي الحرب.

وانتقدت القيادية في حزب الأمة القومي رباح الصادق المهدي، طريقة تعامل القوى المدنية والسياسية مع الحرب القائمة بين الجيش وقوات الدعم السريع، واعتبرت أن النخبة في المجتمعين المدني والسياسي منقسمة إلى كتل يصطف بعضها خلف الجيش وبعضها الآخر يصطف خلف قوات الدعم السريع، مؤكدة أن إعادة تمدين المشهد السوداني قبل وبعد الحرب عملية مطلوبة ومضنية جدًا، وتتطلب أولا وقفة مع الذات ونقدها بموضوعية وتجرد، وتلامسا حقيقيا مع الشارع.

وشددت رباح في حوار مع صحيفة “مداميك” المحلية على ضرورة تفعيل دور النساء في السلام بالتوازي مع تفعيل دور القوى السياسية، والمطلوب هو اجتراح مسار نسوي للسلام لا يشكل بديلا عن المسارات السياسية الموجودة بل رافعًا قويا لها، مؤكدة أهمية أن تعمل النساء الفاعلات في المجال النسوي على الدعم والإغاثة وحتى الدبلوماسية المكوكية التي طالبت بها بعض النساء للاتصال بالدول الوالغة في الحرب أو المهتمة بوقفها، والتقريب بين رؤى الحل الممكنة، وذلك انطلاقا من قدرة النساء المشهودة على حل الخلافات.

2